حجرة خافتة الضوء في الطابق السفلي لأحد عقارات منطقة عزبة النخل بالقاهرة، تتزين جدرانها الأربعة بأيقونات للسيدة العذراء وصور للمسيح في رفقة حوارية، في أحد أركانها يجلس “أبو بيشوي” أمام ماكينة الخياطة، يترنم بصلاة الشكر التي يذيعها برنامج الصباح، وفي الخلفية صورة تحمل أشهر عبارات القس “كيرلس السادس”، نظرة من حين لآخر إلى تمثال المسيح فوق “المذبح” المثبتة في طرف الماكينة.
حجرة للوهلة الأولى معظم أركانها تدلك على الديانة التي ينتمي إليها مالكها، عدا ركن واحد، على يسار الغرفة تتراص أقمشة ذهبية نُسجت عليها آيات من الذكر الحكيم والشهادتان، تنتاب الزائر الريبة في أول الأمر، من يكون صاحب الغرفة التي تتسع رغم صغر مساحتها للديانتين معًا!
” أنا اسمي جمال كامل بشاي أو أبو بيشوي، سني 55 سنة، أنا في الأساس بشتغل ترزي حريمي من فترة السبعينيات وأنا سني 11 سنة كنت بشغل مع أخويا بعد ما فشلت في التعليم، لكن السوق نام في الفترة الأخيرة، لجأت للشغل في عمل الآيات المعلقة على الحوائط”، الصدفة وحدها دفعت أبو بيشوي لكسب الرزق من خلال الآيات القرآنية والشهادة والأدعية المنقوشة على القماش الذهبي، فمنذ نحو خمس سنوات، تعرف على تاجر أقمشة سوري يعمل في العتبة صديق لأحد الجيران الذي يعمل في التطريز، أخبره أنه يعرف “ترزي” يدعى أبو بيشوي يمكنه أن يعتمد عليه في تفصيل اللوحات القماشية و”تقفيلها” على أكمل وجه.
“بيجيلي القماش عليه الكتابة، بقطعه وأبطنه بالقماش الضمور بعد قطعه بالمقص الكهربائي ويتخيطوا في بعض” هكذا قال أبو بيشوي.
يزحزح أبو بيشوي مقعده بحثًا عن نماذج لمشغولات قرآنية أتمها هو وزوجته، ليجد قطعة قماش كبيرة الحجم على شكل مستطيل، تحمل الآيات الأولى لسورة الرحمن بحروف خرز لامعة، “أنا بعمل آية عمود ومربع وكذا شكل، أشهر الآيات اللي بتكون مكتوبة نحو سبع آيات، منها الفاتحة والمعوذتين والرحمن وأسماء الله الحسنى وغيرها كتير”، ويبدو أن كثرة تعامل عم أبو بيشوي مع الآيات المنقوشة على صفحات الأقمشة جعله يتطلع على العديد من صور وآيات القرآن، بل ويحسن التفرقة بينهم.
رزقي من آيات القرآن
وكان أبو بيشوي يعمل في مصنع ملابس بحي شبرا بالقاهرة منذ نحو عشرين عاما، لكن بعد أن ازدادت احتياجات أبنائه الثلاثة، وضاقت الظروف المادية، اضطر إلى العمل في حياكة آيات العمود، “الشغل ده رزقي، سندني مخلنيش احتاج لحد أو استلف”، فالمصنع راتبه لا يكفي.
بوابة فيتو