الوجود الأجنبي في السوق المحلي.. الأعراض تُستباح بأيدي الغرباء
مياه طافحة وروائح كريهة وممارسات لا يطالها القانون
الخمور البلدية والحشيش تُروّج في وضح النهار
مراحيض عشوائية و(رواكيب) تزاحم أهل المنطقة
مجرمون ومعتوهون يسدون الطرقات والسلطات تصم الآذان
مواطن: لابد من تقنين الوجود الأجنبي، وفرض هيبة الدولة
تحقيق وتصوير أمينة الفضل
قادني القدر وليس الصدفة، إلى منطقة تقع وسط الخرطوم بل تكاد تكون من أرقى أحياء الخرطوم أو هكذا تم التخطيط لها قبل أن ينقلب الحال وتصبح أشبه بمكب النفايات، وطاردة وغير مرغوب السكن بها، لم أستطع العبور داخل أزقة هذه المنطقة، ببساطة لأنك لا تستطيع ولن تستطيع، اكتفيت بالطرق الرئيسية لكني صُدمت بمياه الصرف الصحي المنتشرة على مساحات واسعة تعلوها الطحالب والأوساخ والأكياس وبقايا الحيوانات ومخلفات البشر والكلاب الضالة.
جلست إلى الملاك والمستثمرين والعاملين فسمعت العجب، لم أكتفِ بالسمع بل رأيت بنفسي كيف يهيم المجانين في الطرقات، وكيف يقضون حاجتهم في العراء وأولئك الذين يدخلون بيوت الخمور ليحتسوا ويشترون، سألت السكان والملاك لماذا لم تقدموا شكوى فأخرجوا لي مستندات الشكاوى التي قدموها للجهات المسؤولة فلم يجدوا حلاً جذرياً لما يعانون، في هذه الحلقة نعرض المشكلة ونسأل أهل الاختصاص، ما هو دورهم فيما يحدث من تدهور بيئي مريع وتدهور سلوكي بعيداً عن الرقابة والمتابعة؟.
عدم ثقة
بدا لي أن بعض الملاك غير واثقين من إيجاد حلول لما يعانونه، لكنهم تحدثوا لي بعد أن طلبت منهم الحقيقة وليس غيرها، ولما طلب البعض عدم كتابة أسمائهم قررت الإشارة إليهم جميعا بدون الأسماء رغم أن بعضهم طلب كتابة اسمه لكن قد يكون للأمر ما بعده، فاكتفيت بالإشارة.
بداية يقول أ.س وهو مالك منزل: (ليس لدي سكن غير بيتي هذا الذي بنيته منذ العام 2008 وسكنت فيه مربع 34 الصحافة السوق المحلي غرب الميناء البري، لكنني منذ أن سكنت لم أجد راحة، فقد تفاقمت معاناتي مع الوجود الكثيف للأجانب الذين لا يتورعون عن فعل أي شيء يخطر على بالك، كل أنواع الممنوعات تمارس في هذه المنطقة، خمور، مخدرات وسلوك مشين).
مشاهدة ماجنة
أما (م.ع) صاحب عقار فيقول للصيحة :(أتواجد وأعمل هنا منذ العام 2000 بحكم امتلاكي لعقار مؤجر لكن نعاني من التشوهات الموجودة في هذه المنطقة، وجود أجنبي جاء بثقافاته وعاداته الغريبة عن مجتمعنا وفرضها عنوة بكثرة ممارستها علناً، هنا كل شيء مباح وممكن، الخمور تباع نهاراً جهاراً ولا أحد يستطيع أن يفعل شيئاً، أندية المشاهدة الماجنة تعمل حتى الساعات الأولى من الصباح ولا أحد يحرك ساكناً).
بيع خمور
ويقول (ع.د) وهو صاحب مخزن بضائع في حديثه للصيحة بأنه من المعاناة فكر ألف مرة في ترك العمل والبحث عن مكان آخر بعيداً عن هذه المنطقة الموبوءة بكل أنواع المحرمات، المنطقة مليئة بالسكن العشوائي والرواكيب التي يقطنها الجنوبيون، مشيرًا إلى أنه لا يوجد سودانيون إلا القليل منهم وهم المجبورون لأنه ليس لديهم سكن آخر يذهبون إليه لكنهم يعانون، مشيرًا إلى أنه يعمل بالنهار ويغادر مساء، لكنه يشاهد بالنهار بيع الخمور بصورة مكثفة وعادية وبيع المخدرات بأنواعها.
حال أليم
بينما يشير (ع.أ) وهو مستثمر ومالك عقارات إلى الحال الأليم وهو يقول: (اشترينا في هذه المنطقة على أساس أنها ستصبح منطقة تجارية وجاذبة لأنها وسط الخرطوم وهي منطقة كثافة سكانية عالية، وقد تهافت الناس لشراء قطع بها لكنهم ندموا على ذلك، ويضيف بقوله: (أنا أولهم وقد فكرت أكثر من مرة ببيع ممتلكاتي هنا لكن ليس هنالك أحد يرغب في المخاطرة ليأتي لهذه المنطقة التي أصبحت وكأنها منطقة خارج الخرطوم، فهي خارجة عن القانون بالممارسات التي تتم بها).
أكثر خوفاً
المواطنة (ح.ي) مقيمة بالمنطقة تقول للصحيفة إنها تسكن منذ سنوات في هذا المربع القريب من الميناء البري، لكن بصراحة أنهم يقيمون في تلك المنطقة وهم أكثر خوفاً من القادم وأنهم خائفون على أولادهم الطلاب وتضيف بأنهم أضحوا أكثر خوفاً على أنفسهم من المرض والبيئة المتردية، ومن الممارسات الخارجة عن القانون، وتضيف بقولها وهي تتوجه بالحديث لي:(زي ما شايفة الجارية دي مياه صرف صحي طافحة ليها سنين، البعوض والذباب والروائح منعتنا النوم والاستقرار والشكوى لله).
شكاوى كثيرة
توجهت بسؤال للمواطن (أ س) ألم تقدموا شكوى للجهات المسؤولة؟ فأجابني بقولها:(والله الشكاوى التي تم تقديمها كثيرة جداً لكن بلا فائدة، تقدمنا بشكوى للسيد والي الولاية ومدير مكتبه التنفيذي، وشكوى لمعتمد محلية الخرطوم، وشكوى لمدير شرطة السوق المحلي، ولجنة أمن المحلية واللجنة الشعبية والوحدة الإدارية للسوق، ولا ندري ماذا نفعل؟. ويضيف بقوله بعد شكوانا للمعتمد سجل زيارة للمنطقة وأمر بإزالة البيوت العشوائية وبالفعل تمت إزالتها لكن في اليوم التالي قاموا بتشييد بيوتهم مرة أخرى وهم يضحكون من سذاجتنا، لأنهم فوق القانون وهذا هو الأمر الواضح.
حملات تفتيشية
لكن أين السلطات من هذا العبث؟ يجيب المواطن (ع.أ) بقوله أن الشرطة تقوم أحياناً بحملات تفتيشية للخمور لكن تنتهي بلا شيء، لأن الجنوبيين الذين يبيعون الخمور تفننوا في كيفية إخفائها داخل مياه الصرف الصحي وبعد انتهاء الحملة يضحكون علينا ويسخرون من شكوانا، ثم يخرجونها مرة أخرى لبيعها. مضيفاً بقوله: (بصراحة الوضع لا يُطاق وتعبنا من كثرة الشكاوى والجري للمسؤولين ليست هنالك طريقة إلا ترك المكان، لماذا لا يتم تقنين الوجود الأجنبي الذي غزا البلاد وأصبح عبئاً على المواطنين خاصة أولئك الذين يمارسون ممارسات خارج إطار القانون.(لازم الدولة تفرض هيبتها).
الوضع لا يحتمل
يكمل المالك أ.س الحديث بأنه فكر جدياً في ترك البلاد لأنه لا يأمن على نفسه أو أولاده قائلاً: لا نخرج من بيوتنا من صلاة المغرب حتى الصباح، لأن الوضع لا يحتمل، أنا شخصياً قدمت عدة شكاوى للمسؤولين لكن لا حياة لمن تنادي. أما مالك مخازن ويعمل بذات المنطقة رفض حتى الإشارة إليه بالأحرف، قال: نحن في وسط الخرطوم وتحدث مثل هذه الأفعال فكيف بأطراف الخرطوم، إذا كانت السرقة على عينك يا تاجر دون خوف من قانون وتناول الخمور وشراؤها نهاراً جهاراً ونوادي المشاهدة الصاخبة التي يتم فيها تناول كل المنكرات بما فيها المخدرات نرى ونسمع لكننا لا نستطيع الشكوى لأننا قدمنا شكاوى وصرخنا ولكن لم يأبه بنا أحد، ولا أدرى لماذا يتم التصديق لنوادي المشاهدة والتي أحياناً تحدث فيها مشاجرات عنيفة تخيف المواطنين داخل منازلهم وعادي جداً تجد أحدهم يحتسي الخمر أمام منزلك أو مخزنك أو أمامك في الشارع هذا غير تناول المخدرات بكثافة دون وازع أو خوف من قانون.
روائح كريهة
التقيت بالعامل (ح.م) والذي يعمل بالمنطقة جوار السوق وسألته عن الصعوبات التي يجدونها فأجابني بقوله :(أكتر حاجة عاملة لينا جهجهة) الصرف الصحي والرائحة الكريهة التي تصدر منه أصبحت بركة مائية، ليس هذا فحسب بل هناك ماسورة كبيرة مكسورة منذ سنتين لم تأت جهة لإصلاحها ولا ندري ما السبب، (الناس زهجت من كثرة الشكاوى وما في رد والسوق زي ما شايفة مليان بالنهار ناس أشكال وألوان والميناء البري يودي ويجيب وكل زول في همه ، نعمل شنو شكوى وشكينا دفع الناس بتدفع، لكن وين الخدمات معقولة منطقة وسط الخرطوم تكون بالصورة المزرية دي ودا كلو كوم وقضاء الحاجة في الطرقات كوم تاني خاصة ناس الرواكيب ديل ليس لديهم مكان إلا الشارع وجنب الصرف الصحي).
سرقة منهولات
هنا تدخل (أ.ع) وهو أحد الملاك المتضررين كما صرح بذلك قائلاً: بالمناسبة الصرف الصحي لم يطفح ويصبح بركة لامتلائه ولكن تتم سرقة المنهولات وترمى الأوساخ وبقايا التمر الذي تصنع منع الخمور البلدية والحجارة داخل المجاري فيصبح هكذا، أنا شخصياً ومعي كثيرون ندمنا على امتلاكنا عقارات في هذه المنطقة صرفنا نقودنا دون جدوى أو عائد لأنها أصبحت رخيصة الثمن وغير مرغوبة وحتى لو عرضتها للبيع فلن يشتريها أحد، نحن كملاك متضررون من هذا الوضع حتى الإيجار قل سعره وأي مستثمر يشتري في هذه المنطقة فهو خسران تماماً.
* من المحررة
بعد أن أنهيت جولتي بصعوبة وسط هذا الركام من الأوساخ والروائح والهوام فإنني أوجه سؤالي لجهات الاختصاص، كيف تنامون ورعاياكم يعانون مثل هذه المعاناة وكيف تنامون وسيدنا عمر بن الخطاب قال: والله لو عثرت بغلة بالعراق لخفت أن سيألني الله لِمَ لَم أسوِّ لها الطريق، فهل سوّيتم أنتم الطريق للبشر.
إنها صرخة مواطنين سودانيين أجبرتهم الظروف على السكن داخل منطقة السوق المحلي وليس لهم خيارات إخرى إلا الخروج من منازلهم. هم ليسوا ضد الوجود الأجنبي لكن يجب أن يقنن وأن تحدد أماكن للأجانب من دول الجوار بينهم الجنوبيين للعيش فيها بدلاً عن انتشارهم بهذه الطريقة وتشييدهم السكن العشوائي المضر وغير الحضاري وسط الخرطوم، هذا غير العربات التي تتم سرقتها وتخزينها هنا في هذه المنطقة، وها نحن في الصحيفة وعملاً بحرية النشر ودور الصحافة في الكشف عن مواطن الخلل نسعى لإيجاد الحل من خلال عرض القضية ونقدم هذه الشكوى من المتضررين لمن يهمهم الأمر، ننتظر سرعة الحل.
الصيحة.