الحوار مع مبارك الفاضل الشهير بـ(البلدوزر) دائما يأتي بجديد، ويحرك ساكن الساحة السياسية، فالرجل الذي يوصف بأنه (براغماتي) من الطراز الرفيع، مشهود له أيضا بالجرأة والمغامرة التي تصيب وتخيب في حقل السياسة المليئ بالمطبات.
في الجزء الثاني من هذه المقابلة، يرد الفاضل على منتقديه بشأن دعوته المعلنة للتطبيع مع إسرائيل، ولا يبدو مباليا بحمى المدافعة عن القضية الفلسطينية التي اشتعلت في أرجاء العالم عقب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده إلى فلسطين، لكنه رغم ذلك يقول إنه لم ولن يوافق أبدا على قرار ضم القدس إلى إسرائيل، ويدعو الرجل الذي وصل حد الهجوم عليه التلميح بـ (العمالة)، (المتحمسين) من السياسيين السودانيين إلى أن يسألوا سفارتنا في القاهرة عن مئات الشباب السودانيين الذين يخاطرون بحياتهم لطلب اللجوء في إسرائيل.
كما يتحدث أيضا في موضوعات أخرى ساخنة مثل انتخابات 2020، وإعادة ترشيح الرئيس البشير، ومواقف الحركات المسلحة من كل ذلك.
تاليا الجزء الثاني من الحوار:
* تعرضت لهجوم لاذع من شخصيات عديدة جراء حديثك عن التطبيع مع إسرائيل، ألا تخشى أن يؤثر ذلك على منصبك في الحكومة أو أن يسبب لك ضررا شخصيا؟
أنا لست أسيرا لوظيفة.. أنا زعيم سياسي وأنا في هذه الحكومة لبرنامج وليس لمكسب شخصي، لذلك بالنسبة لي الموقع الحكومي عبء وليس شرفا وبالنسبة لي مسؤولية ويحد من نشاطاتي وبالتالي ليس مهما، والمهم بالنسبة مبادئي ومصلحة السودان وليس مصلحة البقاء في وظيفة، أما أن يحدث لي ضرر شخصي فهذا غير موجود في ثقافتنا السودانية، وآمل أن لا تدخل في ثقافتنا.. لكن في النهاية الأعمار بيد الله ولا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وإذا في (زول) دخل في مسأله مثل هذه فسيورط نفسه لأنها لن تنتهي وسترتد عليه.. المجتمع السوداني ينفذ العنف والتطرف وما في زول سياسي سيكون لديه مستقبل إذا ذهب في هذا الاتجاه.
* لكنك تتحدث عن (التطبيع) بصورة تستفز كثيرا من السياسيين الذين وجهوا إليك نقدا شديدا شمل تلميحا بالعمالة؟
على المتحمسين من السياسيين أن يسألوا سفارتنا في القاهرة عن مئات الشباب السودانيين الذين يقبض عليهم شهريا في الحدود المصرية الإسرائيلية وهم يخاطرون بحياتهم لطلب اللجوء في إسرائيل.
انظري إلى تركيا وهي حليف عسكري لأمريكا وعضو في حلف الناتو ورغم توجهات حزب العدالة الإسلامية ومواقفها السياسية والدبلوماسية الداعمة للقضية الفلسطينية تحتفظ بعلاقات دبلوماسية واقتصادية مع إسرائيل. هكذا يجب أن تعلو مصالح الشعوب على العواطف… وحده الفلسطينيين وسلاح الانتفاضة السلمية هو السبيل لكسب تأييد الرأي العام الدولي ومحاصرة إسرائيل وإقامة الدولة الفلسطينية.
* ما هو رأيك أنت في قرار ترامب؟
قرار ترامب يعطي مادة لحركة المتطرفين، وسيدفع بها لإذكاء العصبية، وتدفعهم في اتجاه الإرهاب والقتل وهو مؤذ لقضيتنا، بالتالي ليس في المصلحة من هذه الزاوية، وفي تقديري في النهاية ستوجد صيغة للأراضي المقدسة وستوجد صيغة لتسكين الدولة الفلسطينيه وإعطائها وضع في القدس الشرقية والحل النهائي هو حل سلمي وليست هناك دولة عربية ولا إسلامية واحدة مستعدة أن تعود لعملية مواجهة عسكرية حتى إيران وتركيا وباكستان ومصر جميعها لديها مشاكلها وقضاياها ومصالها التي يعطونها أولوية لكن هذا لا يمنعها من التعبير عن الغضب وإصدار البيانات وأن تأخذ قرارا لكن لن يكون هناك أكثر من الإعلام والدبلوماسية.
* بصريح العبارة هل تؤيد أم ترفض قرار ضم القدس للاحتلال الإسرائيلي؟
نعم نرفض ضم القدس الشرقية لإسرائيل ونعبر عن ذلك بأقوى العبارات، لكن استعادة القدس وإقامة الدولة الفلسطينية، أي حل الدولتين لن يكون إلا بالضغط السياسي والدبلوماسي بمشاركة الغرب لتنفيذ اتفاقية أوسلو.
* عقدت قمة عربية طارئة والآن تعقد قمة إسلامية لمناقشه قرار ترامب بشأن القدس، ما هي توقعاتك؟
يجب أن نكون واعين بأن توازن القوى غير موجود وأن الموقف العربي ليس موقفا واحدا بل عدة مواقف وأن المصالح القطرية والأنظمة العربية المختلفة وتحالفاتها الإقليمية والدولية هي التي تملي مواقفها وليس موقفا عربيا مشتركا من قضية فلسطين أو غيرها، ويجب أن نعرف الآن بأنه لا توجد دولة عربية ولا إسلامية مستعدة للتضحية بمصالحها الوطنية من أجل خوض حروب أو الدخول في مواجهات مع القوى الدولية بسبب فلسطين أو القدس، وإليك تركيا لديها تمثيل دبلوماسي وعلاقات مع إسرائيل ولديها جزء من حلف الناتو وتحالف عسكري مع أمريكا لذلك مصلحتها مع أمريكا ويمكن أن تعبر عن مواقف دبلوماسية وعن إدانات، لكن، عمل حقيقي ضد أمريكا أو إسرائيل هذا مستبعد لأن هذه الدول تحكمها مصالحها وأمنها القومي.
* إذن هل لديك حل غير مطروح للقضية الفلسطينية؟
قضية الصراع العربي الفلسطيني محسومة باتفاقية أوسلو.. قالت أوسلو إن مصير القدس يتم بالحوار، ليس هناك مجال لمواجهة القضية الفلسطينيه عسكريا مرة أخرى ولا حروب ولا دخول دول عربية وإسلامية في حروب أو مواجهات أو الدخول في عداءات مع أمريكا أو إسرائيل بل الحل سيكون في (أوسلو) ومزيد من الحوار للوصول لتسوية بين الطرفين وقضية القدس من الأفضل للحفاظ عليها أن يتم تداولها في إطار مصلحة كل الأديان المسيحية واليهودية والإسلامية ما نحاول تحويل الموضوع لقضية إسلامية أو قضية تتبع لفلسطين بل نذكي المواقف الجماعية وأن المسيحيين واليهود والمسلمين يجب أن يتحالفوا ليجدوا وضعا لهذه المنطقة خاصة المناطق المقدسة فيها لأنها تهم الأديان الثلاثة وبهذا تكون قوة أكبر للضغط على إسرائيل ليكون هناك حل لمسألة القدس لكن أول ما تذكي عصبية إسلامية في هذا الموضوع سيقف ضدك الآخرون لذلك يجب التركيز على الوضع القانوني الدولي والقرارات الأممية والتركيز على مصلحه الأديان الثلاثة في إيجاد وضع للقدس يكون مقبولا وفي ظل هذا تجد وضعية لموضوع للدولة الفلسطينية، إذا قدمت موضوع الإسلام فقط وفلسطين فقط فستفقد الدعم المسيحي والتعاطف اليهودي الذي لا يتفق مع الدولة في إسرائيل وفي النهاية سيتم إيجاد صيغة دوليه للمناطق المقدسة تشمل الأديان الثلاثه وفي نفس الوقت صيغة عاصمة للدولة الفلسطينية تشمل القدس الشرقية.
* لنترك هذه القضية عند هذا الحد ونعود للشأن الداخلي، تحدثت عن التطبيع مع الولايات المتحدة ولكنه مرتبط برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، لكن نائب وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته للخرطوم وضع ثلاثه شروط خاصة بالحريات الدينية هل تتوقع أن تتنازل الحكومة في هذا الشأن؟
حديث وزير الخارجية هو أصلا جزء من مخرجات الحوار.. وهذه المواد أقرتها مخرجات الحوار ودعت إلى إلغائها (51،52،53) من القانون الجنائي.. وأنا أثرت هذا الموضوع في أكثر من مرة في اجتماع لجان متابعة التنفيذ، وقبل ثلاثة أيام أثرته مع وزير العدل وكان الحديث عن أن مواد النظام العام هذه ولائية.. والولايات نفسها استمدت قانون النظام العام من القانون الجنائي.. قلت لماذا لا تستعجلون هذه المجالس لإلغاء هذه المواد وهناك 108 قوانين منصوص عليها في مخرجات الحوار ليتم تعديلها وبعضها تتضمن تغييرات أساسية.. كل هذا سلمه مجلس الوزراء للجهات المختصة ولديه اجتماعات دورية يراجع فيها الأداء.
* إذن هذه الشروط ليست جديده بالنسبة للحكومة؟
ما اثاره نائب وزير الخارجية ليس جديدا.. هي أجندة سودانية تمت إثارتها في مؤتمر الحوار قبل أن يتحدثوا عنها الأمريكان، إذا كان هناك تقصير فهو من تأخير مجالسنا التشريعية وعليها أن تعطي هذه القضايا أولوية، ودائما أتحدث أن هذه القضايا هي التي تجد صدى لدى الرأي العام.. لذلك يقاس بها مدى جدية تنفيذ مخرجات الحوار ولا يهتمون بالقضايا الاقتصادية والقضايا الأخرى، وبالنسبه لنا سياسيا هذه القضايا محسومة، وأصبحت العملية في كيف تنفذ على أرض الواقع وأن يتم إلغاء هذه القوانين من قبل المجلس التشريعي لولاية الخرطوم والمجلس الوطني وان يتم تعديل القوانين الـ(108) المنصوص عليها في الحوار، وقرارات الحوار لا يمكن أن ترفض لأنها أجيزت وأصبحت سياسة الدولة، ونأمل من وزير العدل أن يدفع هذه الأجهزة إلى تسريع الإجراءات.
* كما تعلم فقد اعترض الإمام الصادق على إعادة ترشيح الرئيس في2020، ما هو موقف مبارك من ترشيح البشير؟
طبيعي أن يرفض لأن الصادق يريد الوصول لهذا المنصب، فهو يريد الوضع الذي جاء بعد 1989.. يريد أن يذهب (ناس الحكومة) ويخرجوا من الصورة وينفتح الطريق أمامه.. هذه تقديراته كشخص معارض ومنافس على المنصب.. طبيعي أن يكون هذا موقفه، لذلك قلت له في نقاشاتنا الداخلية قبل الدخول للحوار أن تتفق معنا في توحيد الحزب وندخل الحوار موحدين لأننا نحن أقدر على الاتفاق لأننا لسنا (طمعانين) في الرئاسة وبسهولة يمكن أن نتفق مع الرئيس البشير لأننا لسنا على تنافس معه في الرئاسة نحن يهمنا برنامج التغيير وأنت منافسه في الرئاسة بالتالي أنت لا تستطيع أن تعمل اتفاقا ونحن أقدر منك و(كلامي طلع صاح)، وهو فقد فرصة الاتفاق وبدأت عملية الحوار الذي كان هو مؤسسه كما فقد وضعه في المعارضة لأنها تشتت جميعها إلى نداء سودان وجبهة ثورية.. تقديراته كلها كانت خاطئة.
* هل يدعم مبارك الفاضل ترشيح الرئيس البشير في 2020 أم سيدخل مع حزبه في منافسة؟
أنا شرحت وجهة نظري.. قلت القضية ليست قضية ترشيح بل قضية تنفيذ مخرجات الحوار وتكملة السلام وتحقيق التطبيع الكامل واعفاء الديون واحداث التغيير وقلت من أجل هذا نحن نفكر أن لا يتنافس الناس لكن تكون هناك جبهة الناس يمشوا بيها حتى 2024 لتثبيت كل هذه القضايا وقلت يجب في هذه الفترة الانتقالية أن تكون هناك صيغة تعاون عسكري مدني وأن لا نذهب في إطار كلاسيكي (أحزاب مدنية فقط).
* إذن انت تؤيد الوجود العسكري في السلطة؟
أنا أرى أن دور العسكريين الموجودين معنا الآن الرئيس البشير وبكري حسن صالح مهم جدا لإرساء دعائم الاستقرار قبل الدخول في مرحلة التنافس، لذلك أنا لا أنظر للمسألة من منظور من يترشح ومن لا يترشح، أرى المنافسة في هذه المرحلة خطرة وستعمق الانقسامات، وقبل أن نردم الفجوة ونعالج آثار الصراعات التي حدثت في الثلاثين سنة الماضية وهذا لن يترك الوضع يستقر حتى ولو ذهب عمر البشير ولو جاء الصادق المهدي رئيس.. فإن الوضع لن يستقر وسيحدث انقلاب ثاني.. لذلك أفضل لنا الاتفاق على برنامج جبهوي وتنفيذ برنامج الحوار ونعمل عملية الاستقرار وفي 2024 نطلق العنان للتنافس، لكن هذا لا يمنعنا من عمل انتخابات 2020 لكن لا نذهب إليها بتنافس ومواجهة.
* هناك أصوات بدأت تحذر من عملية تغيير الدستور حاليا لترشيح الرئيس البشير (المؤتمر الشعبي) نموذجا مما يعني أن تركيزهم على عملية الترشيح أكثر من برنامج التغيير كما تتحدث أنت؟
أنا بفتكر هذه وجهة نظرهم وهي مبينة على عملية المنافسة هم يفكرون في إطار المنافسة وأنا أفكر في إطار الاستقرار بعمل جماعي وصيغة عسكرية مدنية حتى نخلص من كافة المشاكل التي حدثت والبلد عودها يقوى وأنا مع البرنامج وليس مع الترشيح .
* إذن حزبك لن يكون جزءا من الانتخابات المقبلة؟
ندخل في جبهة وتضع اتفاقها من يأتي رئيس ونأتي باتفاق وفاقي ورئاسة وفاقية، البشير نفسه يقول أنا لا أريد أن أترشح نحن نشوف في ذلك الوقت الأفضل شنو ونحن ليس لدينا فيتو ضد عمر البشير ولا نرى أننا في مرحله المنافسة بل التركيز على البرنامج والاستقرار وإصلاح الاقتصاد والتطبيع هذا تقديرنا نحن في حزب الأمة.
* كيف تقرأ دعوة مالك عقار لدخول الانتخابات؟
أرحب باعلان عقار لأنه عقلاني وهذا حديثي لهم أن يعملوا (هبوط سلس) وينضموا للعملية السياسية لأن الحرب انتهت وهذا ما أقوله لمدة سنتين، لكن حديثهم هذا لأن القوى الدولية تقول لا ينتظروهم بالانتخابات من جاء لأن الانتخابات مرحلة من مراحل التغيير ويجب أن تمضي، وهم فهموا أنه ما عاد هناك من ينتظرهم ويدللهم ويعمل لهم اجتماعات ويدفع لهم الفنادق أو غيرها وقال لهم: (انتهينا من لعبة الحرب وقلنا لك تعال وأنت قويت رأسك خلاص شوف طريقك ودبر نفسك وأمشي الحق عملية السلام) وأنا أفتكر هذه المسأله حدثت لموسى هلال وللحركات الأخرى.
* تقول إن المجتمع الدولي أوقف تعاونه حتى مع الحركة الشعبية بقياده عقار وعرمان؟
لو ملاحظة الآن.. أوقفت كافة اجتماعاتهم في لندن وباريس وأوروشا لأنها انتهت.. الدلال والاهتمام انتهى والرسالة هي: (عليكم أن تلحقوا).
* ألا يمكن أن تكون مجموعة عقار وعرمان جزءا من انتخابات 2020 وتكوين حزب سياسي؟
إذا تخلصوا من أي وجود عسكري وعملوا اتفاقات لتجميد الوجود العسكري مثل (ناس دبجو وناس أبو قردة) يمكن أن يعملوا احزابهم ويأتوا بعد نفض أيديهم من العنف وهي عملية إيجاد معالجة للوضع العسكري.. لكن ليس لديهم الآن القدرة على فرض شروط ويجب أن يقبلوا بعملية التحول التدريجي الذي ذهب إليه الآخرون ويدفعوا مع هؤلاء في عملية التغيير.
* هناك بيانات تصدر باسم الحركة العبيه قطاع الشمال من قبل مجموعة عقار ومن قبل الحلو.. مع من سيكون التفاوض المقبل؟
الموضوع هذا حسمه المجتمع الدولي.. فهو يعتبر أن الذي الحدث في الحركة الشعبية هو أن القوة الأساسية هي النوبة وما حدث هو إبعاد ياسر عرمان ومالك عقار من الحركة الشعبية الأم وأن العملية ليست انقساما وإنما إبعادا لهم من الحركة، وإن الحركة الأساسية هي حركة الجبال التي يقودها عبد العزيز الحلو، ويعتبرون أن جلهم ذهب للحلو وعليهم الجلوس لإكمال إجراءات الدخول في عملية السلام.
اليوم التالي.