رغم أنها لا تزال تحظى بنصيبها من المتسوقين مثل غيرها من الأسواق العامرة، إلا أنك لن تجد من يقول لك إنه ذاهب للدلالة من أجل شراء كسوته، فالكل يلج إليها خلسة ويبتاع أغراضه ومن ثم يخرج لا يلوي على أحد.
لهذا صارت دلالة الملابس المستعملة شاهداً موثوقاً في شهادته على الفقر والعوز الذي تربع على أكتاف الكثير ممن تحسبهم أغنياء من التعفف بحسب (النزير محمد أحمد)، الذي قال لـ (اليوم التالي)، إن الدلالة لم تشهد انتعاشاً من قبل كما حدث لها مؤخراً بسبب الغلاء الذي أناخ بعيره في الديار، ولم يسرجه بعد، مما أدى لارتفاع أسعار الملبوسات بصورة جعلت الكثير من الأسر تلجأ إلى كسوة أبنائها من الدلالة.
العودة للرف القديم
من جانبه، قال حامد الشيخ – تاجر – لـ (اليوم التالي) إن أسواق الملابس المستعملة التي يطلق عليه الدلالة قد انتعشت مؤخراً. وأرجع السبب إلى أن الناس عادوا للملابس القديمة بعد أن علموا أن بإمكانها أن تدر عليهم مالا وآخرين صاروا يشترون بصورة دائمة من أسواق الملابس المستعملة لعدم قدرتهم على شراء الجديد. وأبان أن الظرف الحالي خلق فرص عمل جديدة وهي تجارة الدلالات بأنواعها كافة.
للظروف أحكام
وقال نادر علي – طالب جامعي – إنه منذ دخوله الجامعة درج على شراء بنطال وقميص في نهاية كل شهر، ولكنه منذ نهاية العام الماضي صار يشتري قميصاً وبنطلوناً كل شهرين، وقال إنه ومنذ مدة – لم يحددها – توقف عن شراء الجديد تماماً وصار يرتدي بصورة متكررة تلك الملابس التي كان يعتقد أنه لن يحتاجها في الوقت القريب، لكنه وامتثالاً للقول المأثور (للضرورة أحكام) عاد لاستخدامها مجدداً. وأضاف أن مثله كثر بين زملائه الذين عادوا لاستخدام الملابس التي كانوا قد تخلوا عن ارتدائها بعد أن عجزوا عن شراء ملابس جديدة في ظل الغلاء الذي حدث مؤخراً بعد ارتفاع الدولار إلى أعلى مستوى. وتمنى لو أن أيام الرخاء عادت مجدداً ليشتري أشياء كثيرة ويخزنها لمثل هذا الأيام حتى يستخدمها بكل سرور.
البديل الأمثل
الملابس القديمة صارت بديلاً مناسباً لمثل هذا الأيام التي تشهد غلاء غير مسبوق في التاريخ المنظور – بحسب سناء أحمد التي تعمل معلمة بالمدارس الثانوية – والتي أضافت: في السابق كان المعلم يستطيع أن يشتري ملابس جديدة كل شهرين أو ثلاثة أشهر، إلا أنه في الفترة الأخيرة صار ليس بمقدور (10) معلمين أن يشتروا قطعة واحدة لأنهم إذا فكروا مجرد تفكير في ارتكاب هذا الفعل سوف يخسرون مرتباتهم مجتمعة، لأن مرتبات العشرة لا تتجاوز سعر لبسة واحدة كاملة. وترى (سناء) أن الحل الوحيد الذي لجأت إليه وعدد من زملائها أنها عادت للملابس المستعملة التي استخدمتها في فترات سابقة، واعترفت كذلك بأنها في بعض الأحيان تشتري من محلات الملابس المستعملة، خاصة تلك التي تستورد من الخارج وتباع بأسعار مناسبة، هذا بجانب أنها تستخدم حيلة معروفة عند النساء، وهي أن تقوم عدد من النساء باستخدام ملبوساتهن مع بعضهن البعض.
عودة لصوص الحبل
لم يبد (الطاهر عمر) التفاتة للأصوات التي بدأت تتضجر من الغلاء الذي أجبرهم على استخدام الملابس التي تركوها في وقت مبكر، ولكنه ينظر للأمر من زاوية أخرى – بحسب وصفه – فقال: عندما صارت الملبوسات بأسعار بخسه قلَّت سرقات المنازل لأن اللصوص لا يلجون إلا البيوت التي يرصدون فيها ذهباً أو نفائس أخرى أو أموالاً مخزنة فيها، ولهذا صار بإمكان الشخص أن يغسل ملابسه ليلاً ويتركها في الحبل حتى الصباح. واستطرد قائلا: بعد أن ارتفعت أسعار الأقمصة والبناطلين والثياب عاد مجددا اللصوص لتسلق المنازل ليلا بحثا عن قميص أو بنطال تركه صاحبه في حبل الغسيل. وبرر: هذه السرقات بأن القميص الجديد بلغ سعر نحو مائة وعشرين جنيها، والمستعمل صار يباع بأكثر من خمسين جنيهاً، وهذا مبرر كاف لتسلق أعتى الحوائط المنزلية، بحسب وصفه.
الخرطوم – صديق الدخري
صحيفة اليوم التالي