بالأمس عُقدت ورشة باتحاد الصحافيين استمرت لساعات، شارك فيها جمع كبير من قادة العمل الصحافي والإعلامي وجمهرة من الحادبين على مهنة الصحافة، خاصة رؤساء التحرير والناشرين،
بغرض مناقشة هادئة وهادفة للتعديلات المقترحة على قانون الصحافة، وكما أشرنا في مقالنا بالأمس، فإن الجدل والنقاش الكثير والغبار الذي أثارته هذه التعديلات يُعد ظاهرة تستحق التوقف عندها والتقاط إيجابياتها، فكون الصحافة لم تزل حية ونابضة العروق وتجهر بالحقيقة، وقادرة على تحديد مساراتها الصحيحة، فذلك يصب في مصلحة المجتمع والدولة، وهذه قيمة كبيرة تضطلع بها الصحافة وأهلها في السودان .
> في رفضهم للتعديلات المقترحة على قانون الصحافة من خلال مداخلاتهم، لم يكن الصحافيون أقل حرصاً من الآخرين على ترقية العمل الصحافي وتطويره، فهم أصحاب المصلحة الحقيقية من أية عملية إصلاح وتحديث تطرأ على القانون، لكنهم في ذات الوقت لا يمكن أن يتراجعوا عن مكتسباتهم وحقوقهم في ممارسة عملهم بمهنية عالية وحرية كافية وكاملة، فتعديلات القانون لا تحقق أية حرية مرتجاه ومطلوبة لما في هذه التعديلات من مغالاة وعسف في الجانب المتعلق بالعقوبات والجزاءات الإدارية، وهذا المنحى متخلف جداً إذا قِيس بما يطرأ على قوانين الصحافة في محيطنا والفضاء العالمي. فكلما تخلصت الصحافة من التكبيل وارتفعت في مهنيتها عبر مواثيق الشرف الصحافي والأخلاق المهنية والضوابط الضميرية قبل القانون، كلما قويت شوكة العلاقة الموجبة بينها والمجتمع، وقويت شوكة الدولة. فالدولة القوية المستقرة هي التي تنشأ فيها صحافة قوية ومستقلة وذات تأثير حقيقي .
> في تعديلات القانون المقترحة التي دفعت الى مجلس الوزراء وأرجأ البت فيها، محاور أساسية ومواد لابد من نقاشها .. فالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة والصحافيين ، الواردة في التعديلات غير مناسبة وأقل تعبيراً عن مقصودها، والنص الوارد في قانون 2009م كان أكثر شمولاً وتحديداً، لأن النص جاء واضحاً وصريحاً ومقيداً بشأن عدم مصادرة الصحيفة او تعريض الصحافي او الناشر للحبس في ما يتعلق بممارسته لمهامه وعمله، تم سحب هذا النص الصريح واستعيض بنص آخر فضفاض وواسع التأويل لا يعبر بدقة عن مدلوله. أما في ما يتعلق بالتعريفات للصحافة الإلكترونية، فهناك خلط مريع وفهم مبتسر للغاية للصحافة الإلكترونية. فالنص الذي يشير الى تعريفها سيفتح الباب واسعاً لكل من هب ودب من المدونين ومستخدمي الهواتف الجوالة وشبكات التواصل الاجتماعي والهواة والهاكرز ليلجوا مجال عمل الصحافة الإلكترونية. والغريب أن تعريف الصحافة الإلكترونية في العالم ومر هو نفسه كمصطلح بأطوار مختلفة لم يتطرق إليه القانون لا من بعيد او قريب، فأولى معايب التعديل إنه لم يأتِ بنص وتعريف دقيق ومحدد ومتفق عليه للصحافة الإلكترونية، وهذا التعريف يحتاج الى مراجعة أشمل ومقاربات أكثر والنظر في تعريفات أدق في التجارب الدولية حتى لا نفتح باباً يصعب إغلاقه، ولا نعتقد أن الحكومة حريصة على إزالة مصاريع هذا الباب وجعل الصحافة الإلكترونية ( زريبة هوامل ) .
> أما ما يتعلق بتكوين مجلس الصحافة ، لقد هضم التعديل في المواد المختصة بتكوين مجلس الصحافة حقوق الصحافيين ، في قانون2009م يتم انتخاب ثمانية من الصحافيين من الجمعية العمومية للاتحاد ليكونوا أعضاء في المجلس لأنهم أصحاب المصلحة الحقيقية من عمل المجلس الذي مهمته تنظيم مهنة الصحافة، تم في التعديل تقليص عدد الصحافيين الى خمسة أعضاء فقط، مع العلم أن أعضاء المجلس من الصحافيين هم فقط المنتخبون من بين كل أعضائه، وتمت إضافة ثلاثة أعضاء جُدد يمثلون اتحادات المرأة والعمال وأصحاب العمل. بالطبع لسنا في حاجة إلى القول، إن هؤلاء المضافين لا صلة لهم البتة بعمل المجلس ولا مهنة الصحافة، فإن كان التحجج بأن المجلس يمثل المجتمع في مواجهة الصحافة، فدون الناس أعضاء البرلمان الخمسة وهم خير من يمثل المجتمع كله بكل فئاته وتنوعاته دعك عن الاتحادات المشار إليها، فالحجة هنا داحضة ولا معنى لها، ولذا يرفض المجتمع الصحافي هذا التعديل الظالم المجحف وغير الموضوعي ولا المنطقي او العملي ..
> اما ما يتعلق بالعقوبات الواردة في تعديلات القانون، فإنها تحتاج بلا شك الى إعادة النظر والتفكير بعمق وحرص كبيرين، وهو ما نناقشه في هذا المكان غداً..
نواصل..
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة