كانت المدارس تهتم بالنشاط المدرسي عبر منافذ المسرح، الفلاحة، الإلقاء الشعري، الغناء، الرياضة وغيرها من الأنشطة التي تساعد في تحديد ميول الطلاب وتوضح مسارات اهتماماتهم.
كثير من المختصين توصلوا إلى أن حصص النشاط كانت تساهم في إبراز طاقات الطلاب الإبداعية، وبالتالي تقلل من اتجاههم للعنف أو التسرب من مقاعد الدراسة، حصص النشاط المدرسي كانت موجودة في جدول الحصص المقرر من وزارة التعليم، ولا تزال كذلك، لكنها ذابت وسط زخم الكتب، الحقائب، الدروس الخصوصية، ولا يعلم الطلاب حقا أين اختفت، ولا مدى حاجتهم لها.
مسرح الخمسينيات
الرتاين – جمع رتينة وهي أشبه بالفانوس – ترفع على مسرح المدرسة في أمسيات الخميس، حينها كان السلم التعليمي 4 سنوات لكل مرحلة، الزمان كان في خمسينيات القرن الماضي، يعتلي المسرح طلاب المراحل المتقدمة ويكتفي طلاب المستوى الأول بالمشاهدة، تبرز على خشبة المسرح مهارات الصغار الأدبية والفنية بإشراف من مُعلميهم، فيهتم الأستاذ بموهبة الطالب ويشجع عليها، ينتظر الطلاب يوم الخميس بفارغ الصبر لإبراز مواهبهم في تجسيد مسرحيات تحث على الكرم، الشجاعة التفاني وغيرها من القيم الإنسانية الراقية، إلى جانب اهتمامهم بالرياضات مثل تنس الطاولة، وتعليمهم كيفية الاهتمام والمحافظة على نظافتهم الشخصية، وذلك بحملات تفتيش دورية على الطابور الصباحي.
ضبط الإيقاع
قال دكتور فتح العليم عبد الله – أمين الشؤون العلمية بجامعة أمدرمان الأهلية – لـ (اليوم التالي): من المؤسف القول إن السلم التعليمي في تدهور واضح، وكل جيل صار يضاهي الجيل السابق له في السوء. وأضاف: في خمسينيات وستينيات القرن الماضي درسنا في المدارس الأولية، التي تبعد عن قُرانا عشرات الكيلو مترات، ما اضطرنا للسكن في داخليات، حينها كان الزي المدرسي جلابية وعمامة. وتابع: يقوم الطالب بالاعتماد على نفسه بشكل كلي منذ الصف الأاول الدراسي له في السلم التعليمي، فنغسل ملابسنا بأنفسنا، وملتزمون بتناول وجباتنا اليومية الثلاث في زمن محدد، وذلك لأن الوجبات جماعية، وبالتالي يُضبط الإيقاع الزمني منذ الأيام الدراسية الأولى. وأردف: نسبة لبعد المسافة عن المنزل صارت المدرسة والداخلية هما الحياة، منافذ الترفيه في المناشط المدرسية كالرسم، المسرح، الرياضة، اليوم وبالرغم من قرب المدارس من البيوت إلا أن النظرية التعليمية باتت معطوبة، لأنها غضت الطرف عن أهمية المناشط على نفس وذهن الأطفال.
أهمية المناشط
مجموعة من الطالبات في مرحلة الأساس قالوا لمعلمتهم (يا أستاذه لعبينا)، يبدو أنهن قد مللن روتين الدراسة الجامد، لكن عبارتهم الصادقة لاقت اهتماماً من المعلمة وبعض المهتمين، فقاموا بالتطوع والتفكير الجاد في إعادة حصة النشاط للمدارسة الحكومية، فقاموا بمبادرة أسموها (كول اسكول)، لوعيهم بأهمية المناشط وتأثيرها الإيجابي على الأطفال، كانت البداية هي عمل أبحاث علمية توصلهم للطريقة الصحية التي يبدأوا بها، فاختاروا مدرستي أساس الأولى مدرسة نسيبة بنت كعب الأساسية للبنات بالخرطوم، والثانية مدرسة البراء ابن مالك الأساسية بنين بشمبات.
نظرة الأطفال للحياة
قالت الأستاذة عنايات صالح آدم – أستاذة الكترونيات بجامعة بحري والمشرفة على برنامج كول اسكول – لـ (اليوم التالي): الطلاب بعد حصص النشاط الأسبوعية صاروا أكثر تفاعلا داخل محيطهم المدرسي، وبرزت اهتماماتهم، أفكارهم، وميولهم، وذلك من خلال تقارير متابعة المعلمين المشرفين عليهم. وأضافت: من خلال الرسم على سبيل المثال تظهر نظرة الطفل للحياة، وكذلك طريقة حله لمشكلاته، وأيضا تظهر هواجسه ومخاوفة، وكذلك الرياضات البدنية تنمي بداخله التحلي بقوانين اللعبة التي يفضلها، أما المسرح فيعزز ثقته بنفسه ويبرز مواهبه الفنية، وكذلك الحال في كل المناشط الباقية التي يستفيد منها الأطفال، كما أن إلغاء المناشط يخلق جدارا عازلا بين الطفل والمدرسة، وفيجب أن يكون هناك ما يحبه الطفل في مدرسته إلى جانب الأكاديميات، ومن أصعب أن نعمم هذه المبادرة على كل السودان، لكنها إشارة بأن كل منا يستطيع فعل ذلك في نطاقه الجغرافي.
الخرطوم – نمارق ضو البيت
صحيفة اليوم التالي