مشروع ميناء البحر الأحمر.. لهيب المنافسة الخليجية يصل السودان

يأتي مشروع السودان بإنشاء أكبر ميناء على البحر الأحمر بتمويل قطري في سياق إقليمي دقيق يطغى عليه النزاع الذي يمزق الخليج. وقد يُقرأ هذا المشروع كمؤشر جديد على منافسة اقتصادية ضروس بين قطر ومقاطعيها وعلى رأسهم السعودية.

من الأرشيف

كشفت الخرطوم عن اتفاق بينها وبين الدوحة لإنشاء ما وصفته بأكبر ميناء على ساحل البحر الأحمر، وذلك في زخم تنامي التعاون الاقتصادي بين البلدين، خصوصاً وأن قطر تسعى أيضاً لتطوير مشروع عملاق آخر هو ميناء بورتسودان ليصبح أكبر ميناء للحاويات في المنطقة. وتلعب السودان على خط رفيع في محاولة للحفاظ علاقاتها مع الرياض والدوحة في توازن بالغ التعقيد.

ومن الصعب اتهام السودان بالوقوف إلى جانب أحد أطراف الصراع دون الآخر. فقد دأب المسؤولون السودانيون على تكرار موقفهم المبدئي القائم على إعلان الحياد ودعم مبادرة الوساطة التي قادتها الكويت. الخرطوم تجد نفسها بين نارين وهي التي تربطها علاقات تاريخية مع قطر، وفي الوقت نفسه تعتبر من الحلفاء التقليديين للرياض، كما يدل على ذلك مشاركتها في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن.

وفي حوار مع DW عربية أكد سليمتن نمر، رئيس الملتقى الخليجي للدراسات والتحليل السياسي أن “طرفي النزاع، قطر من جهة والدول المقاطعة لها بقيادة السعودية من جهة أخرى، يسعيان لكسب مزيد من المواقف المؤيدة وبالتالي مزيد من الحلفاء المؤيدين في النزاع القائم” وهم يستخدمون في ذلك كل الوسائل بما فيها الاقتصادية.

تجذر العلاقات القطرية السودانية

من جانبه أكد المحلل السياسي السوداني الدكتور حامد فضل الله في حوار مع DW عربية أن “العلاقات السودانية القطرية تعود إلى 45 سنة، أي إلى عام 1972، حيث لعب السودان دوراً مهماً في دعم قطر في مجال التعليم والصحة والإعلام والقضاء والشرطة وغير ذلك”. وبهذا المعنى فإن العلاقات بين الدوحة والخرطوم ليست وليدة اليوم حتى تُختزل في الأزمة التي تعصف حالياً بمنطقة الخليج.

ذلك أن “مساعدات قطر للسودان فيها شق سياسي يرتبط بقضية دارفور التي تشكل وثيقة الدوحة عام 2011 أساساً لها ووافق عليها الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والأمم المتحدة. وهناك الشق التنموي والانساني ويشمل إعادة الإعمار في دارفور وتجاوز أزمة انقطاع البترول في السودان بعد انفصال جنوب السودان”، كما يوضح فضل الله.

السودان يحاول الخروج من الأزمة الخليجية بأقل الخسائر

ولربما شكلت أزمة قطر مع جيرانها حافزاً إضافياً للدوحة لتطوير وتنويع علاقاتها الاقتصادية لمواجهة عزلتها الإقليمية. فقد سبق لوزير المالية القطري علي شريف العمادي أن زار مؤخراً الخرطوم والتقى بالرئيس عمر حسن البشير وبحث معه العلاقات الاقتصادية بين البلدين. كما أكد وزير المالية السوداني محمد عثمان أنه توصل مع نظيره القطري إلى العديد من التفاهمات في سبيل بلورة مشاريع مشتركة. ويقدر حجم الاستثمارات القطرية في السودان بأكثر من 8.3 مليارات دولار، حسب وزارة الاستثمار السودانية، لا تشمل استثمارات إضافية لشركات تعمل بشكل خاص في البنى التحتية.

الاقتصاد من أدوات التأثير الناعم

قام الرئيس السوداني عمر حسن البشير خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بزيارة للخليج شملت إضافة إلى الكويت راعية الوساطة في الأزمة الخليجية، كلا من الدوحة والرياض. مصادر مطلعة في الدوحة وصفت حينها زيارة البشير للدوحة بأنها “تأخرت كثيراً”، خصوصاً وأن قطر حليف قوي للسودان حيث تضطلع بدور رئيسي في عملية إحلال السلام في إقليم دارفور المضطرب من الجانبين السياسي والاقتصادي. وتسعى الخرطوم إلى الخروج من هذا الصراع بأقل الأضرار السياسية والاقتصادية.

وبهذا الصدد قال سليمان نمر إن قطر تحاول “استخدام قوتها الاقتصادية واحتياطاتها المالية لخدمة أهدافها السياسية، وليس غريباً أن تسعى الدوحة لإقامة علاقات اقتصادية ودعم مشاريع استثمارية في السودان، فإذا لم يكن بجانبها، فعلى الأقل أن تبقيه بعيداً عن أي موقف مؤيد للملكة العربية السعودية.

توازن دقيق…

يشارك السودان بقوة في حرب اليمن ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وفي الوقت نفسه يقيم علاقات اقتصادية قوية مع الدوحة، كما يبرز ذلك في مشروع الميناء الكبير في البحر الأحمر. وتزامنا مع الإعلان عن مشروع ميناء البحر الأحمر، من المثير أن يصف وزير النقل السوداني مكاوي عوض ما أشيع عن تأجير ميناء بورتسودان لشركة دبي للموانئ بأنه مجرد إشاعة. وأكد عدم وجود أي رغبة أو مساع لدى الدولة السودانية لتسليم الميناء للشركة سواء بغرض تشغيله أو تأجيره.

وبهذا الصدد أكد سليمان نمر أن “الإمارات تسعى لتطوير موانئ اليمن الجنوبي بشكل خاص، في حين تعمل قطر على تطوير موانئ معاكسة على الجهة الأخرى من البحر الأحمر”. فكل طرف من الأطراف المتصارعة يسعى لتوسيع نفوذه وحشد مزيد من الحلفاء.

ثم إن الحضور القطري في السودان لا يقتصر على الموانئ وإنما يشمل أيضاً “المصارف والعقار والزراعة، (…) بل وهناك أيضاً الجانب الثقافي، فقطر تمول ترميم الآثار، منها أهرامات السودان، مشاريع صرفت عليها قطر 135 مليون دولار منذ عام 2013″، كما يوضح حامد فضل الله.

ولا شك أن الخرطوم تعرضت لضغوط قوية من قبل الرياض بعد اندلاع أزمتها مع قطر. كما أنها ليست بلا شك راضية عن زخم العلاقات الاقتصادية السودانية القطرية، لكن يصعب في الوقت ذاته على السعودية أو الإمارات إتخاد موقف معادي للسودان أو حتى معاتبته وهو الذي انخرط منذ اللحظة الأولى في “عاصفة الحزم” التي تعصف حقا باليمن ولربما بمستقبل المنطقة كلها.

DW

Exit mobile version