فريق المريخ مثل نظيره الهلال يُعتبر ثروة قومية لا ينبغي أن تُفرّط فيه الدولة السودانية مهما كانت الأسباب، فهو وفريق الهلال يعتبران من أهم مُمسكات وحدتنا الوطنية ورموز هويتنا الوطنية ذلك أنهما (الحزبان) الكبيران اللذان يعبران حدود الانتماءات القبلية والجهوية والحزبية (السياسية) الضيّقة إلى رحاب الهوية السودانية الجامعة، وما من حزب أو قبيلة أو شخص كائناً من كان قديماً أو حديثاً يتمتع بجماهيرية الهلال والمريخ الأمر الذي ينبغي أن يمنحهما مكاناً عليّاً في سلم أولويات الدولة والحكومة السودانية أياً كانت الأمر الذي ينبغي أن يجعل أي مهدِّد لهما مهدّداً للأمن القومي السوداني.
أحزنني أن المريخ يُعاني من فراغ إداري خطير منذ أن غادره الخلوق جمال الوالي، وقد أثّر ذلك كثيراً على أداء الفريق، وأحزنني أكثر أن يتم قبول استقالة الوالي بهذا اليُسر والسهولة وكأنه (زول ساكت)، وليس ذلك الرجل الضخم الذي منح المريخ كثيراً من من عمره وجهده وماله وشخصيته الفذة.
جمال الوالي بسجاياه وخُلقه الرفيع وابتسامته الوضيئة حبّب الأجيال الجديدة من الشباب في المريخ ومنحه شعبية كبيرة سيما وأن فترة إدارته للنادي العريق تزامنت مع اضطراب إداري في نادي الهلال أثَّر على مكانته بين الجماهير .
أقول هذا رغم انتمائي القديم للهلال الأمر الذي يمنح شهادتي بشأن المريخ مصداقية أكبر .
لم أزُر جمال في منزله إلا مرتين دُهشت عندما وجدتُ في إحداهما قبل نحو سنتين عدداً من اللاعبين من المحترفين الأفارقة، ورأيت الرجل يُدير الجلسة بحِنكة وتميّز عرف به واشتهر .
إن من أكبر عوامل التخلف عدم استدامة التطوّر من خلال الاضطراب الإداري الذي ينتج عن تغيير القيادة مع خصلة بغيضة تجعل كل أمة تلعن أختها وكل إداري يبدأ من الصفر هادماً جهد وسيرة سلفه عوضاً عن بناء الخلف على ما أنجز السلف.
لا أدعو إلى (الخلود) الإداري بمعنى أن يبقى رئيس النادي إلى الأبد، ولكن لا أرى سبباً للتغيير بدون مبرّرات قانونية، ولا ينبغي للقانون أن يُصاب بأدواء السياسة، فكُرة القدم شأن آخر، ولعل سيرة رئيس الفيفا (بلاتر) بعمره المديد تُثبت ذلك.
لماذا يُغادر جمال الوالي وهو في أوج توهّجه وعطائه الإداري، بالرغم من أنه لم يتخط حتى الآن مرحلة الشباب؟
غادر جمال الوالي المريخ بعد أكثر من عشر سنوات قضاها في رحاب النادي الكبير بعد أن أكسبه جماهيرية غير مسبوقة كانت ستتصاعد لولا (الحفر) وسوء حظ المريخ.
بلاتر الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) وقد بلغ من العمر (81) عاماً ما كان سيُغادر موقعه لولا أنه اضطر إلى الاستقالة بعد ضغوط مُورِست عليه جراء اتهام بفضيحة تورط فيها.
ارحموا المريخ بإعادة جمال الوالي واسألوه لماذا زهد في المنصب؟!
بأيهما أسعَد بأهلي شندي أم بنادي كوبر؟!
هذا عام سعد (رياضي) لي على المستوى الشخصي، فقد صعد نادي كوبر الرياضي إلى الدوري الممتاز، ثم أعقبه فوز نادي الأهلي شندي ببطولة كأس السودان بعد انتصاره المثير والكبير على هلال السودان.
مدينة شندي هي عاصمة قُرانا المتناثرة.. حوش بانقا (جنوب شندي) موطن الوالد والهوبجي (جنوب غرب شندي) موطن الوالدة، ومكان ميلادي، والمتمة (غرب شندي) موطن زوجتي سعاد حيث وُلد خمسة من أولادي الكبار، وفي شندي وفي تلك القرى عشنا فترات العطلات الدراسية التي كان والدي رحمه الله يصر على أن نقضيها بين أهلنا المنتشرين في ضواحي شندي خاصة حوش بانقا.
أما كوبر، فقد استقر فيها والدي وعمري نحو ثلاث سنوات وترعرعنا فيها ودرسنا في مدرستها الأولية، ولم نغادرها إلا لفترة دراسية قصيرة خارج السودان ثم اغتراب طويل.
لذلك، فإن ارتباطنا بكوبر ظل هو الأقوى كونها شهدت مراتع الصبا وكُرة الشراب وكُرة القدم في نادي (الصواريخ) الذي نشأ ونحن أطفال صغار والذي تطور إلى نادي كوبر الذي توج كفاحه الطويل بالصعود إلى الممتاز .
التهنئة لرئيسه (ابن عمي) عثمان بلال وللرئيس عمر البشير الذي تولى سكرتارية نادي كوبر عندما كان ضابطاً صغيراً ولم يبخل عليه بالدعم حتى تُوّج بالممتاز.
أما نادي الأهلي شندي، فالتهنئة ينبغي أن تُوجَّه للأرباب صلاح إدريس ذلك الكريم بن الكرام الذي أنصحه بأن يولي الأهلي اهتمامه الأكبر سيما وقد ركب ذات سرج الممتاز وأصبح منافساً للكبار كتفاً بكتف، فالهلال بداعميه الكثر، لا يحتاج إلى الأرباب، أما شندي فهي أحق بدعمه كونها موطن الآباء والأجداد.
أقول لصديقي صلاح إدريس إن الأهلي شندي مؤهل ليغيّر مسار كرة القدم في السودان الذي ظل منذ ما قبل الاستقلال حكراً على الهلال والمريخ، وهل أدل على ذلك من إقصاء الأهلي للمريخ بثلاثية نظيفة ثم هزيمته للهلال في الخرطوم وليس في أرضه شندي؟
لذلك فإن السودان على موعد مع أكبر تحوُّل رياضي في التاريخ، فهلا حولت وجهتك إلى أهلك وموطنك الذي ما بخلتَ عليه في أي يوم من الأيام؟
التهنئة موصولة لمديره الهمام عبد المهيمن وللقانوني والمربي الفذ ابن شندي محمد الشيخ مدني الذي لن ينسى أهل كوبر وقفته معهم في أرض الإستاد، كما لن تنسى له شندي دعمه لها في شتى الخدمات تعليماً وصحة غير ذلك.
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة