من (جرائم المكان) إلى نار القرآن
تبعد همشكوريب أو (السرج الأغبش) حوالي أربع ساعات ونصف الساعة عن كسلا في الاتجاه الشمالي الشرقي، وهي ذات طبيعة جغرافية محاطة بالجبال من النواحي الشمالية والشرقية والجنوبية في شكل (قوس)، ويقدر عدد سكانها بحوالي (25) ألف نسمة من جملة عدد سكان المحلية (55) ألف نسمة، ومن أشهر الأحياء (بيتاي) و(عرفات) و(همشكوريب غرب) و(ردي).. وهمشكوريب منطقة تشتهر بكثرة الخلاوي التي تدرس القرآن الكريم وعلومه، ومؤسس خلاوي همشكوريب هو الشيخ “علي بيتاي” وكان ذلك في العام 1951 بتحويله المنطقة التي كانت مصدر خطر على حياة الناس جراء الجرائم التي ترتكب إلى منطقة يشع منها نور القرآن. وتعود أصول الشيخ “علي بيتاي” إلى (خور همشكوريب).
يقدر عدد طلاب خلاوي همشكوريب بحوالي (7) آلاف طالب و(15) ألفاً من النساء في عدد (22) مركزاً، وتستوعب الخلاوي طلاباً من مختلف ولايات السودان خاصة من ولايات دارفور، بجانب طلاب أجانب من دول أفريقية عديدة أبرزها النيجر وبنين ونيجيريا.
تطعم الخلاوي طلابها من العصيدة التي خصص لها مصنع بسعة (6) جوالات دقيق، ويعمل المصنع بالفحم الحجري ويتم استهلاك (45) جوال دقيق في اليوم الواحد.
يقطن المنطقة سكان من مختلف القبائل لكن الهدندوة (الجمالاب) هم الأكثر من بين القبائل الأخرى. وتنتشر خلاوي همشكوريب في مناطق عديدة من السودان يصل عددها إلى (200) خلوة. ويتم تدريس علوم الحديث والفقه في مراكز المرأة، وتم تقديم نماذج للتلاوة ودروس في غُسل الميت.
{ نظام التعليم
المقرر اليومي يكون على لوح من الخشب بنوع من الحبر يصنع في الخلوة يسمى “العمار”، ثم تأتي حصة “الضهرية” بعد صلاة الظهر وهي لتصحيح القراءة ثم القيلولة، ثم تأتي “العصرية” وهي مخصصة للحفظ ومراجعة المحفوظ، وبعد المغرب تبدأ حصة التسميع وبعد صلاة العشاء تأتي حصة “العشاوية أو السُبع” وهي تكون في فناء الخلوة، ويتحرك الطلاب في حلقة دائرية وهم حفاة الأقدام والهدف منها مراجعة الأجزاء التي حفظها الطلاب من قبل، ثم النوم مبكراً.
وتعتمد الخلوة على نظام المعلم الواحد، فالشيخ يمكن أن يشرف على عدد من الطلاب يصلون إلى المائة بمعاونة المتقدمين من الطلبة في القراءة له في التدريس، حيث يتم توزيع الطلبة الجدد على الطلبة المتقدمين في الدراسة ليقوموا بتدريس إخوانهم. كما يشرف الشيخ على هؤلاء المتقدمين في الدراسة مع مراقبة قراءة إخوانهم. وهذه الطريقة أثبتت نجاحها وأعطت ثماراً طيبة في معرفة المسلمين لحفظ القرآن الكريم طوال القرون السابقة.
وتبدأ القراءة في الخلوة بتدريس الحروف نطقاً وخطاً، والوسائل المستعملة هي: لوح من الخشب، ونواة التمر، وقلم البوص، ويكتب الطالب على التراب، ويكتب له الشيخ الحروف بنواة التمر على اللوح لكي يتبع أثر النواة ويقلّد كتابة شيخه على اللوح بالمداد الأسود.
ويحدد شيخ الخلوة لكل طالب المقدار الذي يناسبه من الآيات القرآنية ليحفظها حسب ذكائه.
كسلا ـ أبو وائل
صحيفة المجهر السياسي