تشعر بالألم حينما يتقدم إليك صاحب حاجة ولم تستطع أن تلبي رغبته فيما طلبه منك، ولكن ظاهرة التسوُّل التي انتشرت بصورة مقلقة فلم تستطع أن تفرق من الذي صادقاً فعلاً ويحتاج إلى المساعدة وبين الكاذب الذي تدير له ظهرك، فالسودان ونتيجة للتركيبة السكانية الفريدة والعطوفة أحياناً لا تفرق بين الصادق والمحتال، فيمنحون أي متسول حسب ما يملك الشخص من مال، إلا أن ظاهرة التسول الكثيفة والتي جل من يمارسها هم ليس من أبناء السودان، احدثت نوعاً من الحرج للمواطنين خاصة الذين يتسولون على الإشارات الضوئية، ويستدرون عطف البعثات الدبلوماسية والسفراء، مما سببت هذه الظاهرة حرجاً بليغاً لنا، باعتبار أن السودانيين أكثر الشعوب تسولاً، رغم أن المتسولين وافدون من دول الجوار، فالتسول أصبح له عصابات، حدثني مسؤول كبير أن بعض عصابات التسول تدفع بالنساء والبسطاء إلى منازل المسؤولين، بحجة أن مصيبة قد حلت بهم أو لديهم مريض ويحتاجون إلى المساعدة، إما لإجراء عملية عاجلة بالداخل أو تسفيره إلى إحدى الدول العربية، قال لي الرجل إنه جاء في يوم من الأيام متأخراً جداً، ووجد امرأة كبيرة في انتظاره وهي في أمس الحاجة إلى المال، قال لها ولكن لماذا تنتظرين كل هذا الوقت؟ لماذا لا تنتظرين الصباح؟
فتلعثمت في الحديث، قال لي لقد ضغطت عليها لمعرفة قصتها، وأخيراً ذكرت له أن بعض الأشخاص اتوا بها بعربة أمجاد، وطلبوا منها الانتظار ريثما أصل، والمبلغ الذي تحصل عليه يتقاسمونه فيما بينهم، هذه واحدة من الحيل التي انتشرت من قبل المتسولين بالبلاد، غير الذين ينتظرون في الإشارات الضوئية ويدفعون بأطفالهم الصغار لاستجداء أصحاب المركبات، فلا يهمهم أن دهست السيارة طفلهم، المهم كيف الحصول على المال، فالتسول أصبحت له مدارس وطرق يتعلم فيها كبار المتسولين، ومِن مَن يدفعون بالصغار حتى المقابر لم تنجو منهم، فعشرات من الأطفال والناس في لحظات الدفن، يأتون إليك طالبين المساعدة، فالمقابر في الماضي لا يدخلها الصغار ولا النساء، أما الآن فالمقابر أصبحت سكناً للبعض منهم، إن تلك الظاهرة ما لم تتصدى لها وزارة الرعاية الاجتماعية بالقوة، فإن الظاهرة ستستمر في التنامي، خاصة وإن السودان أصبح قبلة كل سكان غرب أفريقيا، وكل الهاربين من الحروب والفقر بدولهم، الفقر ليس عيباً ويمكن أن يتسول المرء إذا لم يستطع العمل مثل النساء وكبار السن،
ولكن الأطفال والأشداء من الشباب والرجال فهؤلاء يجب أن تتخذ الدولة القانون ضدهم إذا ما وجدوا متسولين، أما الأمر الآخر وهو الكذب والغش والخداع، اذكر أن شخصاً جاء إلىَّ صباحاً وجلس معي ما يقارب الساعة، يقص علىَّ حالته ومرض زوجته ووالدته التي توفيت، وكيف عجز عن توفير قيمة تذكرة عودة إلى مكان عمله، تعاطفت معه وطننت أنه فعلاً محتاج فكتبت له نداءً لأهل الخير، وكان قد ترك تلفونه معي، وفي اليوم التالي سألته أن كانت قد وصلته نقود من أهل الخير، فأجاب أنه تلقى نقوداً وهي تكفي لقيمة التذكرة، وسألته أين هو الآن؟ فرد علىَّ أنه في سواكن، ولكن ربنا فضحه فقد شاهدته وهو يدخل إحدى الكافتيريات بالخرطوم، لم الاحقه أو ادخل معه الكافتيريا، فتركته عسى ولعل الله يهديه، فهذا نموذج لأولئك الكذابين والدجالين الذين يستغلون الجهات المسؤولة أو الأفراد لتنفيذ أغراضهم وأمراضهم التسولية.
صلاح حبيب – لنا راي
صحيفة المجهر السياسي