تشبه الفتيات بالأولاد والعكس.. اختلال في الجينات أم تقليد أعمى؟

(.. ووب) عند الأولاد.. و(يا أصلي.. ونكبرا) عند الفتيات

ربما أن انفتاح المجتمع السوداني مؤخراً على كثير من الثقافات جعله (مرتعاً خصباً) لتبدل وتغير كثير من المسلمات التي كانت تتحكم في أعرافه وتقاليده، ومن بينها ما وقر في العقول منذ أمد بعيد أن ما للنساء، هو فقط للنساء ومحرم بقوة العرف على الرجال أو الشباب.. وبالمقابل فإن ما تواتر من عادات وملابس وخشونة في الصوت والمشي هو من استحقاقات المملكة الذكورية الممنوعة على النساء.
ولكن مع تبدل الأيام وتداخل العادات المحلية مع الوافدة وانفتاح المجتمع بشكل خطير للغاية على كثير من العادات الدخيلة (تغير) كل شيء، وتداخلت (الاختصاصات الذكورية مع النسائية) وأصبحت ملابس الرجال في أجساد الفتيات، وبعض مما كانت تلبسه النساء أصبح متاحاً للرجال أيضاً، وتبع هذا التغيير (شبه الممنهج) تغييرات مماثلة في الخطاب واللغة المتداولة إلى الحد الذي أصبح فيه التفريق بين الرجال والنساء يحتاج إلى إمعان التحديق.
ومن الظواهر الملفتة للنظر في هذه الفترة هي ارتداء الفتيات لملابس الرجال، فنجد أن الفتيات قد شاركن الأولاد أدق التفاصيل الرجالية التي أصبحت غيرة شاذة أو غير محرجة من كثرة ارتدائها والتعود عليها، حيث أصبح هناك تشابه واضح بين الجنسين من ناحية (الشياكة)، وأيضاً تنافس واضح في ارتداء أحدث الثياب والإكسسوارات المشتركة بينهما.. والشارع السوداني أصبح لا يستطيع أن يفرق بين البنت والولد.. الشباب أصبحوا يقلدون البنات في الكثير من الأشياء التي لا تليق بهم كـ(رجال) فصار الاثنان يشاركان بعضهما البعض في أشياء تخدش شكل الشارع العام.. الفتيات أكثر استرجالاً بأفعالهن بالشارع العام وما يقمن به من إيماءات وإيحاءات وألفاظ رجالية بحتة تخدش الحياء الأنثوي.. فما هو السبب وراء هذا؟ فهل هو تبادل أدوار أم موضة.. أم ماذا؟

{ ما معروف منو بلبس لمنو

قالت “رماح محمد” إن هذا الموضوع تحديداً معقد جداً (وما معروف منو بلبس لمنو فينا، هم ما مقصرين ونحن كمان ما مقصرات)، مثلاً عند الفتيات إذا لبست الواحدة منهن من ماركة معينة يقال عنها (كيوت) في حين أن هذه (الماركة) يمكن أن تخرجها من إطار الأنوثة، وقالت إن (الاسبورتات) كبيرة الحجم لا تناسب الفتاة وكذلك (الفريمات) و(شنط الظهر)، وأشارت أيضاً إلى أن الأولاد أصبحوا يستخدمون أشياء كثيرة خاصة بالبنات مثل (الأساور، الساعات اللماعة وشنط اليد) وقمصان الجينز ولبس الألوان الشاذة.. والأكثر خطورة من كل هذا هو (كف البنطلون) من الأسفل وهو في الأصل تقليد درجت عليه الفتيات، لكن الأولاد أيضاً يفعلونه وهو الأمر الذي يجعلني أتساءل ماذا الذي يريدونه من إظهار سيقانهم.. وتابعت: (أيضاً الأولاد تمادوا في تقليد البنات لدرجة طريقة الكلام وأصبحت ألفاظهم السائدة هي “ووب، وواي” أما الفتيات فأصبحت ألفاظهن السائدة هي (شبلي، يا أصلي، كبرا وغنجة).. واستخدام الكريمات “الشعر والجسم” آخر ما توصل إليه الأولاد في تقليدهم للبنات).. واختتمت حديثها بأن هناك شبه تبادل للأدوار بين الأولاد والفتيات.

{ الموضوع عادي
اشتركت جميع آراء الفتيات في كلمة واحدة وهي (عادي ما فيها حاجة) إذا لبست الفتيات ملابس الأولاد أو بعض الإكسسوارات أو أحذية (الاسبورت) وغيرها، وهذا ما مضت في الإشارة إليه “سماح عبد الملك” التي قالت إنها لا ترى أي حرج في أن تلبس الفتاة خاتماً أو أسورة أو ساعة رجالية، وأشارت إلى أن حاجات الأولاد والبنات أصبحت شيء واحد لا فرق بينها، وقالت إن هنالك قمصان جديدة تسمى (كنغولية) تلبس للجنسين وهي في الأصل زي أفريقي، مشيرة إلى أن أكثر الأشياء التي تغضبها عند الأولاد هي (كف البنطلون)، وقالت إنه ليس له أي معنى ولا يرمز إلى أي شيء. كما قالت “إسراء عبد الرحمن” إنها تلاحظ أن هناك تشابهاً في الزي الرجالي والنسائي، مشيرة إلى أن هذا الأمر ينافى تقاليد الدين الإسلامي وفيه (تشبه) صريح بالجنس الآخر، وقد تكون هناك بعض الأشياء المشتركة، لكن أيضاً يوجد بعض الشواذ.

{ أسباب التشبه والاختلاط
من جهته أسهب الاختصاصي النفسي د. “بشير الحاج” في تفسير الظاهرة بقوله لـ(المجهر) إن هذه الظواهر نتيجة لعدة أسباب منها:
أولاً المشاكل النفسية.. فبعض الشباب يشعر بنقص نفسي، ولكي يسد هذا النقص يفرض شخصيته عن طريق التشبه بالنساء في اللبس والتصرفات، وبعضهم يتشبه بالنساء للفت الأنظار وشد الانتباه له، وذلك بتسريحة الشعر أو لبس ملابس النساء، أو المشي في السوق والأماكن العامة مشية غريبة.. ثانياً التربية غير الصحيحة، بمعنى إذا كانت البيئة التي يعيش فيها الشاب صالحة كان صالحاً، وإن كانت سيئة كان كذلك، فالشاب الذي يعيش في بيت الفوضى تسوده وتنعدم فيه التربية الصالحة، معرض للانحراف.. ثالثاً ضعف الإيمان ويعتقد أن قلة الوازع الديني في تلك الأيام تساعد على الوقوع في المعاصي سواء الكبير منها أو الصغير نتيجة نقص الإيمان، وعدم الوعي بثوابت الدين وشريعته.. رابعاً اتجاه البعض إلى التقليد الأعمى فهو يلبس ويتصرف دون وعي أو إدراك لما يفعله، ودون تفكير في فوائد أو أضرار ما يعمله، فهو يقلد من حوله من أصحاب أو فنانين وإن كان الأمر منافياً لطبيعته.. خامساً نقص في التوعية، وبين أن للإعلام دوراً مهماً في توعية الشباب وجعلهم على الطريق الصحيح في أخلاقهم وسلوكهم، لذا هناك ضعف في عدد البرامج بمختلف أنواعها المرئية، المسموعة، أو المقروءة التي تهتم بتربية الشباب، فعندما يرى الشباب شيئاً ما على شاشة التلفزيون يحاولون القيام بتقليده حتى وإن كان خارج نطاق الآداب العامة.. والسبب السادس والأخير هو القدوة السيئة إذ تعد القدوة عنصراً مهماً في التربية، فقد يوجد من يقتدي به ذلك الشاب من الجنس الثالث سواء من أقربائه أو من يعجب به من الجنس الثالث، فيكون ذلك سبباً رئيساً في محاكاته وتقليده.

جاءت شريعتنا بتحريم تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال، بل وجاء التغليظ في النهي عن ذلك، حتى لعن النبي “صلى الله عليه وسلم” أولئك المخالفين للفطرة التي خلقهم الله تعالى عليها.
كما في الحديث.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: (لعن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)، وقد أشار “صلى الله عليه وسلم” إلى أنه من علامات قرب الساعة تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال.

الخرطوم- أروى بابكر
صحيفة المجهر السياسي

Exit mobile version