*خرجت من (سيدنا الحسين) عقب صلاة العصر..
*ولكن من كان برفقتي لم يخرج… إلى أن كادت روحي تخرج..
*وكلما دلفت إلى المسجد وجدته بجوار الضريح… يتضرع..
*واليدان مبسوطتان نحو السماء (كل البسط)…. والبصر شاخص إليها..
*فكذلك كان يدعو الله عقب كل صلاة… في سرِّه..
*ولكن أن يكون الدعاء بجوار ضريح فذلك ما لم أفهمه… ولا أهضمه… ولا أقبله..
*أو بالأصح لا يقبله الدين… ورب الدين… ورب الحسين..
*ولم يستطع إقناعي بفلسفته الصوفية… وعجزت أنا عن إقناعه بفلسفتي العقلانية..
*وهذه العقلانية عندي تنبع من عقلانية الدين الخاتم..
*فلأنه آخر الأديان جعل الله معجزاته في التفكر… والتدبر… والتبصر… والتأمل..
*لا في العصا… ولا الناقة… ولا إحياء الموتى..
*وإن كانت هذه وجهة نظري أعرضها فإن له وجهة نظر يعرضها بأفضل مني..
*ذلكم هو صديقي الحبيب الحاج وراق… الموصوف بالعلمانية..
*وحين طال بي الانتظار جلست في مقهى لأجعل من مراقبة الناس مصدر تسليتي..
*أو ربما كنت أنا مصدر تسلية بعضهم… ومنهم ذلكم (المجذوب)..
*فقد كان يحمل مسبحة بيمناه… ومبخرة بيسراه….. ويحملني أنا بنظراته..
*ويحين يصيح (حيييي) أحس بجسدي يرتفع… ثم يهبط..
*وشعرت بأن ثمة رابطاً غريباً بينه وبين صديقي الذي بجانب الضريح..
*فكأنما كان يعنيني شخصياً بهمهمات المتصوفة الغيبية تلك..
*ومنها (وحدووووه)…و(لا دائم إلا هو)… و(مدد يا سيدنا الحسين، مدد)..
*وفي محاولة يائسة مني حاولت صرفه بـ(لحلوح)… فأباه..
*أبى أن يستلمه… وأبى كذلك أن يدعني وشأني… أتلذذ بكوب السحلب..
*وظل على حاله تلك إلى أن مرت أمامنا سائحة أجنبية..
*وكانت (لابسة من غير هدوم) تقريباً… وتتأرجح على صدرها العاري كاميرا..
*والتقطت لي بها صورة عجلى… وكانت على عجل..
*أو بالأحرى: التقطت (لنا)… ولا أدري أأنا الذي لفت نظرها أم الدرويش؟..
*أما ما لفت نظره هو فالسائحة نفسها… وتبعها على (عجل)..
*وطفق يدور حولها… ويُدير مبخرته حول رأسها… ويصرخ (حيييي)..
*ولكنها لم تتضايق مثلي… بل بدت سعيدةً تضحك بجنون..
*وبعد دهر من الزمان خرج وراق… وعلامات الرضا (الغيبي) على محياه..
*ولم يُعر علامات ضيقي من الدرويش على محياي أنا التفاتاً..
*وكأنما هنالك علامات تفاهم (سرية) بينهما… لا تفهمها العقول ذات التفكير (الظاهري)..
*وما أن حللنا بمكان إقامتنا حتى سمعنا خبر الانفجار..
*انفجار قنبلة يدوية ربما…. بأحد الأزقة التجارية في محيط الحسين..
*وانتهزها وراق فرصةً ليقول (أرأيت بركات الحسين؟)..
*فرددت عليه حجته وقلت (بل كاد تأخرك عنده أن يجعلنا من ضحايا الانفجار)..
*ولا أدري ماذا دعا وقتها في سره… ولكني أدعو الآن في سري..
*ولا تسألوني : بماذا… وعن ماذا… وعلى ماذا أدعو..
*فأنا (حرٌّ في سري !!!).
صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة