لفت نظرى وانا امر باحد شوارع المعمورة في العاصمة السودانية الخرطوم بورت ابيض معلقا على الجدار الخارجى لاحد المنازل وبجوار الباب مكتوب عليه بعض الحكم والفوازير او المسائل الرياضية والنصائح للحكومة والمواطنين ولما تكرر مرورى بالشارع ذاته وجدت ان ذلك البورت يحوى كل صباح معلومة وموضوعا جديدا ،واحيانا ارى بعض المارة يتوقف عنده ليطالعون مابه من كتابة ، فتوجهت الى صاحب الدكان المجاور وسالته :هل هذه داخلية التى بها هذا البورت ام انه معهد تدريس ؟ .. فاجابنى التاجر لاهذا ولاذاك ، هو منزل عادى لمعلم ،يقوم صاحبه بكتابة هذه المواضيع واخراجها للشارع لارشاد الناس ،بدت لى الفكرة غريبة لاننى لم اشاهدها من قبل فى الاحياء التى تجولت فيها بالمدينة او الريف ، فرايت ان اتعرف على الموضوع اكثر وانقله للقراء الكرام ،طلبت من صاحب المتجر ان يهيىء لى الاستاذ لحوار قصير حول الموضوع ،وقبل ان التقيه كنت يوميا اصور بعض ما اجده فى البورت ،ولما اخذت حصيلة كافية جلست اليه مستفسرا ودار بيننا الحوار التالى
اولا نود ان نتعرف عليك ؟
اسمى علي الحسن قدور،من منطقة قندتو بشندى ،اصلا انا معلم منذ العام 1959م وقضيت فترة فى الخليج ،ذهبت هناك مدرسا وبسرعة عملت مشرفا اداريا بمدرسة ثم التحقت بوزارة التربية والتعليم التخطيط التربوى بابى ظبى ،وعدت قبل 9 سنوات بحثت فى المدارس بالسودان وفشلت لسوء البيئة التعليمية ،والان اعددت ملزمة بها ارشادات للمعلمين يمكنكم نشرها فى صحيفتكم
من اين نبعت فكرة البورت هذه ؟
ما اكتبه عبارة عن ملاحظات عامة استقيها من الشارع السودانى والحياة اليومية ، ولفت انتباهى اكثر سلوك الشباب خاصة عندما زرت الجامعات وشفت العجب ، سيما من ابناء المغتربين
مالذى حفزك على الكتابة فى البورت واخراجه الى الشارع ؟
اذا كتبت حديث او قصيدة واستفادوا منها عشرة او خمسة افراد انا بكون مبسوط ،وفى ناس يكتبون ما اكتبه فى اوراق وياخذونه مثل الفوازير والحكم وهذا شى جيد ،وانا فشلت فى الميدان التعليمى لانى ذهبت لعدة مدارس لاصلاح الواقع وقلت لهم ساعمل بدون مرتب ،ولكن للاسف مافى مربيين
مقاطعا ..كيف فشلت فى الميدان التعليمى ؟
مشيت المدارس ماوجدت استجابة ،والمعلمين مامهنيين وظروفهم الاجتماعية زى الزفت ،مرة ذهبنا نحن 45 مشرفا تربويا لجامعة السودان ،فوجدتهم ان غالبيتهم يقولون اهم شى “يدنكلو لينا الفطور ويدونا قروشنا” تصور لما مشرف تربوى يقول هذا الكلام ،ثم اننى دخلت عدد مدارس متطوعا منها بنات وبنين ، ولكن وجدت فسادا كبيرا جدا ،واذكر فى احدى المدارس الخاصة التى يتعلم فيها ابناء مسؤلين كبار وهى مختلطة وغالبية تلاميذها وتلميذاتها من ابناء مغتربين ، وجدنا شنطة فى الحمام فيها الواقى الذكرى ،والظاهر لما الحصة تبدا يذهب اخرون لممارسة الرذيلة “هذا فى القسم الاجنبى لتلك المدرسة ”
نرجع للبورت ..هل كانت ترد اليك ملاحظات ممن يقراون ماتكتبه ؟
فى مرة من المرات كتبت عن تبرج الفتيات وسفورهن فاتت احدى السيدات وقالت لى اود ان اعطيك هدية قلت لها ان كانت نصيحة فانى اقبلها اما غير ذلك فلا ،قالت لى الهدية صوت عنج لجلد الفتيات ،فقلت لها احسن يجلد به الاب والام اللذين اسهما فى خروج بنتهما بهذه الطريقة ولم يربياها التربية الصحيحة ،ومؤخرا غبت لوفاة فجاء احد المواطنين وسال عنى ولما قابلته قال لى انه يكتب المسائل الرياضية ويذهب ليناقشها مع ابنائه فى المنزل ، وقبل ايام كتبت عن ضعف الاهتمام من قبل اللجان الشعبية بامر الحى والخدمات فاتى احدهم ومسح السطر الاخير الذى فيه نقد للجان
هل تعرضت للمساءلة يوما بسبب ماتكتبه فى هذا البورت ؟
كتبت يوما عن عمر البشير والفساد فى الحكومة ، فاتانى احد المواطنين ناقلا لى ماقال انه حديث ضابط كبير يسكن فى الحى يهددنى فيه بانه سيعتقلنى اذا واصلت فى هذا الكلام ،ولكنى رديت عليه ولم يتكرر الامر
هذه التجربة هل هى خاصتك ام اتيت بها من خارج السودان لانها لم تكن مالوفة لدينا فى الداخل ؟
هى تجربة بداتها فى مدرسة بنات ثانوية خاصة بام درمان ،كنت اضع البورت وفيه نصائح للطالبات والامهات ،البنات كثيرا مايكتبن ما اكتبه لهن واحيانا اناقشهن فى الفصل عن المواضيع التى كتبتها لكن الامر توقف هناك ونقلت التجربة للحى الذى اسكن فيه ، اشتريت بورت ولما تاتينى خاطرة بقضية ملحة اخرج واكتب فيه
انت قلت انك اعددت ملزمة بها ارشادات تربوية للمعلمين وتكتب منها احيانا فى البورت .. لماذا لاتذهب بها لوزارة التربية والتعليم لتتبناها حتى تعم الفائدة ؟
ذهبت للوزارة وسلمتهم الملزمة ، لكننى وجدت انهم ليس لديهم مناهج ولاكتب ومنذ ان انتهت بخت الرضا انتهى كل شى
بعد حوار القصير مع الاستاذعلى الحسن قدور توجهت نحو صاحب الدكان الناصية الذى يجاور منزله ويدعى عبدالمنعم طه وسالته عن ما اذا كان هنالك اقبال على البورت من المواطنين ام لا فاجاب قائلا: هنالك عدد من المواطنين يطلعون مافى البورت ،وبعض الطلاب الذين يكونون فى حالة استعجال يصورن الشىء المكتوب وياخذونه فى هواتفهم مثل الحكم والمعادلات ، وواحد كان مدرس فى الخليج قال انه يستفيد ان هذا البورت اكثر من استفادته من الجرائد ،وكان ياتى وتفقد مايكتب.
كتب: لؤى عبدالرحمن