أرثي لقراء الصحف الأخرى الذين يفوت عليهم الاطلاع على الاكتشافات المذهلة لأبي الجعافر، حامي حمى العروبة والزنوجة، في عصر أصبح فيه التجهيل والتضليل صنعة تتقنها وسائل الإعلام الرسمية، وقد اكتشفت أخيرًا أمرًا سيجعل كل واحد منكم يرتعد خوفًا، وفي الوقت نفسه يزداد احترامًا لزوجته )لو كان يحترمها أصلاً(.
الاكتشاف يتعلق بسر ارتفاع حصة الفرد العربي من الفئران، فكما نعرف جميعًا فإن هناك نحو عشرين فأرًا من النوع الفاخر لكل مواطن عربي، بل إن الوطن العربي بشقيه المحتل والمختل، فيه -وبدون فخر- أكبر عدد من الفئران في العالم، )قبل عامين أو ثلاثة حدث تآكل في جانب من جسر يربط الخرطوم بالضفة الشرقية من نهر النيل الأزرق، فما كان من والي الخرطوم السابق إلا أن أعلن أن الفئران نهشت ذلك الجانب، في حين قال المهندسون المختصون إن أتخن وأجعص فأر لا يستطيع فتح ثقب في أساسات الجسر أو جوانبه، لسبب بسيط، وهو أن الفأر ليس برمائيا، في حين أن الجسر تعرض للنخر والنهش في أجزائه المغمورة.. بسبب قوة التيار في موسم الفيضان(.
وقياسًا على الحكاية المعروفة، )المرأة التي شكت للوالي من عدم وجود فئران في بيتها، فأمر لها بعطية/ مساعدة مالية، لأنه فهم من كلامها أنه ليس في بيتها شيء يجذب الفئران(! المهم، قياسا على هذه الحكاية، فإن ارتفاع دخل الفرد في العالم العربي من الفئران دليل رفاهية، لأن الفئران لا توجد إلا حيث توجد نفايات كثيرة، ويشهد العالم كله بأننا أصحاب أكبر المزابل على الكرة الأرضية، وحتى الأفكار والنظريات والموضات والتقاليع والصرعات يتم صبها في بلداننا بعد أن تنتهي صلاحيتها في البلدان المنتجة لها، بل إن معظم الأطعمة الجاهزة التي تباع في كثير من الدول العربية يتم استيرادها بعد أن تصبح غير صالحة للاستهلاك الآدمي في بلدان المنشأ، وبحمد الله فإن بطون عرب الدول الفقيرة تهضم »الزلط« ومن ثم لا تتعرض صحتهم للخطر من تناول تلك الأطعمة التالفة بسبب عامل الزمن.
وليس ذلك بيت القصيد، فالفئران متوافرة عندنا بأعداد هائلة لسبب آخر، وإليكم أصل الحكاية: كشف مدير جهاز المخابرات البريطانية »أم آي فايف«، أنهم يستخدمون الفئران لكشف الأنشطة الهدامة أي النشاط المضاد للدولة، وأوضح أن الفئران تتمتع بحاسة شم قوية للغاية وأن استجواب المشكوك في أمرهم يتم بالقرب من قفص فيه فئران مدربة، وتكون هناك مروحة تنقل الهواء من يد المشتبه فيه إلى الفئران، وإذا ارتفع الأدرينالين ولو بنسبة طفيفة في جسم المشتبه فيه، اشتمته الفئران وضغطت على زر معين لتنبه من يقوم بالاستجواب إلى أن الذي يجلس أمامه »مزنوق«، وبالتالي يكون »مسوي عَملة« والأدرينالين يرتفع بشدة عند التوتر والغضب والانفعال، بدرجة أن شخصا كحيانا قد ينجح -بفعل الأدرينالين- في رفع سيارة إذا سقطت فوق شخص عزيز لديه.
وكعادتهم اللصوصية فقد سرق الإسرائيليون فكرة الاستعانة بالفئران في السبعينيات، واستخدموا عددًا منها في مطار اللد للكشف عن الإرهابيين، فكانت النتيجة أن الفئران أثارت الشكوك حول أشخاص أبرياء مثل أبي الجعافر الذي يخاف من الطيران ويتدفق الأدرينالين من أذنيه، كلما جلس في المطار في انتظار طائرة، فاضطر الإسرائيليون إلى تفنيش الفئران من دون منحها مكافأة نهاية الخدمة! والراجح عندي هو أن أجهزة المخابرات العربية أخذت علمًا بمسألة الفئران هذه، ومعنى هذا أن النساء كن أبعد نظرًا من الرجل لسوء ظنهن بالفئران، وأنصح كل من يجد فأرًا في بيته أن يعامله بأدب، حتى لا يكتب عنه تقريرًا يوديه في ستين ألف داهية، بل يستحسن أن يقوم بشراء أفضل أنواع الجبن وتوزيعها على أركان البيت رشوة للفئران، وكي تكون في »السيف سايد« أي في أمن وأمان اهتف »عاشت الحكومة« كلما رأيت فأرًا!
زاوية غائمة
جعفر عباس