مخاوف كبيرة باتت تنتاب سكان ولاية الخرطوم، من جراء تراجع مساحات سكن الموتى، وهم يشهدون امتلاء الكثير من المقابر المنشرة بالولاية في مقابل مخططات سكنية متزايدة، في ظل هجرات متزايدة ولجوء كبير من دول الجوار.
الكثير من المقابر القديمة لم يعد بها اليوم من مساحات لدفن موتى جُدد ولجأ الأهالي لمراجعة القبور القديمة والحفر في المساحات التي تفصل بين قبر وآخر، مثل مقابر “أحمد شرفي” و”البكري” في أم درمان والرميلة وشروني والصحافة بالخرطوم، وبُري واللاماب والشجرة، البنداري بشرق النيل، حلة حمد وشمبات ببحري.
(المجهر) حاولت أن تقف على حجم هذه المشكلة ومعرفة السبيل لمعالجة هذه الإشكالية من قبل الجهات ذات الصلة، أمس أنها ستترك الأمر للمواطنين لمعالجته كيفما يروا.
“التاج عثمان” أحد سكان الكلاكلة شكى من انعدام مساحات دفن الموتى في المناطق القريبة، وأشار إلى أنهم بدأوا يهاجرون إلى المناطق البعيدة لدفن موتاهم حيث أصبحت مقابر الأندلس جنوب الخرطوم هي وجهتهم الحالية، مشيراً إلى أنه رغم كبر مساحتها وحداثتها إلا أنها شارفت على الامتلاء بسبب اتجاه أغلب سكان الكلاكلات إليها، بجانب سكان منطقة الأزهري وعِد حسين والبعض من سكان حي السلمة.
(30) شخصاً متوسط الدفن اليومي في مقابر حمد النيل
نائب رئيس المجلس الأعلى للتصوف في السودان “محمد الشيخ الريح الشيخ اسحاق الشيخ حمد النيل” ذكر أن مقابر “حمد النيل” بأم درمان، انشئت عقب وفاة الشيخ “حمد النيل” عام 1898 وهي من أقدم المقابر في المدينة واعتبرها أقدم مقبرة في السودان، وقدر متوسط الدفن في اليوم (25-30) شخصاً، لافتاً إلى اختيارها من قبل منظمة (حُسن الخاتمة) كمقبرة نموذجية من حيث النظافة هي أول مقبرة سورت، والدفن فيها مستمر لأكثر من قرن، مشيراً إلى أن الدفن في حمد النيل كان ينبغي أن يتوقف منذ سنوات بسبب كثرة الأموات وضيق المساحة لمدة لا تقل عن خمس سنوات حتى تكون هناك مساحة للدفن، والدفن مرات يكون عشوائياً، ويحمد خليفة الشيخ “حمد النيل” على منظمة (حُسن الخاتمة) أنها أسست مكتباً بالقرب من البوابة الرئيسية مجهزة بالحواسيب لرصد عدد الأموات بأرقام معينة إلا أنها أغلقت قبل عام.
تأثير الوصايا للدفن
ويوضح خليفة الشيخ “حمد النيل”، أن الاعتقادات لدى كثير من الأسر بجانب وصايا بعض الموتى بضرورة الدفن بمقبرة بعينها أظهر الدفن بين القبور، بالرغم من وجود مقابر أخرى، والبنيان حول المقابر والمظلات لا تفيد الميت في شئ.
وفي مقابر الرميلة بالخرطوم، أوضح العم “عبيد الخضر” أقدم دفان قبور، أن مساحة المقابر امتلأت بالفعل، فرغم استعدادهم على تنظيمها ونظافتها للحفاظ عليها، إلا أن السُلطات المختصة لا تسعى لمساعدتهم في ذلك، حيث إنهم بإمكانهم معالجة مشكلة انعدام المساحات بدفن بديل، داعياً إلى ضرورة الاهتمام بمساكن الموتى وإتاحة مساحات لدفن المزيد، وأضاف ما عارفين ندفن وين إذا مات زول في الحلة.
ونصح “عبيد الخضر” الجهات ذات الصلة سيما وإنه عمل في حفر المقابر لأكثر من (70) عاماً، بأن تبحث عن معالجات لتوفير مساحات دفن بخاصة في مناطق الخرطوم القديمة.
لافتاً إلى أن دفن الموتى في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية لديها طرق لمعالجة مشكلة الدفن في المقابر رغم تطاول السنوات.
مدير الإدارة العامة للتخطيط بوزارة التخطيط العمراني ولاية الخرطوم “محاسن محمد خضر” أوضحت أن استخدامات للأراضي وتوزيعها منظمة وتوجه حسب المخطط الهيكلي العمراني المجاز من قبل مجلس الوزراء الولائي للقطاعات السكنية والصناعية والاستخدامات التجارية، ومن ضمنها المقابر لافتة إلى أن المخطط الهيكلي وضع للمقابر “52”موقعاً في كافة أرجاء الولاية حسب معدلات الوفيات والنمو السكاني، ويحدد لها مواقع بمساحات كافية لدفن الموتى بالولاية في العام 2009م وفي العام 2011م أعدت دراسات مبنية على خطط هيكلية، ولكن بسبب النمو العمراني المتسارع بالإضافة إلى عوامل أخرى ترتبط بالهجرة الوافدة من الأقاليم المختلفة بصورة دورية بحثاً عن الخدمات متمثلة في السكن والعمل والدراسة أدى إلى زيادة الكثافة السكانية بشكل مضطرد، بجانب حدوث مشكلات في الولايات المتاخمة للولاية بالإضافة إلى أن الولاية شكلت واجهة للكثيرين، وأثر ذلك بوضوح في ارتفاع عدد السكان بالطبع زيادة في أعداد الوفيات وتقليص مساحات المقابر بجانب الوفيات الوافدة (الهجرة بغرض العلاج من الولايات والوفاة) ومن ثم الدفن واختلال حسابات المقابر وظهور مشكلات في المساحات المرسومة للمقابر، يجب على وزارة التخطيط العمراني تداركها بتأمين حلول سريعة لهذه المعضلة الخطيرة على أن تكون مخططاتها الجديدة وفقاً لتصور يعتمد على تعداد سكاني دقيق، وترى “محاسن خضر” أن تداخل مشاكل الحياة أثر في تنامي أعداد سكان الولاية وعده سبباً رئيسياً في تقليص مساحات المقابر وتداخلها مع المخططات السكنية كاشفة عن وجود مشكلات تتعلق بتجاوز المقابر الحدود المخطوطة لها والتوسع في الأراضي الجانبية باعتبارها بديلاً لكافة المخططات الجديدة لافتة إلى ضرورة أن يكون القدرة الاستيعابية للمقابر حسب عدد السكان المحددة في الولاية، إلا أن الهجرة مشكلة كبيرة.
تأثيرات التقاليد..
وتمضي “محاسن خضر” في حديثها إلى أن المسألة النفسية للكثير من الأسر وتمسكهم بدفن أقاربهم في مقابر معينة واقترانهم بشيخ محدد واحدة من إشكاليات عدم التوازن في معدلات الدفن المحددة بجانب إصرار البعض على تصنيف المقابر والتبرير بالبُعد المكاني، حالياً يوجد مقابر في الوادي الأخضر وغيرها من المناطق النائية إلا أنهم لا يذهبوا إليها لأنها بعيدة وارتباط الناس بالعلاقات الأسرية يؤثر في عملية الدفن في أماكن معينة بالإضافة أشياء أخرى تؤثر في الدفن وهي طريقة الدفن في المقبرة بطرق عشوائية في الوقت تحتاج عملية الدفن برمجة وتنسيق مع الشؤون الدينية لجهة أن المقبرة تستوعب الحد الأعلى لها، بل يمكن تجميع القبور في مكان محدد اهتداءً بما حدث في مقابر البقيع في المدينة المنورة، التي تستوعب الموتى وفقاً لنظام معين للدفن منذ العهد النبوي بخلاف الدفن في البلاد الذي يرتبط بجوانب أسرية واجتماعية والتمسك بالدفن بالقرب من المعارف رغم وجود لجنة في التخطيط العمراني تقدم مقترحات، نواجه مشكلة في استجابة المواطنين واللجنة تعمل على ترسيخ فكرة جديدة مستقبلاً في طريقة الدفن واستغلال المساحات الموجودة داخل المقبرة والدفن في أطراف المدينة، لافتة إلى أن الولاية أصبحت تولي أمر المقابر اهتماماً كبيراً بتخطيط مساحات كبيرة في مواضع المقابر القديمة، مبينة أن الولاية بصدد هيكلة (52) موقعاً جديداً للمسلمين والمسيحيين، في إطار المخططات الجديدة بناءً على عدد السكان ومدى تمتعهم بالخدمات، بالإضافة إلى معايير أخرى من شأنها ضمان عدم تجاوز نسبة الدفن المحددة مسبقاً وتبصير المواطنين بضرورة الالتزام بالدفن في المواقع المحددة.
مساحة المقابر بأمبدة تفوق الـ(75)% من المخطط
وتعضد “محاسن الخضر” حديثها بعدم وجود توازن في الدفن، إن مساحة المقابر في محلية أمبدة تفوق الـ(75)% من مساحة المخططات الموضوعة للمقابر حسب عدد السكان، والتخلي عن المنطقة المحددة للدفن والاتجاه إلى المنطقة السكنية اضطرت اللجنة على إثرها وضع معالجة بتسوير المقابر وإبقائها في مساحاتها المخططة إكراماً للموتى، مطالبة بتطوير عمليات الدفن بالتنسيق مع (منظمة حُسن الخاتمة)، مشيرة إلى معالجتها في مقابر وتخطيطها رغم مخاوف امتلاء المساحات المتاحة سريعاً، مشددة أن يكون الدفن مرتبط بالصفة الدينية، ونبش القبور كل “25” سنة والدفن فيها مرة أخرى، داعية المؤسسات الدينية بتوعية الناس بأهمية تقسيم المقابر إلى قطاعات والدفن فيها بترتيب زمني، مشددة على أن تكون هنالك جهة رسمية منوط بها العمل في المقابر لجهة أن الدفن في المقابر يتم بعد دفع رسوم، مستنكرة ربط الدفن بدفع رسوم استلام الجثمان في المستشفيات ومن ثم في المقابر عن الدفن.
تحقيق – آمال حسن
المجهر السياسي