السيدة (هـ) تبدو في العقد الثالث من عمرها، تكفلت وحدها بتربية أبنائها إعاشتهم وتعليمهم، في ظل غلاء الأسعار وارتفاع قيمة الإيجار، اتخذت منزلاً بمنطقة الكلاكلة اللفة سكناً لها و(ضلفتين) بسوق (اللفة) في أحد المجمعات مقراً لـ(أكل) عيشها، وهي تعرض بعض احتياجات النساء من كريمات ومساحيق التجميل، أطفالها الصغار أبت نفسيهما إلا أن يشاركا والدتهما المعاناة وتتراوح أعمارهما بين (12 – 10) أعوام، فيقتحمان السوق بعد نهاية اليوم الدراسي ويساعدان والدتهما في بيع ما تعرضه للمارة.
الحياة كانت تمضي معها على نحو عادي، لكنها لا تخلو من شظف العيش ومطاردات المستأجرين، ورغم ذلك كانت السيدة (هـ) قادرة على تجاوزها مع حرصها الشديد على أبنائها، إلا أن ذئباً بشرياً خطيراً تربَّص بابنها الصغير البالغ من العمر عشر سنوات، واستدرجه من مقر عمل والدته بطريقة ذكية واغتصبه واحتجزه لمدة ثمانية أيام، داخل منزل يستأجره قريباً من السوق، يجمع فيه عدداً مهولاً من الأطفال يمارس معهم أفعالاً غير أخلاقية بعد تهديدهم بالسحر وقتل والديهما.
السيدة (هـ) عاشت أياماً في جحيم اختفاء ابنها ومن ثم اكتشاف تعرُّضه للاغتصاب وبوادر التشرُّد خوفاً على قتل والدته من قبل المتهم، إلا أنها كانت قوية ونذرت نفسها لكشف غموض (شخص) كان يتردَّد عليها بمقر عملها منتحلاً صفة (مصلح اجتماعي) يوهمها بأنه يتبع لحماية الأسرة والطفل، ويسأل عن ابنها المختفي بإلحاح شديد، وفي الحقيقة كان يبحث عن ابنها عندما يهرب من قبضته.
رحلة الاستقصاء
هاتفتني السيدة (هـ) بصوت مهزوم يوحي بأنها مثقلة بالهموم تريد من يقف بجانبها، في قضيتها ضد الذئب البشري الذي انتهك براءة ابنها وقتل طفولته، فكشفت لي خلال المحادثة كيف يستدرج الأطفال وأين يخبئهم وماذا يفعل معهم، فشعرت بأن القضية أكبر من أن أتناولها عبر الهاتف، فطلبت منها تحديد مكانها وذهبت إليها حيث وجدتها سيدة فضلى ترتدي عباءة ملوَّنة محجبة تبدو عليها علامات الوقار، تحوذ على (ضلفتين) بالطابق الأرضي للمجمع تكابد بهما من أجل أكل العيش بين الرجال، أخذتني إلى خارج السوق وتركت ابنها الكبير يتولى شؤون البيع بالمحل.. وفجَّرت لي ..
بالون المأساة
ترجَّلنا إلى منتصف السوق ثم أوقفت ركشة لتلبية طلبي في زيارة منزل المتهم، فتحت معها موضوع ابنها، لكن فضول سائق الركشة كان عائقاً فصممت السيدة حتى لا يستقي السائق معلومات عن الحادثة، لم نمض بعيداً فلوَّحت السيدة بيدها نحو منزل مشيَّد من (طوب البلك) حوش بداخله غرفة واحدة وأخرى تفتح على الطريق دون بوابة، توقفنا وحاسبنا سائق الركشة وبعد أن مضى إلى سبيله بدأنها البحث عن شخص له علاقة معرفة بالمتهم ويعمل في إحدى المهن جوار المنزل الذي يمارس فيه المتهم أفعاله غير الأخلاقية مع الأطفال، عثرنا على الرجل بعد أن أضنانا البحث ثم تنكَّرنا له بشخصيات تريد المتهم في أمر مهم دون الإفصاح عن هويتنا.
ماذا قال الرجل؟
الرجل استقبلنا ببشاشة توضح بساطته وبادرنا بالسؤال عن منزل المتهم (ي) فأشار على الفور نحو المنزل وقال (ي) دا زول كويس، لكن سمعنا أن (ناس) شرطة حماية الأسرة والطفل (جو) قبضوا قبل كم يوم، لكن والله ما عارفين السبب شنو، وحقيقة (ي) كان بجيب معه أطفال صغار وبقول ديل أولاد أخته جو من كوستي، وأنا أتكلمت معاه كم مرة وقلت ليه سفِّر الأولاد البلد عشان الناس ما بتعرف أنهم أولاد أختك.
والدة الضحية تحكي وتبكي
اتخذنا من (ضُل) سوبر ماركت غرب المنزل الذي يقع شرق المستشفى التركي بالكلاكلة اتخذنا منه مكاناً لسرد المأساة التي تعرَّض لها الطفل (ت)، وهي تغالب دموعها قالت:
هكذا استدرج ابني
ابني (ت) رغم صغر سنه، لكنه يحمل هم المعيشة، لذلك كان عندما يفرغ من يومه الدراسي يأتيني في السوق وأنا أخرج له (تربيزة) صغيرة خارج المجمع وأضع له فيها بعض الكريمات ليساعدني في العمل، وكان هميماً يحب العمل والدراسة، وفي بداية الشهر المنصرم تربص به المتهم وهو شاب ثلاثيني، وظل يتردَّد على المجمع واستقى معلومات عن وضعنا المادي بجانب مجال عملي، لذلك كان مدخله لابني هو زيادة الدخل وأوهمه بأن لديه شركة تعمل في مجال بيع وتصنيع الكريمات، وطلب منه أن يذهب معه ليرى بعينه مقر الشركة ويبدأ معه العمل، وأضافت (هـ) بالفعل ذهب ابني معه فأدخله المتهم منزلاً وأغلق عليه الغرفة فوراً، ومن هنا بدأت رحلة البحث عن ابني لمدة، وبعد يومين فاجأني ابني بالحضور إلى مقر العمل وهو يرتدي فانيلة غير القميص الذي خرج به، وطلبت منه الاقتراب، لكنه كان خائفاً ويبتعد رويداً رويداً ثم اختفى عن الأنظار وعندما لاحقته هرب مني واختفى مجدَّداً.
الشخص المريب
واصلت (هـ) سردها للقصة قائلة في ظل غياب ابني كان يأتيني شاب ثلاثيني في مقر عملي ويسألني بإلحاح عن ابني المختفي ويوهمني بأنه يتبع لحماية الأسرة والطفل وهو يعلم باختفاء ابني، وكان يأتيني كل ما ظهر ابني بالمجمع، وفي المرة الثانية أعطاني كُتب وطلب مني قراءتها للاستفادة منها في التعامل من الأطفال، وكشف لي عن أنه يعمل مع منظمات أجنبية تعمل على تسفير الأطفال إلى الخارج، وأطلعني على بعض الصور الخاصة به وهو يتوسَّط أجانب (خواجات)، هذا الأمر وتردُّده عليَّ جعلني أشك في أمره، لكنني كنت حكيمة في عدم مواجهته بشيء يشعره بالخوف مني، في وقت كنت أبحث عنه ليلاً ونهاراً وكذلك الشرطة، لكن دون جدوى.
اكتشاف المأساة
استرسلت (هـ) في حديثها لـ(المجهر) قائلة: بعد أن مكث ابني ثمانية أيام، غياباً عن المنزل كان يأتيني فيها بصورة متقطعة يظهر إليَّ ويهرب، حضر في المرة الأخيرة واستطعت القبض عليه وإقناعه بالإفصاح عما يجري معه، لكنه كان خائفاً وعندما جلس على الكرسي لاحظت عليه عدم ارتياح في جلوسه بجانب تغيير واضح في صوته وخدوش على وجهه، هنا اعتصرت الألم وبدأت استدرجه وأطمئنه بأنه سيكون بخير، فبدأ يسرد لي المأساة التي تعرَّض لها من قبل المتهم .
الطفل يروي لوالدته
الطفل (ت) قال: إن المتهم حضر إليَّ بمقر عملي – التربيزة – وقال لي إنه يملك شركة للكريمات ويود مساعدتنا نظراً للظروف المادية التي تعيشها أمي، وأضاف الطفل ذهبت معه إلى مقر الشركة، لكنني تفاجأت بأنه منزل وعند دخولي أغلق عليَّ الغرفة ووجد بداخلها سبعة أطفال، وقبل أن يعتدي عليَّ مارس الجنس مع بعض الأطفال أمام عيني، ثم هدَّدني ووضع قطعة على فمي واغتصبني وهدَّدني في حال هروبي أنه سيعيدني بواسطة السحر وإذا كرَّرت الهروب سيقتل أمي، وواصل الطفل سرده لوالدته وهي تبكي: كنت أحضر إلى السوق حتى أراك وأهرب حتى لا يقتلك (ي)، وهو المتهم، لكن في اليوم الأخير ذهب بنا إلى البحر وبعد أن استحممنا عدنا إلى المنزل وفي الطريق نجحت في الهروب منه وطلبت من الأطفال أن يهربوا معي لكنهم رفضوا وقالوا إنه إذا أمسك بهم سيضربهم.
كيف وقع المتهم في قبضة الشرطة؟
واصلت (هـ) قائلة: ذهبت على الفور إلى قسم الشرطة ومنه إلى قسم شرطة حماية الأسرة والطفل ودوَّنت بلاغاً بالواقعة ومنحوني أورنيك (8) جنائي أخضعت به ابني للفحص الطبي الذي أكد واقعة الاغتصاب.
تقرير الطبيب
بعد الكشف الطبي على الطفل (ت) تبيَّن أنه يعاني من تورُّم في الشفة السفلى والناحية الداخلية للشفة، وأيضاً جروح قطعية صغيرة بالناحية الخارجية للشفة وخدوش بالرقبة وأخرى بالساق اليمنى وخدوش بالركبة اليسرى، وإحالته إلى قسم جراحة الأطفال للشكوى من الاغتصاب والتعدي.
ليلة القبض على المتهم
كشفت والدة الضحية كيفية وقوع المتهم في قبضة الشرطة قائلة إنني ملكت الشرطة كل خيوط الواقعة وأكدت لهم أنه يقيم بمنزل يعرفه ابني فخرج معي تيم يستقل سيارة وبمعيتنا ابني الذي أشار إلى المنزل فطلب منه الشرطي طرق الباب وبالفعل طرق الباب ففتح المتهم له وأدخله سريعاً ثم أغلقه جيداً وبعد دقائق داهم التيم المنزل وكانت المفاجأة وجود طفل أخر داخل الغرفة بجانب ابني وألقى التيم القبض على المتهم متلبساً وكان يطلق ضحكات غريبة توحي بأنه فوق القانون أو أنهم لم يستطيعوا فعل شيء له، وبعد التحقيق معه دوِّن ضده بلاغاً بالرقم (378) تحت المادة (45ب)، من قانون حماية الأسرة والطفل، وبعد اكتمال التحري أحيل البلاغ إلى المحكمة.
الطفل أمام المحكمة
الطفل الضحية قال لدى استجوابه أمام قاضي محكمة الأسرة والطفل مولانا “محمود أبكر”، صباح أول أمس (الثلاثاء)، كما رصدتها الزميلة “الشفاء أبو القاسم” قال: إن عمري عشر سنوات، أدرس في الصف الرابع أساس، تعرَّضت لعملية اغتصاب من قبل شخص ملقَّب بـ(الشيطان)، وفي يوم الحادث كنت موجوداً بالقرب من محل والدتي المخصص لبيع الكريمات، حضر المتهم وقال إن لديه كريمات للبيع، فذهبت معه لإحضارها، وفي الطريق قام بإعطائه عصيراً من محل يسمى (ف)، وبعدها توجهت معه إلى منزله وقام بإدخالي الغرفة، ووجدت فيها سبعة أطفال آخرين بأعمار متفاوتة، وأضاف الطفل للمحكمة أن المتهم اعتدى عليَّ جنسياً في حضورهم، وذلك بعد أن وضع منديلاً على فمي حتى لا أحدث صوتاً، وواصل الطفل سرده للقاضي قائلاً: إن المتهم اعتدى عليَّ أربع مرات، وكان يضع في جيب كل طفل ورقاً يقطع على شكل قروش، وفي الجيب الآخر حجاباً، ويؤكد لنا بأنها سوف تتحوَّل لعملة ورقية، وتابع الطفل: طلبت من الأطفال الهروب معي، ولكنهم أخبروني بأنه سوف يضربهم، وواصل إن هنالك أشخاصاً يحضرون لذات المنزل، ومعهم فتيات أجنبيات، وأن المتهم قد أبلغنا بأنه سيقوم بتسفيرنا إلى (الخواجات)، وبعد الاعتداء عليَّ اشترى لي ملابس من السوق، وأعادني ليلاً وأخبرني بأنه سوف يقتل والدتي إذا لم أعد معه، وعندما عاد خرج مع المجموعة التي ذكرها إلى النيل، وهناك هربت منه وحضرت لوالدتي وأخبرتها بما حدث.
تقرير – محمد أزهري
المجهر السياسي