من أجمل ما قرأت مؤخراً.. مقولة: إن مخترع كلمة الجهجهه قد أسدى الى قاموس اللغة الدراجية خدمة عظيمة.. وإلا كيف كان يمكن أن تقول.. (لقد أصبحت في حيرة من أمري.. نتيجة عدم ثباتك على موقف واحد).. يكفي فقط أن تقول.. (ما جهجهتنا ياخ)…لن تجد لمصطلح الجهجهه مقابل في كل قواميس الدارجة في العالم.. فهو مثلاً لا يعني مجرد تشوش في الفكر.. أو حيرة ذهنية تنتاب المرء.. انها حيرة تصحبها تردد في الحركة ينتج عنها تساؤل عن أي الاتجاهات ستتخذ!!.. لذلك صارت (الجهجهه) ماركة مسجلة خاصة بنا نحن الزواويل.. (جمع زول).
الإنسان السوداني مجهجهه بالفطرة.. بداية من قصة الهوية.. قاعدين كدا في النص.. شاي باللبن.. لا عرب خالصين ولا افارقة مؤصلين.. والمشكلة إن هذا التأرجح يؤثر في (النفسيات) تبعنا.. تجدنا نثور عندما يتجاهلنا العرب.. ونترفع ونمارس التعالي على الأفارقة.. والنتيجة.. أننا لا طلنا بلح الشام ولا عنب اليمن.. فلا هؤلاء حسبونا منهم.. ولا اؤلئك توقعونا معهم.. فانطبق علينا قول الأغنية (في الحالتين أنا الضائع).
حتى قرارتنا مجهجهه مثلنا.. أنظر معي لكل القرارات المصيرية الخاصة بالمواطن السوداني.. تجدها تدخلك في جهجهة ما بعدها جهجهة.. على سبيل المثال. السلم التعليمي.. تم تغييره من 4 -4-4.. الى 6-3-3… الى 8-3.. الآن تتجه الدولة الى 9-3.. نتج تلقائياً أجيال مختلفة.. أما المناهج فهي (الجهجهه) ذاتها.. فالتلميذ السوداني يدرس كيف يصنع المدماك من الطين.. في زمن المباني الجاهزة (البري فاب).. في المدرسة.. كل يوم تتغير المادة.. ويأتي أستاذ مختلف.. وأحياناً ذات الأستاذ لكن لمادة جديدة.. والنتيجة شباب مجهجهه.. لا علاقة له بما يحدث في بلده.. ولو سألته عن مستقبله.. لقال لك بكل صدق ( عايز اتخارج بس).
أرجع بالزمن مرة.. وأتذكر قراراً واحداً تم إعلانه وسرى التعامل به حتى هذه اللحظة؟؟.. أقل لك بكل ثقة.. لا يوجد غير قرار انتهاء الحفلات الساعة 11 مساء.. أي قرار غيره.. تمت (جهجهتنا) فيه.. قرارات مثل تقديم الساعة.. تم تأخيرها.. كبح جماح الدولار.. ثم تحرير السوق.. فتح استيراد السيارات.. لا.. وقف استيراد السيارات.. فتح التمويل العقاري.. لا أوقف التمويل العقاري.. وكلو كوم.. والتعاملات الخارجية كوم تاني.. ذلك اننا ونتيجة لـ(جهجهه) مواقفنا.. جهجهنا العالم كلو معانا.. فوقف الجميع يترقب ليعرف.. في اتجاه سنواصل..
ليه؟؟ ذلك اننا نرمي بكل ثقلنا في الاتجاه الذي نسير فيه.. ونغلق أي طريق للعودة.. ومن ثم فجأة نكتشف أن هناك خطأ ما.. ويجب أن نعود أدراجنا الى أصدقاء الأمس أعداء اليوم.. ويبقى السؤال هو.. لماذا نستعدي الجميع؟؟ ما المشكلة في أن نمد أيدينا للعالم مصافحين.. لا متحرفين لقتال.. ولا متحيزين إلى فئة؟؟ خذ عندك مثال الجارة اثيوبيا.. تسير في طريقها قدماً.. تبني دولتها الصغيرة.. حتى صارت ضمن الدول الأسرع نمواً في العالم.. ليس لديها وقت حتى لابداء رأيها في الصراعات العالمية.. فقد تفرغت فقط لتتصدر قوائم التصدير والانتاج.
لابد من وقفة مع النفس لإنهاء حالة (الجهجهه) المزمنة التي تفتك بنا كشعب وتجعلنا لا نبارح مكاننا منذ زمن.. وفي هذا المجال فقد صدق ذلك الذي كتب على صفحته الاسفيرية (في ذات الوقت الذي كان فيه السوادنيون محتارين حول هل الكنينة بت بلة ولا بت مالك!!.. وصلت المركبة الفضائية الى المريخ).
صباحكم خير – د ناهد قرناص
صحيفة الجريدة