قصة الجذع الذي سمع الصحابة أنينه لفراق النبي

حملت إلينا السيرة النبوية الشريفة الكثير من المواقف والأحداث التي تبرز مدى شوق الصحابة وحبهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبل أكثر من هذا حتى الجمادات هي الأخرى تشتاق وتحن إلى الحبيب الذي أرسله الله رحمة للعالمين. وفي قصة حنين الجذع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم نرى العجاب، وهي قصة ذكرتها كتب الحديث وبلغت درجة التواتر وهي أعلى رتب الصحة في الحديث. هذه القصة تبرز لنا معنى الخُلق الرفيع لتعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى مع النبات والجماد، الجذع الذي كان نباتًا ثم مات وجف فأصبح جمادًا كان يتكئ عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان يخطب خطبة الجمعة، فلما كثر عدد الناس، قال أحد من الأنصار: يا رسول الله ألا نجعل لك منبرًا؟، فقال عليه الصلاة والسلام: إن شئتم .. فجعلوا له منبراً.

فلما كان يوم الجمعة ومر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجانب الجذع الذي كان يستند عليه أثناء الخطبة وتجاوز الجذع وصعد المنبر الجديد وألقى السلام على الناس وأذن المؤذن، ثم بدأ في خطبته وفي أثناء الخطبة سمع الصحابة رضوان الله عليهم أنينًا يشبه أنين الطفل الذي فقد أمه، وابتدأ صوت الأنين يرتفع، وأصبح الصحابة يلتفتون يمينًا ويسارًا ليروا من أين يأتي هذا الأنين.. وإذا بالأنين يصدر من الجذع الذي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب عنده من قبل المنبر.

وظل النبي يخطب وأنين الجذع يزداد وهو يبكي على فراق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس فراقًا يصل إلى بعد في الزمان ولا المكان، ولكن ثمان خطوات فقط بين الجذع وبين المنبر.

فانظروا كيف لم يطق الجذع وهو جماد ألا يصبر على فراق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمان خطوات فقط. وظل صوت أنين الجذع يعلو ويعلو، حتى لم يعد الصحابة يسمعون صوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخطب، فأوقف النبي خطبته ونزل من على المنبر وأقبل على الجذع، وأخذ رسول الله يربت على الجذع ويمسح بيده الشريفة عليه كما تفعل الأم مع طفلها الذي يبكي، حتى أخذ الجذع يهدأ شيئًا فشئ حتى سكت، وضمه إليه وخاطبه وخيره بين أن يكون شجرة مثمرة في الدنيا لا تفنى حتى قيام الساعة وبين أن يكون معه في الجنة، فاختار الجذع أن يكون يكون مع النبي في الجنة، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: “لو لم أحتضنه لحنَ إلى يوم القيامة”.

وكان الحسن البصري رحمه الله إذا حدث بحديث حنين الجذع يقول يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شوقاً إليه، أو ليس الرجال الذين يرجون لقائه أحق أن يشتاقوا إليه؟. كم من البشر لم يرتقوا إلى مستوى هذا الجذع .. النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تحن إليه قلوبُ المؤمنين فقط، بل حنَّت إليه الجمادات، وحنين الجذع إليه مشهورٌ متواترٌ وقد أفرد له القاضي عياض فصلاً هو الفصل السابع عشر في كتابه (الشفا) فقال: “فهذا الجذع دبت فيه الحياة ودب فيه الإدراك من يوم أن استند عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخطب في الناس ويتلو آيات الله، فلما سمع الجذع هذا الذكر المبارك كانت الحياة وكان الشفاء، ولما تظهر آثاره إلا يوم أن فارقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحن حنين الصبي المشتاق إلى ما يحييه”.

وحنين الجذع شوقًا إلى سماع الذكر وتألمًا لفراق الحبيب الذي كان يخطب إليه واقفًا عليه وهو جماد لا روح له ولا عقل في ظاهر الأمر آية من أعظم الآيات الدالة على نبوة الحبيب صلى الله عليه وسلم وصدق رسالته وهي معجزة كبرى على مثلها آمن البشر لعجزهم على الإتيان بمثلها. وقال إمامنا الشافعيُّ -رحمه الله-: “ما أعطى الله نبياً مثلما أعطى النبي محمداً ، فقيل له: أعطى عيسى إحياء الموتى، فقال الشافعي: أعطى الله نبينا محمداً حنين الجذع حتى سُمِعَ صوتُه، فهذا أكبر من ذلك”.

مصراوي

Exit mobile version