يهدد بجرف الحياة الزوجية الناسور البولي بدارفور.. الحياء يهدد الحياة

وزير الصحة بجنوب دارفور: قلة التثقيف الصحي سبب انتشار المرض
وزيرة الرعاية الاجتماعية: الظاهرة خطيرة وواحدة من المهددات
اختصاصي نساء وتوليد: زواج القاصرات يمثل تهديداً حقيقياً للمرأة
نيالا: محمد المختار عبدالرحمن
يعد مرض الناسور البولي بولايات دارفور مهدداً مباشراً لإنهاء العلاقات الزوجية، وسبباً في مواجهة المرأة لجملة من الأحزان والآلام بانقلاب حياتها الزوجية الهادئة، الهانئة إلى بؤس وشقاء وعذاب مما يفاقم من حالات المرض والتي في بعض أطوراها قد تقود إلى التفكير في التخلص من الحياة بالانتحار، وخاصة إذا افتقد الزوج الوعي والتفهم لحالة زوجته، ودارفور التي اختفى فيها صوت البندقية ارتفع فيها بالمقابل صوت خطر آخر يهدد حياة الكثيرات.

أسباب ومخيمات
يقول أطباء بدارفور إن تنامي مرض الناسور البولي يعود إلى قلة الوعي والتثقيف الصحي، بالإضافة إلى الحياء والخوف من نظرة المجتمع، ويقولون إن هذه الأسباب تسهم في تأخر وصول المصابات إلى المستشفيات، وأن المرض يتفشى في الريف لعدم وجود القابلة المدربة لتعطي جرعات من التوعية والتثقيف بالمرض وأسبابه وكيفية تفاديه منذ ساعة الحمل وحتى الولادة، واليوم رغم تنامي الوعي لم تبارح الظاهرة مكانها والأعداد كبيرة.

تدخل عاجل
ولأن الأمر كان يتطلب التدخل القوي والشديد من جهات عديدة حتى تتضافر جهودها معاً للحد من انتشار الناسور البولي، فقد شهدت مدينة نيالا المخيم الرابع لمرض الناسور البولي بمستشفى نيالا التعليمي تحت شعار (معاً لولاية خالية من الناسور)، وتعد جنوب دارفور من أعلى وأكثر الولايات التي ترتفع فيها نسبة الإصابة بالمرض مقارنة بالولايات الأخرى، وجاء المخيم بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان ووزارة الصحة، وبالتعاون مع جمعية أصدقاء مريضات الناسور البولي.

عمليات وتغطية
تقول السستر حواء محمود محمدين منسق الصحة الإنجابية بالولاية إن هذا هو المخيم الرابع وسبق إجراء نحو 108 عملية جراحية والمستهدف فى هذا المخيم 80 عملية، ولكن بلغت الحالات نحو مائة، وشارك خمسة اختصاصيي نساء وتوليد برفقة الدكتور (مايكل بييرن) استشاري أمراض النساء والتوليد وهو إيرلندى الجنسية، وأشارت سسستر حواء إلى أن هناك 1736 قابلة مدربة تم توزيعهن بالمحليات، ويجرى الآن تدريب وإعداد 667 قابلة سيتم أيضاً توزيعهن لتتم تغطية القرى والحلال والفرقان وأن نسبة قابلة لكل قرية وصلت (93%)، وقابلة لكل 2000 من السكان (82%).

تفشي خطير
ظاهرة مرض الناسور البولي حالة متفشية بولايات دارفور عامة وجنوب دارفور خاصة، ويرجع وزير الصحة بالولاية يعقوب الدموكي الأمر إلى قلة التثقيف والوعي الصحي، ويقول إن المواجهة والقضاء على المرض تحتاج لجهد كبير بمشاركة المجتمع وسماها بالمسؤولية الاجتماعية، مشيراً إلى أنهم كوزارة سيسعون جاهدين لتحسين وتقديم الخدمات الصحية فى مجال الصحة الإنجابية بتعيين القابلات المدربات فى إشارة للحد من حجم الوفيات بين الأمهات بمختلف أنحاء الولاية فى حالات الولادة بجانب الأمومة الآمنة.

انتشار واسع
تعد جنوب دارفور واحدة من الولايات عالية النسبة فى الإصابة بمرض الناسور البولي، وقليل منها يصل إلى مراكز العلاج لقلة الوعي وضعف التثقيف الصحي والذي هو أيضاً سبب مباشر فى حدوث الحالات حيث زواج القاصرات وتفشي ظاهرة ختان الإناث، وهناك تعهد من حكومة الولاية بمحاربة الظاهرة بسن القوانين والتشريعات لمحاربة العادات الضارة والمسببة لمرض الناسور البولي وسط قطاعات المجتمع خاصة المجتمع الريفي الذي ما زال تحت سيطرة العادات والتقاليد، ولحجم الحالات تم افتتاح مركز الناسور البولي بمستشفى نيالا التعليمي في العام 2014م بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان ويعد المركز واحداً من الإشراقات المضيئة بالولاية، ووفقاً للمسوحات التى تم إعدادها فى العام 2010م أظهرت جنوب دارفور أعلى نسبة وفيات للأمهات، مما دفع وزارة الصحة وصندوق الأمم المتحدة للسكان بالتوجه نحو وضع خطة لخفض الوفيات فى وسط الأمهات ولتتمكن الولاية من مواجهة الظاهرة بتأهيل مستشفى نيالا لتقديم الرعاية الصحية المنشودة.

مهددات حقيقية
تقول عائشة الشريف هنو وزيرة الرعاية الاجتماعية بجنوب دارفور في ذات الإطار إن الظاهرة في حد ذاتها تعد خطيرة وواحدة من المهددات التي تواجه المرأة، وأكدت على الحاجة الماسة لعملية التثقيف والتوعية الصحية بالمرض وخطورته وأسبابه، وأكدت على ضرورة رفع الوعي بعدم تزويج القاصرات وأن المسألة تحتاج لمشاركة جهود المجتمع والمؤسسات ذات الاختصاص، وحثت إدارة الصحة الإنجابية بالولاية بتفعيل دورها بقيام الورش والمؤتمرات لتتمكن المرأة من توصيل صوتها للجهات العليا للتدخل والحد من الظاهرة باتخاذ القرارت الناجعة التي تمنع وتحد من الحالات بسبب التقاليد والعادات الضارة.

غياب الخدمة الطبية
مديرة صندوق الأمم المتحدة للسكان لينا موسى قالت: مرض الناسور البولي، هو ناتج لغياب الخدمة الطبية بعدم توفر الاختصاصي وعدم اهتمام الأسرة بحالة الولادة ومعظم الفتيات اللاتي رأيتهن صغيرات في السن عشن تجربة قاسية بسبب القصور في الخدمة الطبية في اللحظة المطلوبة، ولذلك تبنينا في صندوق الأمم المتحدة للسكان هذا الجانب، وهو عمل شاق ومكلف وحرصنا على توفير مركز يقدم الخدمة محلياً توفيراً للتكلفة العالية التي تواجه الأسر فى السفر وتكاليف العلاج، حضور وزير الصحة والوزراء إشارة للاهتمام بالمجال الصحي، والمطلوب المزيد من الجهود، ولابد من التركيز على الوقاية لنتفادي الحالات والعمليات الجراحية.
زواج القاصرات
الدكتور أحمد حامد محمود اختصاصي نساء وتوليد ومدير مركز الناسور البولي بجنوب دارفور قال: الواقع أن الناسور البولي ينتج لخلل فى نظام الصحة بغياب الخدمة الطبية المطلوبة ساعة الحاجة إليها وهو أمر مقدور عليه بقليل من الجهد بالتثقيف ونشر الوعى وتدريب القابلات وفرض الوعي بعدم الزواج المبكر للقاصرات، وعمل عيادات لاختصاصيين متنقلة لتزور الناس في مواقعهم وتجري فحوصات الحمل في وقت مبكر واشراك الإدارات الأهلية، بتوفر مثل هذه الجهود يمكن القضاء على الناسور البولي خلال عشر سنوات.

الولادة المتعسرة
تقول الدكتورة هند محمد صالح اختصاصي نساء وتوليد وناسور بولي بمستشفى زالنجي: الناسور مرض يصيب النساء خاصة ولكن هناك ناسور يصيب الرجال، وهما ناسور بولي وناسور شرجي، من أسبابه الأساسية الولادة المتعسرة، وتحدث بنسبة أعلى عند الولادة لأول مرة (البكريات)، وهذه الحالة دائماً تكون صعبة ومعقدة عكس التي سبق لها الولادة وهي تتوقف على مهارة الجراح، وتقول الدكتورة هند: المطلوب منع حدوث الحالات لا انتظار حدوثها ومن ثم السعي للعلاج، في دارفور النسبة عالية وترجع لعوائق طبيعية وعوائق العادات والتقاليد وحدوث الولادات خارج المستشفيات، وإذا تعسرت الولادة الأهالي ينتظرون لأكثر من يوم ولا يحضروها إلى المستشفى إلا وهي فى حالة حرجة جداً، وبعد موت الجنين داخل الرحم وهي مسألة تترتب عليها جوانب أخرى من طلاق وتشرد أسرة وأسى وألم بل وأحزان عميقة تعيشها وتعاني منها المرأة في داخلها.

الريف يعاني
الدكتور معاوية آدم إسحق اختصاصي نساء وتوليد بمستشفى زالنجي يقول: أسباب الناسور البولي تردى الخدمات الصحية، فأكثر من 95% من الحالات تصل من أماكن نائية وبعيدة تفتقد وتفتقر للخدمات الصحية والمواصلات للوصول للمستشفيات الكبيرة، فتأخير الوصول إلى الخدمة بجانب أن هناك بعض المستشفيات الريفية لا توجد بها خدمة أصلاً فهذا يؤدي إلى حدوث الناسور البولي. ويقول دكتور معاوية: مركز الناسور بنيالا مهيأ ومكتمل، وعمليات الناسور عمليات مكلفة وتحتاج لخبرات عالية،وبمشاركة عدة تخصصات، وتمتد العملية الواحدة لساعات طويلة وبعدها تحتاج المريضة لفترة زمنية داخل المسشتفى للمتابعة والمراجعة وتمتد المتابعة والمراجعة حتى بعد خروجها من المستشفى وسفرها إلى موطنها، ونامل فى زيادة الجهود من وزارة الصحة والمنظمات العاملة فى مجالات الصحة أو الداعمة. والناسور البولي لن ينتهي إلا بنهضة الخدمات الصحية وتحسن سبل الوصول للمستشفيات لتلقي الرعاية في الوقت المناسب.

أزمة كبرى
استشاري المسالك البولية والكلى د. الصادق سليمان آدم بمستشفى نيالا التعليمي يقول: الناسور البولي مشكلة تواجه النساء بجنوب دارفور لصعوبة المواصلات وعدم توفر الخدمات الطبية والانتشار الواسع للولاية، وبدائية المواصلات التي تستخدم أحياناً تؤدي إلى تأخر الحالات أو دخولها فى أوضاع حرجة، ويقول: شاركت فى المخيم السابق والمريضات كن نحو 34 مريضة، وفي هذا المخيم أجريت أكثر من 85 عملية جراحية ناجحة ومعظمها معقدة ما كان من السهل إجراؤها إلا بواسطة خبراء، والحمد لله شارك معنا فى هذا المخيم مستر مايكل بييرن الذى قدم إلينا من زامبيا وهو إيرلندى الجنسية وهب نفسه لمريضات الناسور البولي، ويعمل فى أفريقيا لأكثر من 20 عاماً، وهناك الدكتور علاءالدين إبراهيم يحيى من الجنينة، وهذا العمل الناجح جداً تم بقيادة الدكتور أحمد حامد وبدعم سخي من صندوق الأمم المتحدة للسكان وبدعم من السفارة الأمريكية بالخرطوم.

خطة وإغلاق
ويقول د. الصادق يجب على الجهات المسؤولة تفهم مراكز الناسور لا تفتتح لبقاء المريضات بالمستشفيات ولكن للقضاء على الحالات ومن ثم إغلاق المراكز، لابد من وضع خطة مثلاً 2030 ــ 2040م ألا يكون هناك حالات ناسور بولي بدارفور أو السودان، وهذا يتطلب توفير الخدمات الصحية والطبية والتثقيفية الجيدة في كل المواقع، ولابد من توفير القابلة المدربة تدريباً جيداً وأن تستمر دورات التدريب لتواكب القابلة التطورات والرفع من قدراتها ومهاراتها، وبذلك لابد من خلق وظائف مستقرة لهن بجانب المعينات مع وجود الطبيب حتى يتمكن من التدخل السريع في أقل وقت. وحالياً النساء يواجهن لحظات الولادة ليوم أو يومين تجد الواحدة (تطالق) دون أن تتلقى أية مساعدة من جهة مختصة أو قابلة مدربة ومدركة لعملها ودورها، وعسر الولادة سببه الضيق في الحوض لأن معظمهن يتزوجن صغيرات السن وقبل النضوج الجسماني والنفسي، فيحدث الحمل وما زال الحوض لم يكتمل نموه فيكون في غاية الضيق. لا نعترض على زواج الصغيرات ولكن يجب بلوغها إلى وضع يمكنها من مواجهة مشاكل الولادة، هناك من تبلغ في سن 16 وأخرى فى سن 18 بجانب سوء التغذية له أثر كبير فى تأخر نمو الجسم، الختان قد يكون سبباً ولكن بدرجة أقل إذا حدث العسر في الولادة هناك العلميات القيصرية، ولكن يبقى السؤال متى وكيف الوصول إلى المستشفى أو الطبيب؟، لذلك نؤكد أن عدم وجود الخدمات الطبية المحترمة وعدم توفر المواصلات فبعض المناطق تنقطع في مواسم الخريف وقد تصل المرأة وهي تحمل على دابة أو كارو.

قمة الجبل
ويقول د.الصادق الجانب الذي لا يصلنا بسبب الموت كبير ولا توجد إحصائيات دقيقة، ولكن التقدير يمكن الوصول إليه من خلال نظرية قمة جبل الجليد العائم، فظهور مريض واحد يشير إلى وجود أعداد أخرى مماثلة لم تبرز أو تصل فهذه قمة الجبل، ولكن قاع الجبل هو المحك، في المخيم الماضي وصلت إلينا حالة مريضة واحدة فقط برفقة زوجها، وأتوقع تفهم الأسر والأزواج لدور العلاج وإمكانية التعافي وعودة الزوجة أو المرأة لوضعها الطبيعي، الآن فى الخرطوم لا يوجد مركز ناسور فقد أغلق مركز د. أبوه للناسور بمستشفى الخرطوم التعليمي وفي هذا المخيم وصلتنا حالتان من الخرطوم وتم عمل العمليات اللازمة لهن، ويشير د. الصادق الآن لدينا أمهر جراحي الناسور البولي فى الفاشر والجنينة ولهم خبرات عالية وأدوار امتدت حتى خارج السودان وأتمنى أن يكون مركز نيالا مرجع لولايات دارفور والمطلوب أن يكون المركز قريب من محيط النساء المحتاجات لخدماته لأنه من الصعوبة ترحيل 85 مريضة مع أسرهم لأية مدينة أخرى فالمطلوب نقل الخدمة إلى موقع الاحتياج.

بداية النهاية
أما الدكتور علاء الدين لإبراهيم يحيى اختصاصي نساء وتوليد مستشفى الجنينة فيقول: جئنا من الجنينة برفقة 18 حالة مستعصية وأجريت لهن كلهن عمليات ناجحة وتماثلن للشفاء وآمل أن تكون هذه بدايات النهايات لمرض الناسور البولي وأشير إلى الإمكانيات والقدرات المتوفرة بمركز نيالا تعد متقدمة، ويعتبر مركز نيالا جاهزاً ومتكاملاً ويحتاج لبعض الإضافات والملاحظ حضور بعض المريضات من الخرطوم للعلاج بنيالا وأنا أجريت عملية لمريضة قادمة من جمهورية أفريقيا الوسطى فهذا في الواقع يعد مفخرة لنا ولتقدم الخبرات في الطبيب السوداني.

الصيحة.

Exit mobile version