فرحة ..عابرة

ابتسمت تلك الجميلة في وجهه ..صنعت يومه في تلك اللحظة الفارقة .كان يحمل جوالا ضخما من القمامة ..عابرا الاسفلت حين توقفت سيارتها فجاة محدثة صريرا ..التفت ناحيتها ..فابتسمت معتذرة ..لم يسمع ما قالته لأنها لم تنزل زجاج السيارة ..اكمل طريقه نحو سيارة القمامة التي تسد الطريق ..ومضت هي في طريقها تلاحقها نظراته ..وهو يتمتم (يديك العافية).

ابتسامة الفتاة منحته سعادة كبيرة ..فقد كان حتى تلك اللحظة يعتقد انه من الكائنات غير المنظورة ..يمر الناس من حوله دون ان يلقى أحدهم بالا اليه ..يجمع قمامتهم ..يجتهد ان ينظف الارض ..يحاول الا يترك شيئا خلفه ..تجده يلاحق الأوراق الطائرة ..قناني المياه الغازية الفارغة ..بقايا الطعام الفاسدة ..يرفعها الى جوف السيارة المتسخة من كثرة ما علق بها اوساخ ..اقنع نفسه ..انه غير مرئي ..اذ لا يلقي احدهم التحية عليه ..يدندن رفيقه بصوت خفيض (احرموني ولا تحرموني ..سنة الاسلام السلام ) ..اليوم علم ان هناك من يراه وينتبه لوجوده ..بل ويمنحه ابتسامة .ترى ماذا قالت ؟؟ يكاد يقسم انه رأئ فمها يتحرك بكلمات ..ربما قالت (شكرا لك) ..او (ما قصرت ) ..او كما تقول له والدته بصوتها الواهن (يخدر ضراعك).

كل يوم وهو يخرج صباحا ..تودعه كانه ذاهب الى مكتب وزارة ..امه المريضة ..ومن غيرها يضطره الى هذه العمل ؟؟ تحت لهيب الشمس …وسط كل هذه الأوساخ والذباب والحشرات ..وتجاهل البشر ..وبعد كل هذا حفنة نقود لا تسمن ولا تغني من جوع ..لولا والدته ..ربما هرب كما فعل اصدقاؤه ..ذهبوا عبر الصحراء محملين باحلام كثيرة ..قالوا ان خلف تلك البلاد ..جنة ..ونقود (زي التراب) ..ترى ماذا فعلوا؟؟ انقطعت اخبارهم ..ولم يعد احد يسمع عنهم شيئا …يخاف ان يسأل عنهم ..فتجرفه تلك التي تناديهم من بعيد.

طالما تساءل ..لماذا يلقون بالكثير من الاكل ؟؟؟ اكثره صالح ..خاصة بعد وليمة في تلك الاحياء..لاتعرف ان كان هناك عرس اوعزاء ..فقط الكثير من الطعام ..في رحلته اليومية ..يلاقي ايضا.. الأوراق والكتب ..اه لو أنه يستطيع القراءة ..ربما امكنه حينها ان يحتفظ بمعظمها ..كم تحسر على تلك الكنوز الملقاة بلا اهتمام ..

توقفا للاكل ..سارحا نحو البعيد ..تراقصت أمام عينيه تلك الجميلة وابتسامتها ..قال لصديقه ( انت يا بخيت ..حصل قبل كدا ..يعني .يعني .جربت البقولوا عليهو دا ..الريدة دي؟؟)..كان بخيت ينفث دخان سيجارة في الهواء ..نظر اليه لفترة طويلة ..ومن ثم انفجر ضاحكا ..(انا من قبيل قلت الزول دا ..ما براهو ..ريدة شنو ..انت راسك ما حلو ولا شنو) ..نظر لمن داخل الدكان ..صاح قائلا (بالله يا اسماعيل ..زيد موية الجبنة ..وكتر الشطة ..ظبط البوش دا ..) ..كان المذياع يصدح من بعيد (باب الريدة وانسدا).

صباحكم خير – د ناهد قرناص
صحيفة الجريدة

Exit mobile version