ربما انطوى القرار الجمهوري بحل المجلس التشريعي وإعلان حالة الطوارئ بولاية الجزيرة، على حيثيات ومعلومات ليست متوفرة لدى العامة وبعض المراقبين ومن تابع الصراع الداوي والمدوي في هذه الولاية التي تمشي على سطح صفيح ساخن،
فبالتأكيد بنى متخذ القرار حكمه وحزم أمره ورأيه على بينات وربما حقائق لم يعلن عنها ولم يشأ ذلك، لكن القرار في حد ذاته ذو كلفة سياسية ليست بالهينة، وأعطى رسائل سياسية مهما كان مقصدها لن تكون محمودة عواقبها، في حال لم تحل قرارات الحل المشكل القائم في ولاية الجزيرة بالكامل، أو تفاقم في اتجاهات وجولات أخرى تُعيِي حينئذٍ المداويا!!
> صحيح لقد حسمت رئاسة الجمهورية الخلاف بالضربة القاضية لصالح الوالي، وأنهت الحالة الصراعية القائمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الجزيرة، بالانحياز لحكومة الولاية مغلبة في تقديراتها الحاكم على المحكومين، على غرار القاعدة الفقهية (أخف الضررين)، ولأن مثل هذه المعالجة ليست نهائية، فقد تتوالد من هذا الحل الحازم مشكلات أخرى، خاصة أن البيئة السياسية في هذه الولاية لن تكون صالحة بعد هذا الصراع وما نتج عنه والذي اختتم به هذا الشوط، فمثل هذه الخلافات تشبه داء السرطان، إن تم استئصال جزء منه وبتر طرف المعلول، سيستشري بعد حين جالباً خطراً أكبر على الجسد، وسيكون بلا شك سقاماً مميتاً.
> لم يكن من أحدٍ ليتصور نهاية تراجيدية ودراماتيكية في آن واحد لما كان في الحلبة السياسية بولاية الجزيرة، كان يمكن لهذا الخلاف أن يظل محصوراً بين ستور وحيطان الولاية، وفق قواعد اللعبة والتعاطي معه بمختلف النسب والدرجات في غليانه، ليجري حله في إطار مؤسسات الحكم والعمل التشريعي وداخل الحزب الواحد، لكنه انتقل كخلاف ماحق برمته إلى المركز والمستوى الحزبي والسياسي الأعلى، فمن الطبيعي أن يكون هناك طرف أقدر على طرح قضيته، والوصول لموقع اتخاذ القرار بصورة أسرع من الآخرين، وإبراز حجته بما يتاح له من فرص أكبر، ولن يتجادل اثنان في أن خروج هذا الخلاف من شرنقته الولائية إلى فياح أعرض حتى تتدخل فيه رئاسة الجمهورية، لهو دليل عجز وبرهان على أن الولاية بمجلسها التشريعي وواليها لم يكونوا مؤهلين أصلاً لإدارة خلافاتهم وتسويتها ولملمة شظاياها، ولم تكن في الولاية جهة واحدة تتحلى بعقل واعٍ تستطيع وضع العقال على ركبتي بعير الصراع، ولجم أحصنة التنازع غير المروضة، حتى وقعت الولاية على رقبتها الملوية فكسرتها!!
> وكون الأمور فلتت إلى أن تدخلت رئاسة الجمهورية وقيادة الحزب، فهي نقطة ليست في صالح الوالي والمجلس التشريعي المحلول، فالوالي هو رأس الجهاز التنفيذي ورئيس الحزب في الولاية، فإن لم يستطع إدارة الخلاف الداخلي وتجسير الهوة بينه وبين الآخرين وتحجيم مساحة الخلاف وكسر شوكته والتقليل من مخاطره، فهو ليس بسياسي قط، فالسياسة هي فن الممكن، واستلال الممكنات من بين براثن المستحيلات، ومجلس الولاية كانت أمامه سوانح لتقليل حجم المواجهات وخسائرها والتحلي بذكاء مفطور عليه أهل السياسة والتشريع.
> فليس صحيحاً على الإطلاق أن الفرص اُستنفدت في الحل المحلي ولائياً …. أكانت تنقص ولاية الجزيرة وأهلها الحكمة والتعقل ..؟ وغاب كل الحكماء والعقلاء عن مشهدها السياسي المأزوم حتى تطاير الشرر وسُمع صليل السيوف التي جُردت من أغمادها!!
> المحمول السياسي لقرار الحل وإعلان الطوارئ، ستكون وطأته ثقيلة وشديدة على الولاية، سيهدئ القرار من بركانها، لكن احتقانات واعتمالاً في الجوف للبركان سيظل محتملاً، لسبب بسيط أن السياسة وولاءاتها الصارمة لم تعد موجودة كما عهدت، فقد تطاح السقوف، وتعري كل أزمة صناعها، وستذهب سكرة الانتصار المرحلي الفكرة، ويبحث الكل عن خياراته، فلرب حل مؤقت جلب محنة أكبر، فالسيد والي الجزيرة لن يكظم غيظه ويعفو عن خصومه بعد أن مكنه القرار من رقابهم وهو يحمل أسيافه ورماحه بعد أن عمدته القرارات الرئاسية منتصراً وظافراً… و (يا لثأراته)، فخشيتنا ألا تنصلح الأحوال وتتدحرج الأمور إلى أسفل.
> نحن هنا لا نقصد العمل والإنجازات التي يقوم بها الوالي، لكننا نقصد المناخ السياسي والتوافق الاجتماعي، فمثل هذه الأزمات تخلف وراءها أغباناً وحنقاً تكون لها امتدادات في الحياة العامة لا تتلاشى بسهولة، فالحل لصالح طرف واحد إن كان مطلوباً في بعض المرات، فهو ليس مضمون العواقب في كل الحالات!!
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة