تحركات ماكوكية من منظمات ونشطاء بمجال حقوق الإنسان عملت جاهدة لإلغاء عقوبة الجلد بالمدارس، تنفيذاً لاتفاقية الطفل الدولية للعام 2010م، الأمر الذي دفع بوزارة التربية والتعليم إلى إصدار قرار يمنع العقوبة وإنزاله للمؤسسات التربوية للتنفيذ، واختلف معلمون وتربيون في تقييمهم للقرار بين مؤيد ومناهض ومتحفظ، بعضاً من التربويين حذروا من مغبة القرار، ويرون أنه ينعكس سلباً على سلوك التلاميذ بالمدارس، واستنكروا تغير النظرة تجاه الأساتذة وضربهم من قبل أولياء الأمور في بعض الأحيان، وأعابوا اتباع اتفاقيات الغرب، ويرى من يقفون الي جانب القرار أن العقاب أنواع وليس بالضرورة أن يلجا المعلم إلى «سلخ» جلد الطالب ليربيه.
(آخرلحظة) تجولت وسط المدارس، واستطلعت آراء معلمين وخبراء وعلماء نفس تربوي وأولياء أمور وخرجت بالحصيلة التالية. وزير مؤيد:قبل يومين من الآن، ذهل الوسط التربوي عندما أعلن وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم الدكتور فرح مصطفى، تأييده الواضح لإيقاع العقوبة الجسدية «الضرب» على تلاميذ المدراس، على الرغم من أن الخرطوم تقدمت غيرها من ولايات السودان، لإلغاء العقوبة الجسدية ضد الطلاب بسنوات، وأثار حديث الوزير خلال منتدى لحماية الأطفال من العنف بالمؤسسات التعلمية عقد في الخرطوم «الخميس» الماضي ردود فعل غاضبة وسط حضور المنتدى من التربويين وخبراء التعليم على السواء.وقال فرح «لابد من إيقاع العقوبة على التلاميذ والطلاب»، وأضاف «لا يمكن أن يتحقق نجاح دون ترغيب أوترهيب»، لكنه عاد وقال «العنف ضد الأطفال في ولاية الخرطوم ليس كما هو مثار في وسائل الإعلام».في مقابل ذلك ، أصرَّ المجلس القومي للطفولة على استمرار قرار منع العقاب في المدارس، واعتبر عدداً من حضور المنتدى حديث الوزير فرح تراجع وانتكاسة، مؤكدين مناهضتهم متى ما تقرر دخول حديثه حيز التنفيذ.
الضرب المبرح رفضت عضو المكتب التنفيذي لجمعية حماية المستهلك انتصار عبد الماجد، الضرب المبرح، وقالت إن ما نراه الآن يختلف تماماً، فبعض الحالات تصل إلى المستشفى، وقطعاً هناك طرق أخرى للعقاب مثل الحرمان من الحصة وغيرها من الاساليب.وطالبت انتصار بتخصيص باحث نفسي أو اجتماعي بالمدارس لدراسة حالات الطلاب، سيما وأن لديهم ظروف أسرية تؤثر على سلوكهم قد لا يعلمها الأستاذ، وهذا يحتم عليه معرفة أسباب سلوك التلميذ قبل اتخاذ أي إجراء عقابي، واشترطت مراعاة عدم الضرب في أماكن تضر بهم، وألا يتعدى الجلد ثلاث جلدات أو بعد الاتفاق على صيغة بينهم وولي الأمر.بدائل أخرىأقرّ مدير إدارة التدريب بوزارة التربية والتعليم ولاية الخرطوم د. الطيب مُحمّد، بمنع القانون العقوبة البدنية للتلاميذ في المدارس، وأشار في تصريحات صحفية إلى إحلاله ببدائل تربوية أخرى، وأضاف: إن القانون الذي صَادقت عليه وزارة التربية والتعليم يُمنع العُقُوبة البدنية، وفي الأثناء كشفت مدير وحدة الإرشاد والسلامة بالوزارة د. إخلاص محمد عن مصادرة وسائل العقاب من المدارس، وأردفت “خلال جولاتنا داخل المدارس (أي سوط بنلقاهو بنشيلو).وطالبت رئيس لجنة التعليم بالمجلس التشريعي ولاية الخرطوم انتصار كوكو بتنفيذ عقوبة تلفت نظر الطالب إلى ما بدر منه، وقالت إن العقاب يمكن أن يكون بطريقة ثانية، كالكتابة فهي تعود بالفائدة وفي ذات الوقت تأديبية، ويمضي عضو اللجنة أستاذ أحمد أن العقوبة تتفاوت من طالب لآخر، فهناك حالات لا تستدعي العقوبة بل الحديث، والمعلوم أن التحفيز له أثر إيجابي في نفس الطالب ومستواه الأكاديمي.تفادياً للخطأالمعلم بمرحلة الأساس عوض موسى وقف إلى جانب العارضيين للقرار، ودعا إلى التراجع عن قرار إلغاء عقبوبة الجلد، ويرى في حديث لـ(آخر لحظة)، إن العقوبة الهدف منها تربية التلاميذ، لأنها توضح للطالب خطأه وتقصيره وتنذره حتى يتفادى تكرار الخطأ مستقبلاً.ويؤكد المعلم عوض، أن ما يحدث بين التلميذ والمعلم مجرد عملية تربوية بغرض إيصال رسالة إنسانية في المقام الأول، حيث يكون الضرب في مناطق غير مؤذية فى الجسد، وأقر عوض بتفريغ بعض المعلمين غضبهم على الطلاب لأسباب تخصهم .وتأسف على تطاول بعض التلاميذ على أساتذهم بعد سماعهم بإلغاء العقوبة، وقال لا يخفى على أحد أن هيبة المعلم هي التي تحدد الاجتهاد في مادته، وتحسر موسى على ضياع عبارة (ليكم اللحم ولينا العضم)، والآن تبدَّلت المقولة إلى (بنفتح فيك بلاغ) ..
خطر قادممدير التعليم بوحدة عمر المختار ببحري، جلال الدين الإمام حذر من انفلات انضباط الطلاب إثر إلغاء عقوبة الجلد بالمدارس، وقال لـ»آخرلحظة» إنها تضع هيبة المعلم على المحك، باعتبار أن العقوبات البديلة غير مجدية، وأحسب أنه عندما يصل التلميذ مرحلة التطاول على المعلم أو الضرب وتبادل اللكمات، يلغي ذلك دور المعلم في التربية، ومساهمته مع الأسر، وردد جلال: إن الضرب يعلم التربية ويحث التلاميذ على التميز، وتوقع أن تحدث إلغاء العقوبة العديد من المشاكل أبرزها ضعف التحصيل الأكاديمي، عدم الاهتمام بالواجبات، وانحراف السلوكيات التي ستنعكس على تعامله مع المجتمع والأسرة بصفة خاصة.وتساءل مدير التعليم عن أسباب تغير سلوك الأسرة المطالبة بجلد أبنائها على كافة الأصعدة، وأصبحت تهدد المعلم بالشكاوي بمحكمة الأسرة والطفل بدلاً عن تكريمهم في آخر العام الدراسي، وأرجع الأسباب لعدم وعي الأسر أو فهمهم لما يجري، ولما بداخل المعلم من قصد تربوي، إذ أنه لا غضاضة له مع الطالب بشكل شخصي، بل الهدف تقويمه وإخراجه متفوقاً، ودعا المجتمع لإرجاع الزمن الجميل وتربية الشارع والمعلم والجار، وإرجاع الثقة في المعلم، وعدم الالتفات لأي أقوال تقلل من شأنه، وقال إن القرار نُظر من جانب سياسي، رغم أنه شأن تربوي.عقوبة فاعلةرئيس المجلس التربوي بمدارس الفاروق الأساسية بنات بالخرطوم زين العابدين سالم، يرى أن العقوبة تزرع في التلاميذ الهمه والنشاط والاهتمام بواجباتهم، وأعاب في حديثه لـ (آخر لحظة)، ضرب أولياء الامور للمعلم دفاعاً عن ابنائهم، واعتبره عدم وعي من الآباء، لا سيما وأن الأساتذه لا يقدمون على العقاب إلا من أجل المصلحة، والتي سيحصدها الآباء لاحقاً، ويلحظوها على مستوى أبنائهم أكاديمياً وسلوكياً، وردد: إن العقوبة ممنوعة إلا إذا كانت في حدود المعقول .تهاني محمد والدة إحدى الطالبات، اتفقت مع حديث رئيس المجلس التربوي، ووصفت وهي تتحدث لـ»آخر لحظة» ضرب المعلم (بقلة الأدب) وعدم التهذيب وليس صحيحاً ان يُقابل الجزاء الحسن بالعقاب، بجانب تحريض التلميذ تجاه مربيه، ويمكن استدعاء القائمين على أمرهم أو الكتابة بديلاً للجلد.بلهجة ساخطة تحدث ولي الأمر محمد عوض، وقال إنهم تعلموا بالجلد، وكان له أثر كبير في تربيتهم ونضوجهم، ولم يرسب منهم أحد بسبب إهمال دروسه، وبسبب الضرب تخرجنا ناضجين مثلنا مثل العديد من الذين يطالبون الآن بوقف العقوبة، واستنكر في حديثه لـ(آخر لحظة) إيقاف العقاب التأديبي من قبل الوزارة، وأشار لضرورة الجلد في بعض الحالات كالإزعاج والهرجلة، ولفت لوجود اختلاف بين طلاب الأمس واليوم، وقال في السابق كان يسود الاحترام والتقدير للمعلم خارج وداخل المدرسة، وحالياً لم يعد الاحترام موجوداً. سلبيات كثيرةفائقة محمد، والدة أحد التلاميذ، ترى أن للضرب سلبيات كثيرة تتمثل في كره التلميذ للمدرسة، ويحمل الحقد تجاه المعلم والمادة التي يدرسها، ونفت فائقة ضرب أولياء الأمور للأساتذة، ودعت لأسلوب التحفيز لأنه الأقوى والأجدر.إتباع الغرب الخبير التربوي حيدر محمد يري أن هناك قضايا لا تحل إلا بالجلد، ونحن لسنا رعاة نحمل سياطنا ولا طلابنا بهائم، نعاقب الطلاب بالجلد لنعلمهم أخطاءهم حتي لا يقعوا فيها للمرة الثانية، ومن خلال الجلد هناك من أصبح من المتفوقين، وعادة ما يكون الجلد للإهمال باعتبار أن التلميذ لايعرف مصلحته، واستنكر حيدر مقترح أن تستبدل عقوبة الجلد بتكرار كتابة الواجب، لأن هناك تلاميذ لا يكتبون …
وتسائل ماذا نفعل معهم؟ هل نعاقبهم بالكتابة مرة أخرى؟، وأعاب على القائمين بالأمرعدم مشاورة أصحاب الاختصاص، مردداً أن عدم الجلد سيفرز سوالب كثيرة أولها عقوق الوالدين، وضربهم كما تفشى الآن ضرب وقتل الأبناء لآبائهم.ويضيف حيدر ما يدعو للدهشة أننا نتبع الغرب والمنظمات الحقوقية التي تبعدنا عن قيمنا وتعاليمنا، فهي تمنع جلد التلاميذ لأن والد التلميذ لايكون وصياً عليه بعد بلوغه سن الرشد، وتساءل في الخصوص، هل يريدون أن يحدث هذا الأمر بالبلاد؟ وقال أحسب أن الناس قد تناست أن المعلم يربي الأخلاق وليس الجسد، وعاجلاً سيظهر الفرق لدى الأسر، كما تناست حديث رسولنا الكريم (أضربوهم) فهل يعني هذا رفض القول المأثور؟.العين الحمراء ويضيف مدير مدرسة الفاروق الاساسية بنين عبد الحي عبد القادر لوجود اختلاف بين الأولاد والبنات، والمعلوم أن الذكور يتملكهم العناد ولا تجدي (العين الحمراء) معهم، وقطع إن قلوبنا ترف تجاههم فهم ليسوا تلاميذ فقط بل أبنائنا، أما البنات فيسمعن لمجرد التنبيه اللفظي، ومثال ذلك، عاقبت إحدى الطالبات لأنها كثيرة الحجج وتهمل دروسها، وبعد فترة حضرت والدتها وشكرتني لتحسن مستواها وسلوكها الذي شعرت به، وطالبتها باحضار سوط (عنج) حتى تستمر ابنتها في هذا المستوى، وهذا نموذج من الايجابيات، ، وتوقع مدير المدرسة انهيار الدولة بأكملها عند تطبيق القانون المختلف حوله.منعه بالمدارسوكشفت رصيفته مديرة مدرس الفاروق الأساسية بنات، سمية عالم، عن أن مدرستها لا تمارس الجلد إلا عند الضرورة، بهدف الحفاظ على مستوى التلميذ، وقالت عقوبة إلغاء الجلد تسهم في تدني مستوى الطلاب وإهمالهم لواجباتهم، بجانب الهرجلة والتسيب والغياب المستمر.
وعن البديل تقول سعيدة يمكن استدعاء ولي الأمر والتفاكر معه في طريقة العقاب، ولفتت إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي والعولمة غيرت من السلوك، واستنكرت انفعال بعض الآباء والأمهات وإقدامهم على ضرب الأستاذ والتسبب في اذى جسيم بقصد أو بغيره.انتهاك صارخأستاذ الصحة النفسية واستشاري الطب النفسي والعصبي بروفسير علي بلدو يرى هنالك خلط كبير بين عقوبة الجلد والعقوبة البدنية، وبالتالي ليس كل عقوبة هي الجلد، وليس كل جلد عقوبة، والمعلوم أن الدراسات أثبتت عدم جدية وفائدة تلك العقوبة، إذ أنها تمثل نوعاً من عدم الكفاءة وفقدان المعلم سيطرته على التلاميذ، وتؤدي لعدد من الإشكاليات أبرزها رفض المدرسة وتدني مستوى التحصيل، بجانب التبول اللا إرادي، وعدم الاهتمام بالدراسة، وتفشي العنف داخل المدرسة، وازدياد السلوك غير المنضبط.وأوضح بلدو، أن الضرب يمثل انتهاكاً صارخاً للحقوق النفسية للتلميذ وتعمق ما بداخله من جراح، وتقود للشروع في الإدمان، ويضيف بلدو (40%) ممن يعانون من مشاكل نفسية لتلك الأسباب، وشدد على ضرورة تطبيق العقوبة البديلة وتدريب المعلمين عليها، وإشراك الأسر حتى لا يعتدي التلميذ أو أولياء الأمور على الأساتذة انتقاماً لابنائهم. ايجاد بدايلالباحثة الاجتماعية، ثريا إبراهيم، أرجعت التغير في الوعي لإلمام الأسر بحقوق الطفل والقوانين الموضوعة من أجله، بجانب معرفتهم عن طريق الإعلام بحالات العنف والجنس وغيره من الحالات التي طرأت مؤخراً في قطاع التعليم، وتضيف ثريا إن النظرة تغيرت ويتطلب ذلك ايجاد بديل مجزى يحافظ على هيبة المعلم ومستوى التلميذ، فلابد من التواصل بين المعلمين وإدارات المدارس والآباء والأمهات.
تحقيق: لنا أبو القاسم
صحيفة آخر لحظة