أطلت ازمة الدولار مجدداً برأسها بالسودان، فهي العملة التي ما تزال تضع الحكومة السودانية على مر السنين في حرج دائم، حيث إنه خلال اليومين الماضيين ارتفع سعر الدولار في مقابل الجنيه بصورة غير مسبوقة ووصل إلى عتبة “28” جنيهاً من دون سابق إنذار، خاصة وأن كل التوقعات ذهبت ناحية هبوطه في مواجهة الجنيه السوداني بعد رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان منذ العام 1997م.
غير متوقع
المهم أنه وبمجرد الإعلان عن رفع العقوبات، انخفض الدولار مقابل الجنيه السوداني بعدد من الجنيهات، إلا أنه عاود الصعود مجدداً بصورة غير متوقعة أذهلت المراقبين والمهتمين، وبالرغم من البشريات وحاله التفاؤل التي سوقتها الحكومة للمواطن بقرب انفراج الأزمة الاقتصادية إلى غير رجعة؟ ولكن لا تزال الأمور تمضي إلى ما هو غير متوقع، إذ ترتب على هذا الارتفاع زيادة تضاهي 50% على أسعار السلع الاستهلاكية والمواد التموينية ومواد البناء والتشييد إلى آخره من المستلزمات الحياتية، فيما لم يتحدث مسؤولو القطاع الاقتصادي بالحكومة، والتزموا الصمت التام تجاه ما يجري دون توضيح الأسباب، أو حتى وضع التبريرات لما يحدث جراء ارتفاع أسعار الصرف بالسوق الموازي مقابل الجنيه السوداني.
أحاديث
فيما كان يعول الشارع السوداني على حكومة الوفاق الوطني التي يترأسها رئيس الوزراء القومي الفريق أول ركن بكري حسن صالح بإحداث تغيير على مستوى الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن، خاصة وأنها حكومة جاءت عقب مبادرة الحوار الوطني والتي ضمت في طياتها ما يقارب (80) تنظيما سياسياً وحركة مسلحة، كذلك فإن ما يتردد في الأوساط السودانية ومواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية، حمل وزير المالية (محمد عثمان الركابي) مسؤولية ما يحدث من تراجع للدولار، فالرجل الذي جاء إلى سدة وزارة المالية بغرض ضبط المال العام وزيادة إيرادات الدولة، جاء قادماً من صلب المؤسسة العسكرية بخلفيته الاقتصادية والأكاديمية المعروفة، إذ سارت عبر الوسائط منشورات تطالبه بالاستقالة، أو الإقالة، بعد أن تم تحميله وزر ما يجري من انهيار في العملة الوطنية، بعد أن حلق الدولار بعيداً في سماء الخرطوم، إذ دعوات تغيير وزير المالية لم تكن محصورة فقط وسط العامة، بل خرجت من بعض منسوبي الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) اذ سارع السكرتير الإعلامي الأسبق لرئيس الجمهورية عمر البشير، أُبي عز الدين بطرح أسماء رشحها لتولي منصب وزير المالية بدلاً للفريق عثمان الركابي منهم د. عبد الله الدعاك، الذي تقول سيرته العملية والعلمية والاقتصاديه إنه صاحب كسب كبير.
ارتفاع سعر
وبالعودة للوراء قليلاً، نجد أن مسؤوليين تنفيذين سابقين بالحكومة والحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) كانت لهم توقعات بارتفاع سعر الصرف ” الدولار” إلى هذا الحد، بل أبعد من ذلك منهم وزير الزراعة الأسبق ووالي ولاية الخرطوم د. عبد الحليم إسماعيل المتعافي بقوله “إن برفع العقوبات الاقتصادية عن السودان سوف يصل حد الدولار بعده إلى 30 جنيهاً”، ومضى وزير المالية الأسبق د. عبد الرحيم حمدي في ذات الاتجاه، وعزا الزيادة إلى اختلال الميزان التجاري للدولة من حيث حجم الصادرات والواردات وتحول السودان الى دولة مستهلكة، وتوقع في وقت سابق وصول الدولار إلى عتبة (50) جنيهاً، وعلى ذلك ستجتمع الحكومة ممثلة في جهازها التنفيذي والتشريعي اليوم (الإثنين) في اجتماع يضم كبار مسؤولي الدولة لمناقشة قضية تدهور العملة السودانية وما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية بالبلاد والوقوف على مجمل الأسباب والمعالجات المتوقعة حال استمرار الأوضاع على هذا المنوال، إذ من المتوقع أن يقدم كل من وزير المالية ومحافظ بنك السودان المركزي دفوعات أمام الرئاسة منها الإقرار التام بعدم توفر اعتمادات كافة لدى البنك المركزي لتغطية حاجة مجموعة من الشركات الاقتصادية العاملة في عدة مجالات والتي أقدمت مؤخراً على فتح باب التعاون وفتح الحسابات بينها ومجموعة أخرى من الشركات الأمريكية والشرق أوسطية في بلدان الخليج العربي ودول آسيا وهو ما يحتاج إلى توفير موارد مالية بالعملة الصعبة، فضلاً عن انخفاض نسبة التحويلات المالية بالنسبة للمغتربين السودانيين خلال العام 2017 وفقدان السودان لحوالي 4 مليارات دولار حسب ما جاء على لسان الأمين العام لجهاز المغتربين، ورغم من التسهيلات والتعهدات السابقة للحكومة بتنفيذ رفع قيمة ما يعرف بالحافز، إلى أن جميع قد تبدو باءت بالفشل.
تدارك الأزمة
أيضاً فقد تداول ناشطون في عدد من مواقع التواصل الاجتماعي أن السبب الرئيسي لارتفاع سعر الصرف بالسوق الموازي بهذه الصورة يعود إلى شراء عدد من الشركات الحكومية لـ(الدولار) للإيفاء بمديونية سابقة خارجية جاء موعد سدادها ما تسبب في شح بائن في العملة الأجنبية وتهافت تجار السوق في بيع ما لديهم، بالمقابل يعتقد البعض أن الممسكين بزمام المعرفة والدراية الاقتصادية بالدولة ينتقصون من جدوى تأثير الأمر بل ويعولون على زياده حجم الإنتاج من ما يعرف بصادرات المحاصيل النقدية لإحداث اختراق في الميزان التجاري يحقق التوازن المطلوب، إذ ما زال وزير المالية الأسبق ورئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني علي محمود حسب الرسول يرى أن الحل يكمن في الإنتاج فقط بخلاف الأمور والمسائل الأخرى مع تقليل المنصرفات وضبط المال العام والتوزيع العادل لمشروعات التنمية الايرادية، سيما وأن القطاع الاقتصادي للحزب الحاكم المؤتمر الوطني قد سارع هو الآخر لعقد اجتماع منفصل لمناقشة شأن ارتفاع أسعار الصرف ومدى توفير حل ولو بشكل مؤقت إذ قاد الاجتماع وزير الدولة بالمالية ورئيس اللجنة الاقتصادية سابقاً د. أحمد المجذوب وذلك جراء تغيب رئيس القطاع الاقتصادي د. حسن أحمد طه الذي يتواجد في مهمة خارجية، والتأكيد على التمسك ببرنامج الدولة الاقتصادية الذي يعرف اختصاراً بالبرنامج الخماسي وما ورد فيه من بنود تتعلق بزيادة الإنتاج والإنتاجية وضرورة وضع سياسات جديدة من شأنها أن تزيل مجمل المضاربات في السوق السودانية، وهو ما شدد عليه محافظ بنك السودان حازم عبد القادر في تصريحات صحفية مس الأول (السبت) بأن الحكومة ستكون لها سياسات جديدة لإنهاء المضاربات حول الدولار بالأسواق.
الصيحة.