تحوّل الجنرال عبد العزيز آدم الحلو من رئيس مكلف لقيادة الشعبية – شمال إلى رئيس منتخب، وهو خبر يستشعره كل شخص بطعم مختلف في فمه، فقد يتطابق الشعور مع الاسم، وقد يكون مراً. واسدل الستار أخيراً على أعمال المؤتمر العام الاستثنائي للحركة الشعبية شمال والذي انعقد بمنطقة كاودا بجبال النوبة بولاية جنوب كردفان، حيث جرى انتخاب عبد العزيز الحلو رئيساً للحركة خلفاً لمالك عقار، وعمار أمون دلدوم أميناً عاماً خلفاً لياسر عرمان.
وخرج المؤتمر بعدة توصيات أبرزها التمسك برؤية “السودان الجديد” واعتماد الكفاح المسلح والوسائل السلمية الأخرى كوسائل لتحقيقه، في ذات الوقت أجاز المؤتمر دستور الحركة الشعبية وأقر اعتماد حق تقرير مصير جبال النوبة كتوصية له.
إبعاد عقار وعرمان
بالرغم من أن عبد العزيز الحلو في وقت سابق، قال إن عقار وعرمان سيسمح لهما بحضور المؤتمر العام ويمكن ترشيحهما بأمر القواعد، إلا أن كلا الرجلين غاب عن مشهد المؤتمر الاستثنائي، بل ولم يتطرق لذكرهما مما يعني أن مفاصلة حقيقية قد وقعت بين الطرفين.
أسباب إبعاد الثنائي من المؤتمر العام لم تكن مبذولة للكثيرين، بيد أن اللواء تلفون كوكو أبو جلحة يرى أن انقلاباً في موازين اللعبة داخل الشعبية شمال جعل الأمور تنقلب رأساً على عقب. مبيناً في حديثه مع (الصيحة) أن عقار وعرمان أدمنا في وقت سابق لعبة الإقصاء ثم جاء الدور عليهما ليتم إبعادهما من المؤتمر الاستثنائي في إطار صراع الإقصاء والتهميش.
في المقابل رفض الفريق إسماعيل خميس جلاب التعليق على إبعاد عرمان وعقار من المؤتمر العام، فيما قال إنه لا يعلم أسباب غياب عرمان وعقار عن المؤتمر الاستثنائي رغم الحديث عن مشاركتهما.
مقاطعة نمر
كان القيادي العائد لصفوف الحركة الشعبية مؤخراً بأوامر من الحلو بعد فصله وعشرين آخرين على يد عقار، رمضان حسن نمر قد قاطع المؤتمر العام. وأبدى رمضان رأياً واضحاً في انعقاد المؤتمر، ويرى أنه قد صاحبه نوع من العجلة، مطالباً بمزيد من الانتظار.
وقال نمر في حديث مقتضب لـ (الصيحة) نرى أن مثل هذه المؤتمرات تحتاج لإعداد جيد، وبالتالي لعبت مسألة الإعداد الجيد دوراً بارزاً في غياب نمر عن المشهد العام.
الحلو رئيساً
منذ الوهلة الأولى توقع مراقبون أن يستمر الحلو في مقعد الرئيس بعد عزله عقار وعرمان بمعونة مجلس التحرير في الأشهر الماضية. فكل المعطيات كانت تشير لاستمرار الحلو في موقعه في ظل انعدام المنافسين.
في الصدد، قال تلفون كوكو حول انتخاب الحلو رئيساً للشعبية شمال إن المؤتمر تم تفصيله وتخطيطه من أجل انتخاب الحلو ومن معه في المواقع القيادية مع عدم تقديم منافسين أكفاء لذات المناصب.
من جانبه وضع خميس جلاب ثلاثة أسباب قال إنها ساهمت في انتخاب الحلو رئيسًا للحركة الشعبية من شرعنة شق وإضعاف الحركة عطفاً على هيمنة الحلو على التنظيم والانفراد به، بالإضافة لخلق فتنة داخلية وعداء بين الرفاق.
بينما يرى العميد محمد مركزو كوكو في انتخاب الحلو أمراً ذا جدوى، ويقول لـ (الصيحة) إن الحلو هو أفضل من عقار وعرمان اللذين يعملان لمصلحة اليسار السوداني، بينما يعمل الحلو من أجل النوبة، وفي حالة الخروج عن خط النوبة، يمكن كبح جماحه من قبل أبناء النوبة، متوقعاً أن يتحرك الحلو حول طاولة المفاوضات بقلب سليم والدخول في العملية السلمية بغية الوصول لحل عاجل لقصية النوبة .
السودان الجديد
جدد المؤتمر العام للشعبية شمال تمسكهم برؤية “السودان الجديد” والعمل على تحقيقه عبر الوسائل السلمية والكفاح المسلح.
يقول خميس جلاب في تعليقه على ذلك إن السودان الجديد هو حق ومطلب الشعب السوداني، ولا يمكن التخلي عنه بأي حال من الأحوال.
وعلى صعيد متصل يرفض قطاع عريض من النخب السياسية خاصة الإسلاميين طرح السودان، وتعمل هذه النخب على إجهاضه.
في الصدد يقول محمد مركزو كوكو إن مشروع السودان الجديد واحد من أطروحات اليسار، ولكنه لن يتحقق في ظل عدم تماهي النوبة مع الفكر اليساري.
تقرير المصير
أثار اعتماد تقرير المصير لجبال النوبة عبر مؤتمر الحركة الشعبية، أثار جدلاً منقطع النظير. ثمة من ينظر إليه بأنه سقف تفاوضي يرفعه الحلو للضغط على الحكومة في الفترة القادمة والخروج بمغانم كبرى عبر عملية التفاوض، وثمة من يخشى أن تتحول دعوة تقرير المصير إلى واقع، من ثم تفصل جبال النوبة عن السودان.
عند هذه النقطة قال القيادي بمجلس التحرير القومي للنوبة محمد الجاك لـ(الصيحة) في وقت سابق إن تقرير المصير خطوة قابلة للتفاوض وهي لا تعني الانفصال بصورة قاطعة.
بيد أن لجلاب رأياً مغايراً بقوله إن تقرير المصير مطلب لشعبي جبال النوبة والنيل الأزرق، وليس سقفاً تفاوضياً يرفعه الحلو داخلياً، بينما يقول العميد محمد مركزو كوكو إن الدعوة عبارة عن فقاعة أطلقها الحلو لتعلية سقف التفاوض مع الحكومة، وهي دعوة يناهضها كثير من أبناء النوبة.
ويلفت مركزو في حديثه إلى أهمية التنمية في منطقة الجبال لسد الذرائع التي تستخدم التهميش شعاراً لتحقيق تقرير المصير.
مستقبل عرمان وعقار
بعد انتهاء المؤتمر العام للحركة الشعبية بدأ بعضهم يتساءل عن مستقبل القيادة السابقة للحركة الشعبية بعد استبعادها من المؤتمر العام، ونقصد هنا مالك عقار وياسر عرمان اللذين أصبحا خارج المشهد تماماً بعد تغيبهما عن المؤتمر العام، فيما يتوقع آخرون أن حركة وليدة تحت قيادتهما طور التخلق في المرحلة المقبلة، بينما قال تلفون كوكو إن عقار وعرمان أدمنا الإقصاء فجاء دورهما وأبعدا من الحركة الشعبية، فيما قال مركزو بقسوة إن الرجلين سيذهبان إلى مزبلة التاريخ.
الصيحة.