تقرير المراجع العام: أسقطت أراضٍ بقيمة 2،9 مليون جنيه من قيمة الأصول
أمين عام الزكاة: المراجع ذكر ملاحظات ولم يُشر ولو بكلمة واحدة إلي وجود فساد
المراجع العام: لا توجد أسس وضوابط في دعم وتمويل المشروعات الإنتاجية
التقرير: هناك تجاوزات في الصرف ببند العاملين عليها
عضو برلماني: ما يحدث في الزكاة يهز ثقة المكلفين
لم يعد الحديث عن وجود فساد وتجاوزات ومخالفات في المؤسسات والوحدات الحكومية يثير الانتباه أو يحوز على الاهتمام، فحالة اللامبالاة التي بات الشارع يستقبل بها تقرير المراجع العام شتاء كل عام تكشف عن تصالح مع حقيقة استشراء الفساد بمفاصل الدولة، عطفاً على أن المواطن لم يعد يكترث كثيراً لهذا الأمر الذي يؤكد خبراء اقتصاد أنه اتخذ شكل الديمومة ولم يعد ظاهرة، بيد أن الملاحظات التي ظل يبديها المراجع العام عن وجود تجاوزات بالمؤسسات الدينية ممثلة في ديوان الزكاة، والحج والعمرة والأوقاف الأسلامية يعتبره البعض مؤشراً خطيراً على وجود خلل إداري ومالي لم يستثن حتى الجهات ذات القدسية الدينية، وأنها باتت لا تختلف كثيراً عن الوحدات الحكومية الأخرى في التجاوزات.
في حلقتنا الأولى هذه نستعرض الملاحظات التي ظل يشير إليها تقرير المراجعة القومي لعدد من السنوات حول ديوان الزكاة لبحث حقيقتها.
تحسن نسبي
قبل استعراض جزء من تقارير المراجع العام بالمركز والولايات خلال السنوات الأخيرة عن الأداء بديوان الزكاة، لابد من الإشارة إلى أن تقريره الأخير لهذا العام كشف عن حدوث تحسُّن واضح في الأداء حيث اختفت عنه التجاوزات المالية المتمثلة في الاعتداء على المال والمخالفات.
وعودة إلى التقرير الأخير، فقد أشار المراجع العام إلى جملة من الملاحظات بديوان الزكاة منها مخالفة اللائحة المالية والمحاسبية ــ المادة (11) الفقرة (10) ــ وذلك بتحميل بدلات ومستحقات العاملين على بند المصروفات العامة بدلاً من بند تعويضات العاملين.
ويلفت المراجع إلى مخالفة ظل يذكرها كثيراً ويتداولها الشارع على نطاق واسع تتمثل في أنه لا يتم أحيانًا التقيد بالصرف على المصارف الشرعية، ذلك بدعم بعض الجهات ذات الميزانية المنفصلة، ورغم التحسن الكبير الذي طرأ على الجباية خلال الأعوام الأخيرة، إلا أن المراجع العام وفي تقريره الأخير أوضح أن عدد الشركات المسجلة في المنظومة الزكوية بلغت 8427 بينما عدد الشركات التي تفي بالتزاماتها الزكوية تبلغ 2168 شركة، وأكد المراجع عدم وجود تبرير لهذا الفاقد، وكشف أن القوائم المالية أظهرت مبلغ 25،8 مليون جنيه بوصفه أصول مشروعات، وفي الواقع بحسب المراجع هي أصول ثابتة، ورأى أن هذا يخالف مقاصد المصارف الشرعية، وبذلك أسقطت أراضٍ بقيمة 2،9 مليون جنيه من قيمة الأصول، ما يعكس صورة غير حقيقية وليست عادلة، وهذا يخالف المادة 161ـ3 من لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية.
الدعم الاجتماعي والقصور
ومثلما ظل الشارع يتحدث، فقد مضى المراجع العام في كشفه أوجه القصور الإدارية والمالية بديوان الزكاة، وهو يلفت إلى أنه وفيما يتعلق بالدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة، فإنه يتم الصرف لغير المستفيد الأصلي دون توكيل (للدعم النقدي)، ولا يتضمن عقد تنفيذ توزيع الدعم المباشر بين وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي والشركة السودانية للخدمات البريدية “سودابست” شرط جزائي، وهذا يعد مخالفة لتوجيه النائب الأول لرئيس الجمهورية رقم (53).
ويلفت المراجع في هذا البند إلى وجود مرتجعات للدعم النقدي المباشر لعدم التعرف على الأسر، بالإضافة إلى عدم الوصول إلى 50% من الأسر لدعمها، وخلصت المراجعة إلى أن الملاحظات أعلاه لا تمكن المشروع من تحقيق أهدافه المتمثلة في تخفيض نسبة الفقر وتقديم الدعم للأسر الفقيرة في جميع أنحاء السودان، وأيضاً كشف المراجع جملة من الملاحظات على أداء ديوان الزكاة بولاية الخرطوم.
ربط الحاضر بالماضي
كما أشرنا آنفاً أن ديوان الزكاة ظل زبوناً دائماً في تقارير المراجع العام ،هذا مع الإقرار بأن الأداء وحسب التقرير الأخير شهد تحسناً كما أشرنا جيداً وذلك مقارنة بملاحظاته السابقة، وعلى سبيل المثال فقد أشار تقرير المراجع من قبل إلى عدد من الملاحظات على أداء ديوان الزكاة، منها أن الإنفاق الفعلي على المصارف الشرعية خلال العام 2015 بلغ 509،2 مليون جنيه مقابل 409،1 مليون جنيه خلال العام 2014 بزيادة تبلغ 651 مليون جنيه بنسبة صرف بلغت 103%، ورغم هذا التحسن إلا أن المراجع العام أشار إلى عدد من الملاحظات التي حملت بين ثناياها مخالفات، فقد أوضح أن القوائم المالية أظهرت مبلغ 8،25 مليون جنيه كأصول مشروعات، غير أن المراجع يؤكد أنها في الواقع أصول ثابتة، وأنه قد أسقطت أراضٍ بلغت قيمتها 9،2 مليون جنيه من قيمة الأصول، مما يعكس بحسب المراجع صورة غير عادلة وغير حقيقية ويخالف المادة 161،3 من لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية لسنة 2011 وهي ذات الملاحظة التي ذكرها في تقريره الأخير.
أكثر من مخالفة
ومن قبل كشف المراجع العام عن مخالفات أخرى بديوان الزكاة تتمثل في شراء خمسين عربة من فائض ميزانية العام 2014 مما يخالف المادة 28ـ1 من لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية لسنة 2011، وأوضح مخالفة أخرى تتمثل في توريد مبلغ 9،6 مليون جنيه عبارة عن عائدات استثمارات كأمانات، عطفاً على الصرف على أفراد تحت الغارمين بدون مستندات مؤيدة للصرف، وأشار المراجع إلى مخالفة أخرى تتمثل في عدم وجود أسس وضوابط لتقديم الدعم والتمويل للمشروعات الإنتاجية والخدمية، علاوة على عدم تفعيل اللائحة الداخلية المنظمة لعمل المراجعة، وأوصت المراجعة بمعالجة ما جاء بالتقرير التفصيلي الذي لم يطلع عليه الإعلام من ملاحظات لتفعيل أداء الديوان.
تجاوزات
كما كشف تقرير للمراجع العام سابق عدداً من الملاحظات منها تجاوزات في الصرف في بند العاملين عليها، والفقراء والمساكين، فضلاً عن شراء الديوان لأغلب مشترياته من شركة الادخار التي يساهم بها الديوان دون مبرر واضح ودون طرح الأمر في مناقصات عامة، ومن المخالفات التي أشار إليها المراجع من قبل دعم الديوان لمؤسسات ووحدات حكومية دون وجود ما يفيد بالاستلام، ومن قبل أكدت تقارير المراجعة وجود تجاوز في الموازنة التخطيطية للمعهد العالي للزكاة بلغت «3.04» مليون جنيه، ومن قبل أشار المراجع العام إلى مخالفات أخرى بالديوان منها وجود طلبات متشابهة للحصول على دعم بأسماء مختلفة ويقوم شخص واحد باستلامها ولا يكون من بين المتقدمين بالطلبات، وأوضحت التقارير أن هناك تجاوزاً في عدد الوظائف بالديوان حسب الهيكل وكشوفات العاملين، وأيضا رصد المراجع من قبل توريد مبلغ 6,9 ملايين جنيه عبارة عن عائدات الاستثمار كأمانات والصرف على أفراد تحت بند الغارمين دون وجود مستندات مؤيدة للصرف.
مخالفات أخرى
أيضًا من النماذج التي أوردتها تقارير المراجع العام في السنوات الماضية عن المخالفات المالية بديوان الزكاة تقديمه دعماً لمؤسسات الدولة بدلاً من مكافحة الفقر والبطالة، وانتقد تقديم الديوان دعماً لمؤسسات حكومية ومنظمات دون وجود ما يفيد بالاستلام، وكشفت ذات التقارير عن تجاوزات ومخالفات مالية بديوان الزكاة أبرزها “الصرف بغير مستندات رسمية” و”الغياب التام للوائح التي تنظم المكافآت والحوافز والتدريب”، بالإضافة إلى “استخراج تصاديق بصفة متكررة دون إجراء دراسات لمعرفة مدى الحاجة للدعم المقدم للمحليات أو للأفراد”.
تجاوزات ولائية
وفي عدد من الولايات، فإن تقارير جهاز المراجعة الداخلية قد كشفت وجود تجاوزات بديوان الزكاة منها ما أشار إليه بولاية الجزيرة هذا العام والمتمثل في عدم مراقبة إدارة الحسابات عملية الصرف على مصارف الزكاة حسب المبالغ الواردة لكل مصرف ، وعدم توثيق بعض العقود لدى الجهات القانونية، وفي شمال كردفان أشار من قبل إلى الانخفاض في مصارف الفقراء والمساكين ومصرف في سبيل الله والغارمين وابن السبيل، كما تلاحظ أن المصارف الدعوية حققت نسبة 198% كما أن الصرف على مصرف العاملين عليها بلغ نسبة 158% من الاعتماد المصدق، وأوضح أن وعاء الزروع حقق نسبة أداء بلغت 109% من الربط المقرر، أما بقية الأوعية الزكوية، فقد أشار الى أنها لم تحقق الربط المقرر لغياب البيانات الأساسية عن المكلفين، وأشار التقرير إلى أن الصرف الفعلي لمصرف العاملين عليها بلغ 163،621،11 مليون جنيه بنسبة تنفيذ 158%، وكان مقرراً له مبلغ 501،046،10 مليون جنيه، أما مصرف الفقراء والمساكين أن نسبة أدائه بلغت 82% بنقصان أربعة ملايين جنيه عما هو مقرر له، واحتلت المصارف الدعوية قائمة التنفيذ بنسبة صرف بلغت 198% متجاوزة المال المقرر للمصرف، وجاء مصرفا ابن السبيل، وفي سبيل الله في المرتبة الأخيرة من حيث الصرف ونسبة الأداء.
وأخيراً كشف المراجع العام في تقريره أمام البرلمان عن قيام ديوان الزكاة ولاية الخرطوم بمنح مشروعات لبعض الأشخاص خارج سجل الحصر الدائم للفقراء والمساكين وعدم وجود وثائق لبعض طالبي المشروعات، بجانب منح المشروعات الإنتاجية لغير القادرين على تشغيلها وإدارتها وضعف كفاءة المستفيدين مما أدى إلى تعثر تلك المشروعات.
تكرار ممل
في تعليقه على المخالفات بديوان الزكاة يبدي عضو المجلس الوطني، مبارك النور، دهشته من تكرار المخالفات سنوياً ليس بديوان الزكاة بل بمعظم الوحدات الحكومية، ويلفت إلى أن هذا يأتي نتيجة لعدم وجود المحاسبة الرادعة للذين يرتكبون التجاوزات والأخطاء ويعتدون على المال العام، ويشير في حديث لـ(الصيحة) إلى أن عدم إيقاع عقوبات رادعة أسهم في تشجيع آخرين على ارتكاب الأخطاء، ويلفت إلى أن الكثير من تقارير المراجع العام ظلت حبيسة الأدراج وأن هذا يمثل عاملاً آخر يسهم في تزايد المخالفات وعدم إيجاد علاج نهائي لها، إلا أن النور يؤكد وجود صحوة في المجلس الوطني ويستدل بتحويل ملف الحج والعمرة إلى النائب العام الذي يطالبه بالحسم ومحاسبة كل متجاوز بعيدًا عن أي اعتبارات لمنصبه أو شخصه حتى يكون عظة لغيره.
شكوك المكلفين
ويمضي عضو المجلس الوطني في حديثه، مشيراً إلى أن إيراد المراجع العام سنوياً لديوان الزكاة بداعي وجود مخالفات أمر من شأنه التأثير سلباً على عمله، ويعتقد أن المكلفين المنوط بهم استخراج الزكاة وحينما يسمعون كل عام بوجود مخالفات أو ملاحظات فإنهم لن يكونوا على درجة الاطمنئان المطلوبة في وصول أموالهم إلى مصارفها الشرعية، متوقعًا أن يسهم هذا سلباً في الجباية السنوية للزكاة، ويطالب النور بفرض المزيد من الضوابط على كافة المؤسسات الحكومية، معتبرا الزكاة من الجهات التي لها رمزية دينية وأن العمل فيها يجب أن يتم بمؤسسية مالية وإدارية بعيداً عن المخالفات والأخطاء والملاحظات.
توضيحات
وضعنا كل ملاحظات المراجع العام الأخيرة منضدة الأمين العام لديوان الزكاة محمد عبد الرازق، الذي وجدنا أن توضيحاته ودفوعاته الموضوعية والوافية تستحق أن تفرد لها مساحة أوسع، وذلك في حوار شامل ينشر غداً إن شاء الله. لكنه أشار إلى أن المشلكة ليست في تقرير المراجع العام، بل تكمن في تغطية بعض الصحف التي ظلت تجافي الحقيقة عند إيرادها للتقرير السنوي للمراجع العام، ومثال لذلك فإنه ذكر ملاحظات ولم يشر ولو بكلمة واحدة إلى وجود فساد، ولكن بعض الصحف أفردت للتغطية عناوين بارزة، وأشارت إلى وجود فساد بديوان الزكاة، وهذا لم يقله المراجع ولا يوجد في التقرير، هذا الأمر مؤلم، لأن الكلمة مثل الرصاصة إذا خرجت لا تعود ويكون لها أثر، نحن لا نخشى على أنفسنا ومناصبنا ونثق جيداً في تعاملاتنا المالية، ولكن يجب ذكر الحقائق. مضيفاً بقوله: (عندما تورد الصحف بعناوين بارزة عن وجود فساد بديوان الزكاة رغم أن الحقيقة بخلاف ذلك، فإن هذا من شأنه التأثير سلبًا على المكلفين الذين يثقون في الديوان ويخرجون زكاتهم باختيارهم، ولكن حينما يقرأ هذا المكلف ما يأتي في بعض الصحف فإنه ربما يعتقد بوجود فساد ويقول إنه سيخرج زكاته بنفسه ولن يسلمها للديوان، لذا أقول إن الزكاة ليست مثل سائر المؤسسات والوحدات والتعامل الإعلامي والصحفي معها يجب أن يخضع للمصداقية والأمانة المهنية والتحري).
الخرطوم: صديق رمضان
صحيفة الصيحة