صناعة الاستهلاك وصناعة الاقتصاد
كل إجراء اقتصادي تُقدِم عليه الحكومة- أية حكومة- سيكون له ناقدون.. ومعترضون.. ومتضررون منه.. ومستفيدون.
{ قرار وزير التجارة بحظر استيراد (19) سلعة غير ضرورية- القائمة أطول سيدي الوزير وتحتاج إلى المزيد- وقفت ضده من أول لحظة غرفة المستوردين، وهذا مفهوم وطبيعي، ولكن هذا لا يعني أنه قرار معيب، بل هو عين العقل الاقتصادي لو حررنا المسألة من مصالح عشرات أو مئات أو حتى آلاف التجار والسماسرة.
{ بأي منطق يستورد السودان سلعاً بنحو (9) مليارات دولار، بينما صادراته لا تزيد عن (3) مليارات؟!
{ لو كان هؤلاء السادة التجار ورجال الأعمال يفلحون الأرض بملياراتهم المكدسة في البنوك والعقارات وتجارة الاستهلاك، يفلحونها زراعة لملايين الأفدنة البور، ويستثمرون في الصناعة كما يفعل الأجانب اليوم في بلادنا؛ أشقاؤنا من سوريا والسعودية واليمن وتركيا، لقفز السودان إلى مصاف دول عبرت محطة المأزق الاقتصادي إلى محطة الرفاهية والفوائض في الميزانية، مثل حال “الهند” و”ماليزيا” و”سنغافورة” و”البرازيل” و”جنوب أفريقيا”.
{ في الوقت الذي ينفق رجل أعمال “يمني” (10) ملايين دولار في إنشاء مصنع دواء بالخرطوم بحري، ملأت منتجاته الأسواق عقاقير طبية ومضادات حيوية بسعر يساوي (ربع) سعر المستورد من نفس الصنف، وبجودة أعلى، فإن بعض رجال الأعمال (السودانيين).. أولاد البلد.. يضاربون بنفس الـ(10) ملايين دولار في سوق الدولار والدرهم والريال ليدمروا اقتصاد الدولة!!
{ الـ(10) ملايين دولار التي غطت حاجة البلاد من بعض الأدوية بصناعة محلية راقية، يستثمرها تاجر سوداني آخر في استيراد (حلاوة ماكنتوش) بمسمياتها المختلفة!!
{ ويستثمرها تاجر ثالث في شراء (4) بيوت في الرياض والمنشية وقاردن سيتي، ليسكنها البوم أو يؤجرها- الأربعة بيوت- بـ(10) آلاف دولار أو أقل!! ولسان حالهم وسياستهم جميعاً: (صناعة شنو.. وزراعة شنو.. البيوت دي لا بتاكل.. لا بتشرب)!!
{ وكأنهم لا يلاحظون أن أثرى أثرياء السودان استثمروا في الصناعة وليس العقار أو استيراد سلع كمالية، وتعرفون تاريخ صناعة رجل باذخ مثل الراحل “عمر عثمان” صاحب مصانع زيوت وصابون (التيتل)، وتسمعون إن لم تروا مجمعات صناعات السيد “معاوية البرير”، وتستخدمون منتجات مجموعة (دال) للسيد “أسامة داوود عبد اللطيف” وإخوانه، ويعرف الجميع صناعات السيد “علي إبراهيم مالك” وإخوانه، وأسماء عديدة في دنيا الاقتصاد السوداني نجحت في قطاع الصناعة وقدمت للبلد.
{ أما الذين يبحثون عن تحقيق العوائد السريعة وجني الأرباح الفلكية من غير جهد ولا إنتاج، فهم الذين يعملون على تحويل الشعب السوداني من شعب منتج إلى شعب مستهلك، يستورد الطماطم والجرجير من “السعودية”، والسمك من “موزمبيق”، والعصير من “دبي”!!
{ أما الفئة الثانية من تجار تدمير الاقتصاد فهم المضاربون بملايين الدولارات في سوق العملات، فلا بسكويتاً يصنعون، ولا قمحاً يزرعون، ولا هم يحزنون!!
الهندي عز الدين
المجهر