مصر لا تمتلك طائرات تستطيع أن تصل سد النهضة وتدميره ومن ثم الرجوع، هذا إذا سلمنا أن السودان سيسمح بذلك

ودة لسدّ النهضة نسبة للعديد من الرسائل التي وصلت تستفسر عن الخيار العسكري ضده، فنقول من الناحية العسكرية، مصر لا تمتلك طائرات تستطيع أن تصل السد وتدميره ومن ثم الرجوع، هذا إذا سلمنا أن السودان سيسمح بذلك، فلابد من التوقف في إحدي القواعد العسكرية السودانية للتزود بالوقود وهو أمر مستحيل بطبيعة الحال لأن السودان سيتضرر من هدم السدّ خاصة بعد وصوله لهذه المراحل الأخيرة في البناء، ولن يسمح بإستخدام أجواءه للعمل العسكري ضد السد، هذا أولاً.

– ثانياً مصر قد تلجأ إلي محاولة إرسال فرق لتدمير السدّ إما من إرتريا أو دولة جنوب السودان، ففي حالة جنوب السودان، هو أمر مستحيل خاصة وأن المعارضة الجنوبية تسيطر علي كافة الحدود مع إثيوبيا، وكانت هناك هزائم لقوات دولة جنوب السودان ومعهم قوات مصرية في معارك مع المعارضة، لذلك لن تجازف مصر بهذا الخيار، خاصة وإذا علمنا أن القوات المصرية ليست لها دراية بطبيعة الأرض هناك، وأن الجيش الإثيوبي يحكم السيطرة علي الحدود تماماً، وقد ألقي القبض في الماضي علي عدد من ضباط المخابرات المصرية قبل وصولهم للسد.

– أما من ناحية إرتريا، فإرتريا معروف أنها علي عداوة كبيرة مع إثيوبيا، وأي عمل عسكري ينطلق من أراضيها يعتبر عدوان مباشر لإثيوبيا للردّ عليه، ولن تتحمل إرتريا أي عمل عسكري إثيوبي، وقدّ حاولت مصر من قبل أن تسلح المعارضة الأثيوبية في إرتريا وترسلهم للسد، ورأينا كيف تمت الهزيمة الكبيرة لهم من قبل إثيوبيا.

– ثالثاً، مصر تمتلك قاعدة في جيبوتي، ولكن هذه القاعدة تعمل كمركز إتصالات دولية، والقوات المتواجدة هناك ليست قوات نخبة، كما أن القاعدة المصرية هناك لا توجد بها أدوات الطيران العسكري أنما مجرد مهابط لطائرات شحن وتشوين للقوات المصرية في القاعدة، هذا بالإضافة لأنه لا تستطيع أن تهبط طائرة في القواعد الأجنبية في جيبوتي بدون تنسيق مع باقي القواعد، وفوق هذا كله، في جيبوتي العديد من القواعد العسكرية الأجنبية علي رأسها الصين وفرنسا، وهما تشاركان في تمويل السدّ، ولن تسمحان بأي حال من الأحوال أن تنطلق أي طائرات أو قوات مصرية لتخريب أو تدمير السدّ.

– رابعاً، الخيار الأخير هو الصومال، فقد تلجأ مصر إلي إستخدام الصومال كنقطة متقدمة للإنطلاق لتدمير السدّ، وهو أمر صعبّ فنياً خاصة مع الإضطرابات المستمرة في الصومال، كما أن جمهورية أرض الصومال التي تتمتع بحكم ذاتي، وإستقرار نسبي نوعاً ما، بها قاعدة عسكرية للإمارات العربية المتحدة، والإمارات مشاركة في تمويل السدّ، ولن تسمح لمصر بإستخدام إقليم أرض الصومال لعمل عسكري ضد السدّ، هذا إذا سلمنا جدلاً أن يسمح للطائرات المصرية بالإنطلاق من مصر إلي الصومال، وهو أمر كما قلت مستحيل لأنها ستمر بنقاط الإنذار المبكر للقواعد العسكرية في جيبوتي، وسيتم رصد الطائرات وتمنع من الوصول لإقليم “أرض الصومال”.

– وفوق هذا كله، إثيوبيا اليوم لها تحالفات إقليمية ودولية كبيرة جداً، ولها قدرات عسكرية لا يستهان بها، فـ “لو” إستطاعت الطائرات المصرية دخول الأجواء الإثيوبية فلن تصل للسدّ، ولن تخرج من إثيوبيا، ولن تدمر السدّ بالكامل طلعة جوية واحدة، فالعمل العسكري هو ضرب من الوهم، وهو إستحالة في هذا التوقيت خاصة، بعد أن أوشك السدّ علي الإنتهاء، وبدأ الإستعداد لمرحلة ملء خزان السد.

– لذلك نقول ختاماً، أي عمل عسكري ضد السدّ له جوانب وتبعات خطيرة جداً، ولن تسلم منه مصر، لأن المتضرر ليست إثيوبيا وحدها فالسودان أيضاً والدول المانحة لتمويل السدّ لن يسكتوا بطبيعة الحال، كما أن القدرات العسكرية المصرية لا تمتلك تلك الخاصة في تحمل تبعات حرب لما بعد “تدمير السدّ”، فالحل الأسلم والأسرع لتنمية دول حوض النيل هو التعاون والتشاور والتفاهم، وليس فردّ “العضلات السياسية والعسكرية”، لأن هذه العقلية إنتهي زمنها، ولم تعدّ تخيف أحد، فالدول اليوم تنطلق من أرضية مصالحها فقط، ولكل دولة الحقّ في إتخاذ ما تراه مناسباً في تطوير نفسها دون الإضرار بالآخرين، والحديث عن أن “كل قطرة مياه مقابلها قطرة دم” وغيره من عنتريات الإعلام، هي أحاديث للإستهلاكي لخداع الشعوب، فشعوب دول حوض النيل لها دماء ومستعدة أيضاً لبذلها في سبيل تحقيق مشارعها، لذلك الحوار والتعاون هو الذي يوفر هذه الدماء وينطلق بالمنطقة إلي آفاق التعاون والإستقرار والنماء.

بقلم
أسد البراري

Exit mobile version