إذا كانت زيارة السيد الرئيس عمر البشير إلى جمهورية روسيا الاتحادية التي تختتم اليوم، تعد فتحاً جديداً في مسار الترابط والتعاون بين البلدين، ونقطة تحوُّل كبيرة في مستقبل هذه العلاقة، ينبغي أن ينظر إليها بمنظار يتجاوز الجوانب الظرفية التي تمت فيها،
الى أبعادها الإستراتيجية وما تم تتويجه من جهود سابقة، ويجب أن نعترف أننا تأخرنا كثيراً من جانبنا في الاهتمام بعلاقاتنا مع روسيا، لأن الرهانات السابقة على تحسين العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة كانت في صدارة الأجندة الدبلوماسية رغم احتفاظ السودان بروسيا كحليف دولي صنو مع الصين، وهما حليفان دوليان لم يخذلا السودان يوماً ولم يتوقفا عن دعمه في كل المحافل الدولية، أو يتأخرا في نجدته في الملمات.
> ونتيجة لتأخرنا في اتمام العلاقة الإستراتيجية مع روسيا، ضاعت فرص ثمينة كانت يمكن أن تُحدث تغييراً كبيراً في واقع بلانا الحالي ولكانت الأوضاع غير هذه الأوضاع التي نعيشها اليوم، وليس هذا الأمر في عهد الإنقاذ وحدها ولكن تاريخ العلاقة مع موسكو هو تاريخ الفرص الضائعة والسوانح التي ذهبت مع الريح منذ ستة عقود تقريباً من أيام الاتحاد السوفيتي العظيم . لكن لنُركِّز على السنوات القليلة الفائتة، أذكر أنه في صيف العام2012م كنا في موسكو، وكانت الأجواء مليئة حينئذ بالتفاؤل، وكانت توجد رغبة روسية عارمة في تطوير العلاقات مع السودان، وطرحت يومها أفكاراً قدمت من الجانب الروسي طرحتها القيادة الروسية كان من شأنها أن ترتفع بالعلاقة في ذلك الوقت الى آفاق عالية وبعيدة، لكن لظروف وعوامل مختلفة ولبطء صاحب تنفيذها تراجعت الى الوراء، ومن عجب أن الاتفاقيات التي وقعت بالأمس بين الجانبين في زيارة الرئيس البشير الحالية، تحمل ذات المقترحات التي قدمت من قبل.
> في إطار العلاقة الإستراتيجية والتعاون في مجالات التنسيق السياسي وتطوير القدرات العسكرية للقوات المسلحة السودانية، كانت توجد تفاهمات مبنية على تاريخ ليس بالقصير، باعتبار السودان يعتمد على التسليح الروسي، فقد تم التفاكر حول كيفية تطوير العلاقة من مجرد بائع ومشترٍ للسلاح الروسي الى تعاون أكبر واتفاقيات تجعل من الجيش السوداني قوة عسكرية حديثة متطورة تعتمد على تقنية حديثة في المجالات المختلفة، إضافة الى تفاهم حول قواعد عسكرية و وجود أكثر فاعلية لروسيا في المنطقة خاصة في البحر الأحمر، وكان الحديث يومها بين الجانبين قد وصل الى طور التنسيق حال امتلاك السودان لقمر اصطناعي للأغراض العسكرية والبيئية، وإعادة تنظيم وتشكيل القوات الجوية والبحرية والدفاع الجوي وغيرها، وإدخال تقانة عسكرية جديدة تكون الأسبق في القارة الإفريقية، إضافة الى التدريب والتصنيع الحربي .
> غير بعيد عن هذا، كان هناك اتفاق على إنشاء بنك روسي سوداني بيلاروسي، يكون مقره في مدينة منسك عاصمة روسيا البيضاء، لتوفير أي تمويل مطلوب في تنفيذ مشروعات البني التحتية في البلاد خاصة مشروعات الطاقة والسكك الحديدية والخزانات والسدود والطرق، بجانب تمويل وتحديث أسطول شركة الخطوط الجوية السودانية والمشروعات الزراعية الكبرى. وتعثرت الفكرة ليس لأي سبب سوى وجود عقبات صغيرة وسوء تقدير للفكرة أو الخوف من العقوبات الاقتصادية الأمريكية، والغريب أن فكرة البنك المشترك كانت تمثل إحدى أهم المخارج في ذلك الوقت من العقوبات الأحادية الأمريكية .
> وكانت الأفكار والمبادرات تشمل أيضاً مجالات البحث العلمي وفرص التدريب والتأهيل للمورد البشري السوداني في المؤسسات التعليمية والعلمية والبحثية الروسية، وتم التأكيد على هذه الأفكار في سنوات لاحقة بعد تلك السنة2012م، وطرحت بقوة في(23) اتفاقية تم بحثها التوقيع عليها في اللجنة العليا الوزارية المشتركة التي شهدت العاصمة موسكو آخر اجتماع لها في ديسمبر2016 ، شملت كل المجالات الاقتصادية والتجارية والعسكرية والعلمية والتبادلات التجارية والتعدين والبترول والطاقة الكهربائية والطاقة النووية للأغراض السلمية، وقد شهدت ونحن عدد من رؤساء التحرير، هذه الاجتماعات في شتاء 2016 في موسكو وتوقيع هذه الاتفاقيات وكان الجانب الروسي أكثر حماساً وحرصاً على تنفيذها، وتوجد ثقة كبيرة في قدرات السودان الطبيعية ومنتجاته الزراعية، وكان الطلب على الخضروات والفواكه والبقوليات والحبوب السودانية مثل السمسم والفول كبيراً جداً، بجانب رغبة الروس في تحويل السياح الراغبين في السياحة البرية في البحر الأحمر الى السودان، بل طلبوا مائة كيلومتر على ساحل البحر الأحمر كاستثمار إيجاري لإقامة منتجعات ذات خصوصية وتميز تتناسب مع احتياجات السائح الروسي .
> وظلت التفاهمات والاتصالات قائمة بين الجانبين ولم تتوقف المباحثات والجهود الحثيثة لتنفيذ هذه الرغبات المشتركة، حتى جاءت زيارة السيد رئيس الجمهورية الحالية ولقائه مع الرئيس فلادمير بوتين ورئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، ويذكر هنا أن وزير الخارجية الروسي سيرجي فيكتور لافروف عند زيارته السودان العام الماضي عبَّر عن اقتناعه بأهمية هذه الآفاق المفتوحة للتعاون المثمر والبنَّاء.
نواصل غداً…
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة