لما شبَّت الأزمة المالية العالمية قامت حركة (احتلوا وول ستريت)، وفي أزمة ولاية الجزيرة الحالية دعا الوالي في (حركة) لاحتلال تشريعي الولاية.
ووصلت الأمور بين الوالي وقادة التشريعي حد أن الولاية ما عادت تسعهما سوية، حيث أوصى كلاهما المركز باقصاء الطرف الآخر، وهو ما حدا بقياديي المؤتمر الوطني للتدخل وأرسال د.الحاج آدم ضمن لجنة لمحاولة تقريب وجهات النظر، هذا وإلا خيار الإنحياز لأحد الطرفين، الأمر الذي يفرض معادلة جديدة في الولاية الخضراء.
قبيل كل شيء فإن أيلا وصل إلى الجزيرة بتعيين مباشر من رئيس الجمهورية، بعدما حاصرته المشاكل في البحر الأحمر، ووجد سنداً شعبياً ومعارضين كذلك.
ودخل الوالي والتشريعي في مناكفات انتهت بإقالة (20) عضواً بينهم رئيس المجلس التشريعي الذي أوصى بإقالة الوالي، بينما دعا الوالي جماهيره لاحتلال برلمان الجزيرة لمنع جلساته من الانعقاد، وحالياً ليس هناك بداً من الانتظار لتكتمل الصورة.
جدل مستمر
انتهج أيلا في أيامه الأولى سياسات تطهيرية استهدفت بواطن الخلل في الخدمة المدنية، ما نتج عنه توفير كثير من الأموال التى كانت تذهب في غير مجراها، تحت بنود صرف مختلفة ومرتبات (وهمية) وغيرها، هذه السياسة أوجدت لأيلا مساحات من القبول الشعبي والرسمي، ووفرت له جماهيرية لابأس بها، وبذات القدر خلقت له مجموعة من المناوئين الذين تضرروا من تلك السياسات.
بيد أن بعضاً من مناوئي الوالي ينطلقون من منصات ليست ذات صلة بالشخصنة، ويصفونه بالدكتاتورية والميل إلى السلطة القابضة، وبإدارة أعمال بمنأى عن قواعد الشفافية.
وإن كان أيلا ينطلق من التفويض الذي منحه له رئيس الجمهورية، فإن تشريعي الجزيرة ينطلق من التفويض الانتخابي للعام 2015م، وفي حد ذاته مثل ذلك معضلة تنضاف لأخريات أوصلن الصراع الى ذروته، وبات كل شي بيد المركز والرئيس البشير.
تطور الصراع
وصل أيلا مع ذات الصراعات التي ظن أنها أغرقها في البحر الأحمر، وانقسمت الجزيرة مواطناً وتشريعيين، وتنفيذيين، بل وقيادات في الحزب الحاكم بين مؤيد ومعارض لأيلا.
وأوصى قيادي الوطني بالولاية، بحل تشريعي الولاية وإقامة انتخابات لاختيار مجلس جديد في غضون شهرين، وذلك بعدما أعمل محمد طاهر أيلا مقصه وفصل (20) نائباً أسقطوا قائمته الخاصة بتسمية رؤوساء جدد للجان المجلس.
أما المجلس التشريعي فكانت له سوابقه ضد الوالي، إذ اسقط خطاب الوالي في الدورة السابقة، بجانب اسقاط مشروع قانون التنمية، إضافة للمذكرة التي أعدتها قيادات المجلس التشريعي في افتتاح الدورة والتى احتوت على ما أسمته مخالفات الوالي ببناء هياكل موازية مثل إنشائه صندوق التنمية، والمركز الهندسي، ومشروع هيئة الأيتام، وأدى كل ذلك الخلاف إلى خلق جفوة كبيرة بين الوالي والمجلس.
وكانت أول ردة فعل بعد عودة الوالي من اجازته السنوية الفائتة في القاهرة قبل أكثر من عام، بمهاجمة خصومه في المجلس واصفاً إياهم بـ(خفافيش الظلام) وهذا ما خلق تحركات وقتها داخل المجلس من نواب يدينون بالولاء لحكومة الولاية السابقة، وآخرين مساندين لأيلا، إلا أن وصل الخلاف إلى مرحلة الصفر التى أعلن فيها أيلا قرارته في انتظار قرار رئيس الجمهورية التى رُفعت له تلك التوصيات ليبتَّ فيها.
نماذج سابقة
رغم ان كل التحليلات ذهبت إلى أن أيلا لم يتخذ قراراته الخطيرة والجرئية، إلا بعد أن باركها ودعمها المركز، إلا أن الجميع ينتظر قرارات رئيس الجمهورية في هذه القضية، وعينه على نماذج سابقة حسمها المركز والرئيس بشكل مختلف.
وتعود الذاكرة بالناس إلى القضية التى تفجرت بين د.عبد الرحمن الخضر وكرم الله عباس عندما كان الأول والياً للقضارف، والثاني رئيساً لمجلسها التشريعي، إذ اتخذ رئيس الجمهورية وقتها قراراً حاسماً بإعفائهما معاً بعد أن وصلت الخلافات مبلغاً جعل من السيطرة على الأزمة أمراً عسيراً.
ذات النموذج تكرر مع عبد الله علي مسار، ووزير الإعلام الأسبق، ووزيرة الدولة سناء حمد العوض، بعد أن تطور الخلاف بينهما لدرجة جعلت من عملهما معاً من سابع المستحيلات، مما عجل برحيلهما معاً.
هذا الأسلوب في حل القضايا عُرف من قديم الزمان كنهج لحزب المؤتمر الوطني في حل خلافاته، ولذلك ارتفع الصوت بالتساؤل عما إذا كان هذا المصير ينتظر الوالى أيلا ورئيس المجلس التشريعي المقال، لإنهاء صراع ولاية الجزيرة الملتهب، ورغم أن أيلا يجد دعماً كبيراً من المركز ومن الرئيس شخصياً بقولته (أيلا باقٍ في منصبه حتى 2020م).
وما يجعل الأضواء مسلطة على الجزيرة دخول عوامل وظروف تأتي في توقيت حساس انتظم فيه الوطني ليعد خططه لانتخابات العام 2020م ما يجعل من قرارات القيادة السياسية خاضع لعدة موازنات حتى لا تؤثر على الحصائد الانتخابية لاستمرار الحزب لما بعد الثلاثين من الحكم.
نتيجة مجهولة
لم تتضح بعد ملامح نهاية المعركة بين والي الجزيرة ومفصولي المجلس التشريعي بقرار الوالي نفسه، إذ ينتظر الجميع ما ستفسر عنه نهايات المعركة التى هي بيد المركز ورئيس الجمهورية.
ويرى عضو مجلس تشريعي ولاية الجزيرة عن منبر السلام العادل، عبد الباقي بليلة أن الصراع الذي لحق بالمجلس التشريعي هو انعكاس لاختلاف داخلي في حزب المؤتمر الوطني وأن المجلس ليست له علاقة بالصراع الدائر داخل الحزب، وأشار بليلة إلى أن مجلس تشريعي الجزيرة لم يخالف القانون واللوائح، مستنكراً إدخال المجلس التشريعي في صراع الحزب الحاكم لوجود عدد كبير من الأحزاب وأحزاب الحوار ليست له علاقة بخلافات المؤتمر الوطني.
ووصف بليلة قرار إقالة رئيس المجلس بالخطأ الكبير لجهة أن رئيس المجلس لم يخالف قانوناً ولم يتعدَّ على دستور، ورأى بليلة أنه من الصعوبة بعد هذه المعارك من استمرار أيلا في حكم الجزيرة لجهة أن الخلاف وصل إلى مراحل بعيدة بين أيلا وقيادات كبيرة من الوطني، مشيراً إلى أن مغادرة أيلا للولاية تعد الحل الأنسب لإنهاء الصراع.
فيما رأى المحلل السياسي د.صلاح الدومة أن حسم خلاف ولاية الجزيرة لن ينتهي بإقالة أيلا أو بإقالة رئيس المجلس التشريعي أو إقالتهما معاً، وقال الدومة خلال حديثه لـ(الصيحة) أن خلاف الجزيرة ليس على حق عند طرف دون الآخر وأنه صراع لن يستفيد منه المواطن، مشيراً إلى أن والي الجزيرة أيلا يجد دعماً وتضخيماً إعلامياً، ويرفض النقد بالمقابل، قائلاً إن المحك يكون بالإنجاز وليس الكلام.
الخرطوم: محمد أبوزيد كروم
صحيفة الصيحة