الحوار مع مبارك الفاضل الشهير بـ(البلدوزر) دائماً يأتي بجديد، ويحرك ساكن الساحة السياسية، فالرجل الذي يوصف بأنه (براغماتي) من الطراز الرفيع، مشهود له أيضا بالجرأة والمغامرة في حقل السياسة المليء بالمطبات.
في هذه المقابلة لا يتوانى الفاضل في الرد على كل الأسئلة بما فيها التي تحمل نقدا حادا ضده، على شاكلة أن مبارك يعمل جاهدا على إيقاع (فتنة) وسط الإسلاميين بين العسكريين والمدنيين، كما أنه يكون أكثر مباشرة عندما يأتي الحديث عن بن عمه وغريمه السيد (الصادق المهدي)، فهو يتهم الإمام بأنه يتخذ موقفا (تحريضيا) لمصر ضد الحكومة السودانية، وأنه يسعى لإعادة الأوضاع إلى ما قبل 1989م بأن يحل مكان الرئيس عمر البشير.
ويذهب اللقاء مع الفاضل حول قضايا أخرى مرتبطة بالاقتصاد ومشكلاته المزمنة، ومؤتمر شرم الشيخ الذي غاب عنه رجال القطاع الخاص رغم دعوتهم، ويكشف عن ما دار في لقائه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وعن الفرص الاقتصادية التي يسعى لتوفيرها في مجال الاستثمار بالسودان.
تالياً الجزء الأول من المقابلة التي استمرت زهاء الساعتين بمنزل أسرته بشارع البلدية.
* بداية.. ما هي استفادة السودان من مشاركتكم في ملتقى شرم الشيخ الاستثماري؟
شرم الشيخ ملتقى استثماري نظمته مصر مع (الكوميسا)، ودعت له عددا من الرؤساء الأفارقة وعددا كبيرا من الشركات الأفريقية والمصرية، وهو في اعتقادي خطوة موفقة من المصريين بأنهم بدأوا في الاهتمام بأفريقيا، لأن المصالح المصرية الحقيقية في أفريقيا الجنوبية، وهي خطوة موفقة لبناء العلاقات الأفريقية.. الرئيس السيسي في اللقاء قال الأهم ربط أفريقيا بالسكة الحديد لنقل البضائع، والقمة حضرها عدد من الرؤساء الأفارقة وعدد من نواب رؤساء الوزراء لمجموعة من الدول.
* هل التقيت الرئيس السيسي على هامش الملتقى؟
التقيت الرئيس السيسي وقلت له إن حديثك حول السكة الحديد في محله، لكن السكة عبر السودان من حلفا حتى واو ومن حلفا في الحدود مع مصر حتى غرب السودان.. إذا حدثت إعادة تأهيل للسكة حديد وربطنا السكة حديد المصرية مع السودانية فيمكننا إعادة تأهيلها، ويمكن توصيل السكة حديد إلى واو وإلى جوبا ويوغندا ويتم ربطها مع تنزانيا وكينيا وبورندي والكنغو، ونكون بهذا ربطنا مصر والسودان مع شرق أفريقيا، وإذا أهلنا نفس السكة حديد الواصلة غرب السودان وتم مدها إلى تشاد ومن تشاد تم مدها إلى الكاميرون ونجيريا نكون ربطنا غرب وشرق أفريقيا بالسودان ومصر وربطنا ما بين البحر الأبيض المتوسط والأطلنطي، وبهذا تكون هناك دفعة اقتصادية كبيرة جدا لاقتصاديات مصر والسودان والتواصل مع هذه الدول تجاريا.
* وماذا كان رد الرئيس السيسي على هذه المقترحات؟
قال لي كلامك صحيح.. وأنا قبل سنتين اقترحت هذا الكلام، فالفرص كبيرة جدا خاصة للسودان، فهو المدخل لشرق أفريقيا وغربها وبقية شمال أفريقيا أيضا، لذلك هناك فرص كبيرة جدا في هذا الاتجاه.. مشكلتنا نحن ارتبطنا بالدول التي كانت تستعمرنا ووسائل الاتصالات كلها كانت مرتبطة بهذه الدول، بالتالي خطوط التواصل أصبحت ما بين المستعمرات والمستعمرين، وغاب التواصل الأفريقي لذلك ظلت علاقاتنا شكلية في منظمة الوحدة الأفريقية أو الجامعة العربية، لعدم ربطنا للمصالح وأصبحت اتصالاتنا مرتبطة بالأطراف الأخرى، وركز الرئيس السيسي في ختام حديثه في الملتقى على التكامل ما بين السودان ومصر، وهذا أيضا دار في اللقاء الذي جمعنا على هامش الملتقى موضوع التكامل.
* هل شارك خلال المؤتمر رجال أعمال سودانيون أم كان التمثيل حكومياً فقط؟
دعونا عددا من رجال الأعمال، عدد منهم غاب وعدد شارك مثل أسامة داود والبروفيسور الصادق عمارة وكمال إبراهيم أحمد، وكنا حريصين على دعوة عدد كبير من رجال الأعمال للحضور ليكون لديهم تواصل مع رجال الأعمال في أفريقيا.
* هل أجريت لقاءات أخرى على هامش الملتقى؟
لا توجد لقاءات مباشرة، ولكن كان هناك تبادل حديث وآراء داخل أروقة الملتقى مع سكرتير عام الكوميسا ونائب الرئيس اليوغندي، ولكن الملتقى وفر فرصة جيدة من أجل لقاء عدد من الوزراء المصريين مثل وزير الري وبعض رجال الأعمال المصريين ودارت نقاشات معهم.
* أوردت الصحف المصرية حديثا منسوبا إليك أعلنت فيه رفع الحظر عن المنتجات المصرية في يناير؟
أنا لم أصرح، التقى بي صحفي وأنا أتوجه نحو السيارة، قال لي أنا من صحيفة البورصة وسألني عن الأمر، وقلت له وزير التجارة السوداني كان لديه اجتماع مع وزير التجارة المصري، ومن الأفضل أن تسأل وزير التجارة، لأنني لم أكن حاضرا فهو (جاب من راسو الكلام عن يناير).
* إذن ما هو الجديد حول هذا الأمر؟
لا جديد.. هذا الملف الآن لدينا فيه قائمة سلبية من السلع، ونريد تخفيف الاستيراد وتشجيع الإنتاج المحلي حتى الدواء نريد أن يكون منتجا محليا.. القرار الذي صدر أوقف استيراد عدد من السلع من كل العالم وليس مصر فقط.. هناك محاولة الآن لتخفيض فاتورة الاستيراد والتركيز على الصناعات المحلية، ولذلك كثير من الصناعات المصرية الخفيفة ستتأثر لكن بعضها لا يتأثر كالأثاثات لأنها كانت مربوطة بالمواد الغذائية.. لأن المعامل أثبتت أن المواد الغذائية التي تأتي غير صالحة.. وهم قالوا: هذه غلطة رجال الأعمال السودانيين الذين يأخذون الفرز الثالث، لأنه رخيص، وبالتالي هم المسؤولون عن هذه المسألة.. بالتالي الممنوع استيراده هي المواد الغذائية وليست السلع الأخرى.. بالنسبة للأدوية فقد تم منع استيرادها من كل العالم.
* كيف تنظر الآن للعلاقة ما بين السودان ومصر خاصة بعد زيادة حدة التوتر بسبب قضية سد النهضة؟
أنا (شايف) مشكلة العلاقة ما بين مصر والسودان تتمثل في وجود حساسية كبيرة لدى الطرفين، وهذه الحساسية تدفع بأشياء صغيرة لأنْ تكبر.. مثل هذه القضايا يمكن حلها بسهولة لأن سد النهضة لا يوجد شيء يمكن عمله في هذا الملف بعد أن أصبح أمرا واقعا ولا يمكن تغييره، وبالتالي هناك أشياء يجب التفاهم عليها بصورة ودية ما بين الأطراف.. السودان يمكن أن يلعب دور المسهل، لأنه الآن ليس لديه قرار السد.. صحيح أنه مستفيد من السد في الكهرباء وغيرها، لكن السودان ليس أكثر من مسهل بين الطرفين.
* هل تطرقت لهذه القضية خلال لقاءك وزير الري المصري؟
نعم، تطرقت ومصر لديها مخاوف هم يتحدثون حول احتمالية حدوث جفاف متواصل؟ وعن إن كانت إثيوبيا ستفتح لهم السد وتعطيهم الماء؟، وفي حالة الطوارئ ماذا يمكن أن يحدث؟ الأسئلة كانت نظرية وتعبر عن مخاوف، وهذه المسائل يمكن أن يصلوا حولها لاتفاقات في إطار ودي، ووجدت في نقاشي مع (الوزير المصري) أنهم مقتنعون بأن هذا الموضوع أصبح حقيقة و(مافي طريقة غير التعامل معه بالتي هي أحسن)، مشكلتهم مع السودان هي (مشكلة الأخ الكبير مع الصغير)، رغم أن موافقة السودان على السد الإثيوبي من عدمها لن تفعل شيئا، لكن هم يرون أن السودان لا يجب أن يقف محايدا.. فهم يعتقدون أن مصر هي الأخ الأكبر للسودان وعليه أن يقف معهم ولا يكون محايدا، لكن السودان مصلحته مع السد، ولديه كل النوايا الحسنة والطيبة في أن لا تتضرر مصر، بل إن السودان لم يوقع على اتفاقية عنتبي لفترة طويلة إكراما لمصر، لكن أيضا السودان لديه مصالح ويجب أن يرعاها ولا يستطيع تضييع مصالحه فقط لعلاقته وقربه من مصر.
* تحدث الإمام الصادق المهدي في حوار مع “اليوم التالي” بأن السودان يناور في قضية سد النهضة ودوره توفيقي وأن لا يكون منحازاً؟
أعتقد أن السيد الصادق ليس لديه معلومات عن تفاصيل المباحثات، ولو كانت لديه معلومات ما كان قال هذا الحديث، وفي نفس الوقت بالنسبة لي فإن حديثه تحريضي.. تحريض مصر على النظام السوداني من باب المؤامرة، لكن ليس لديه معلومات لأن شخصاً في وضعه ولديه كتاب عن المياه لن يقول مثل هذا الحديث، بل العكس كتابه وكلاماته كلها كان يلوم فيها مصر في أنها لم تهتم بدول المنبع وأنها مخطئة في عدم وضع اعتبار واحترام لدول المنبع، وأنها تأخذ موضوع المياه كمسلمات، وكان (الإمام الصادق) يردد هذا الحديث كثيرا، وقال في كتابه: (بدل دخول مصر في مواجهة مع دول المنبع، عليها تغيير سياستها)، بينما هو الآن من موقع معارض يريد تحريص الحكومة المصرية على الحكومة السودانية.
* مبارك الفاضل متهم بإشعال الفتنة بين البشير والحركة الإسلامية ويعمل على حل الحركة؟
لا.. أنا لديَّ قاعدة حزبية، ولدينا في السودان مجتمع دولي نتعامل معه، أنا دخلت هذا النظام وفقاً لبرنامج الحوار الوطني، وهو برنامج تغيير، ويعني انتهاء احتكار السلطة بواسطة حزب، ويعني أن مرحلة التمكين قد انتهت، ويعني أن مصالح السودان تخدم من خلال علاقات السودان الخارجية وتؤسس على مصالح السودان القومية، وليست على مصالح أحزاب وأيديولوجيات وأجندة، أنا لست ضد أن يكون الإسلاميون جزءا من الكل، لكن ضد أن يقدموا أنفسهم كأنهم أصحاب البلد، وضد الاستمرار في الدفع بأجندتهم الحزبية لتصبح هي سياسة الحكومة وتشكل علاقات السودان الخارجية.. أنا أتحدث عن أن هذه المرحلة قد انتهت، والرئيس نفسه قال مرحلة التمكين انتهت.
* هل تقصد أن اعتراضك يتعلق بفرض الإسلاميين لسلطتهم في اتخاذ القرارات؟
أنا لديَّ قاعده تقول لي كيف تشارك في سلطة وفي نظام تابع للإسلاميين وتحتكره؟ وما تزال سياساتهم قائمة؟ وأنا أقول لهم لا.. الوضع في طريقة للتغيير وهم ليسوا أصحاب القرار ولا حتى أيديولوجيتهم حاكمة لسياسات السودان.. بالنسبة لي مهم جدا أن أخاطب قاعدتي.. لأنني مساءل أمامها.. ويتعبني جدا أن أشرح للناس لأنهم لا يريدون أن يصدقوا أن هناك تتغييرات كثيرة، صحيح أن الإسلاميين موجودون لكن أجندتهم ليست مسيطرة، بدليل أن الرئيس البشير يقف الآن مع النظام في سوريا، بينما النظام يقاتله إخوان مسلمون وحركات إسلامية.
* إذن انتقادك للحركة الإسلامية من أجل التوضيح لقواعدك والرأي العام؟
أنا لديّ قاعدة أخاطبها ورأي عام أيضا لديه موقف من أن السودان تحكمه أيديولوجيا حزبية تابعة للإخوان المسلمين.. المجتمع الدولي نفسه لن يتعامل مع السودان إذا كانت تحكمه أيديولوجيا حزبية تابعة للإخوان المسلمين، وستظل عملية المقاطعة والعقوبات قائمة، لذلك نحن لابد أن ننبه إلى أن السودان لم يعد كذلك، وأن البشير عمل تحول (360) درجة في علاقات السودان، وخرج من محور إيران ودخل في تحالفات مع الخليج والسعودية.. الآن في الصراع مع قطر وقف السودان في الحياد، والبشير ملتزم بهذا أمام الكل، وهو الضامن لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، والآن الحكومة ورئيس الوزراء ملتزمون حرفيا بالتنفيذ، فهناك حرص، وأنا أعبر عن واقع ولا أفتن لأنه لا يزال البعض يقول إن النظام تحكمه الحركة الإسلامية ويتهموننا بأننا (شغالين معاهم)، وهذا يؤثر علينا في سياستنا الخارجية.
* ولماذا أنت فقط من يعمل على توضيح هذا الأمر؟
أنا شهادتي مهمة جدا، لأنني كنت معارضا ولديّ مصداقية وشهادتي مهمة جدا للعامة ومهمة جدا للرأي العام الداخلي، وأنا (البشوفوا صاح بعملوا) ولديّ تفويض من رئيس الوزراء، والحكومة تعمل بصورة مؤسسية ولا توجد قرارات تتخذ خارج مجلس الوزراء ولا توجد حاجة يتم طبخها في خارجه، والمواضيع كلها تناقش بشفافية، الآن هناك جهد وجدية في تنفيذها، لذلك شهادتي مهمة وحديثي هذا قد يخلق حساسية أن فلاناً هذا مستهدف.. وقلت لهم استحملوا نتيجة ما تحدثتم عنه مثل (أمريكا روسيا دنا عذابها).
* ما ردك على حديث إبراهيم السنوسي أثناء مخاطبته جمعة الغضب، حيث قال نحن أهل الإنقاذ ومن مؤسسيها ولن نسمح بأي عميل بيننا وعلى استعداد للدعم المالي وسنجاهد بأنفسنا؟
حديث إبراهيم السنوسي وهو في منصب رسمي يمكن أن يعمل تخريبا كبيرا جدا لعلاقاتنا الخارجية، ويعمل تقويضا كبيرا لأي ثقة يمكن أن تبنيها الحكومة عندما يقول (نحن الإنقاذ الأولى)، فهو يتحدث عن الدولة بأجندته الحزبية، ويلغي الآخرين.. هذا حديث خطير جدا، وما كان ينبغي أن يصدر من شخص سياسي مخضرم مثله، وهو لديه منصب رسمي يجب أن يكون حذرا ويضبط نفسه ولا يترك الحماسة تدفعه لمثل هذا الحديث، لأنه يدمر مصداقية التغيير ويلغي بظلال غير سليمة في علاقاتنا الخارجية، ويخلق لنا تشويشا خصوصا وأنه توجد لوبيات مسيحية في أمريكا ضد السودان، ستقول لا يوجد تغيير وبالتالي تدعو أصحاب القرار بأن لا يكون هناك تطبيع مع السودان، نحن (ما عايزين ندخل نفسنا في ورطة مثل هذه).
* أيضاً تحدث السنوسي وبعض رجال الدين بأنهم لن يسمحوا بالتطبيع مع إسرائيل؟
هذا رأيه ورأي الآخرين.. ونحن نحترم هذا الرأي في ظل احترام الرأي والرأي الآخر، ونقول قضيتنا ليست إسرائيل وغيرها.. قضيتنا مصالح الشعب السوداني.. هم ينطلقون من مصلحة أيديولوجيا حزبية لأن لديهم مسألة عدم الاعتراف بالحدود والسيادة كحركة إخوان مسلمين، وبالنسبة له حماس جزء من حزب الله، لأنه لا يعترف بالحدود والسيادة الوطنية.. نحن في حزب الأمة الحزب الوحيد النابع من تراب هذا الوطن، لأننا امتداد للثورة المهدية.. وكل الذين يتحدثون سواء كانوا قوميين عرب، إخوان مسلمين.. جميعهم أيديولوجيات وافدة وأفرع لأحزاب جاءت من خارج السودان، ونحن نمثل الوطنية السودانية الحقيقية، والمهدية أسست الدولة السودانية، لذلك يهمها مصلحة الشعب السوداني وتضع السيادة السودانية فوق كل اعتبارات أخرى حزبية أو غير حزبية، ولما يأتي صندوق الانتخابات لا يجدون شيئا، ونحن نمثل الثقل السياسي والتاريخي في السودان، وهم يمثلون أحزابا وأيديولوجيات جاءت من الخارج، هذا واقع وليس إساءة للحزب الشيوعي أو الإخوان المسلمين أو حركة القوميين العرب البعث والناصريين.
اليوم التالي.