صلاح أبو النجا يُعقِّب

أقول رداً على الأخ صلاح أبو النجا الذي يسرني أن أورد تعقيبه أدناه إن تحميلي الشيخ الترابي المسؤولية عن توجهّات الإنقاذ في سنواتها الأولى، وليس مؤسسات الحركة الإسلامية، ينم عن تقدير لعبقرية الرجل الذي لولاه لما حققت الحركة تلك الطفرات الهائلة في مسيرتها منذ توليه قيادتها، فالتاريخ عربة يقودها العظماء من الرجال.

لم أتعرّض لبذل شباب الإنقاذ ومجاهداتهم في سنيها الأولى، والتي قهرت تمرد قرنق واضطرت أمريكا إلى إبدال هدف إسقاطها إلى العمل على احتوائها، وإنما ركزت على خطأ عدم التأسي بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تدرج في التعامل مع قريش بادئاً بما يتّسق مع ضعف البدايات، وكافَّاً يديه عن القتال إلى أن اشتد عود الدعوة بعد الهجرة وإقامة الدولة، ثم مرحلة الحديبية في السنة السادسة للهجرة بكل ما لازمها من تنازلات بالرغم من قيام الدولة في المدينة المنورة.

الأخ / الطيب

السلام عليكم ورحمة الله

أود الإشارة إلى بعض ما جاء في زفراتك الحرّى يوم الأحد الماضي غداة رفع الحظر على السودان.

أولاً: لا بأس، ولا أحد يعترض على ممارسة النقد الذاتي لمواقفنا السابقة ومراجعتها، ولكن ينبغي ألا تغفل المراجعة تاريخ الحدث والبيئة والظروف التي جرى فيها لا أن تُحاكِم بواقع اليوم أفعالاً وردود أفعال جرت في الماضي.

ثانياً: كعادتك حمّلت الدكتور الترابي رحمة الله عليه، أخطاء تلك الفترة، دون ذكر للإيجابيات، كأن الترابي كان يقود جماعة تتوجه بإشارة الشيخ، وأهملت دور كوادر الجماعة المؤهلة والنشطة ومجالس الجماعة ومؤسساتها الشورية، وإذا كان هنالك بعض الممارسات الخاطئة كما ذكرت فإن جميع القيادات في ذلك الوقت مسؤولة عنها رغم عظيم مسؤوليته كقائد للجماعة.

ثالثاً: مقارنة ما قامت به الإنقاذ في سنواتها الأولى بعهد الرسول صلى الله عليه وسلم وما تعرض له من أذى في مكة، مقارنة غير صحيحة بتاتاً، لقد صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أذى المشركين في مكة، ولكن بعد أن هاجر إلى المدينة وأنشأ دولة المدينة عظمت المسؤولية وتغيّر معها سلوك القائد لأنه أصبح مسؤولاً عن دولة وعن سلامتها وحمايتها من الأعداء المتربصين فقام بالغزوات وبعث السرايا لغزو أي قبيلة تتأهب لغزو المدينة في عقر دارها قبل أن تهاجم المدينة، كما اتخذ مع فئات اليهود الثلاث إجراءات حاسمة بعد نقضهم لما واثقوا به، الفئة تلو الأخرى حتى أجلاهم عن المدينة وتابعهم في خيبر حتى أمن المدينة بل أرسل إلى كعب بن الأشرف اليهودي من يغتاله في عقر داره، وذلك تأميناً للدولة وحينما قامت الإنقاذ باستلام السلطة تولت أمر الدولة بكل مسؤوليتها وحمايتها مما تطلب إجراءات قوية وحاسمةـ ولذا فإن عهد الإنقاذ ينبغي أن يُقارن بدولة المدينة لا بعهد الرسول في مكة ولا أظنك تنسى الجهد العظيم الذي قامت به الإنقاذ حين تولت السلطة عندما كانت قوات قرنق على مشارف الشمال حاملة معها مشروعها العلماني العنصري لإبادة العنصر العربي الإسلامي وإقامة دولة علمانية على أنقاض السودان القديم، ومن أول يوم تحملت الإنقاذ المسؤولية، وقدمت الدعم العسكري والمعنوي للقوات المسلحة كما فتحت معسكرات التدريب للالتحام مع الجيش وتدافع الشباب المؤمن إلى ساحات القتال رافعاً راية الجهاد في سبيل الله حتى اندحرت قوات الحركة الشعبية، مما أجبر قرنق ومن ورائه الولايات المتحدة والعالم الغربي على أن يوقع في نيفاشا على موافقته على حكم الشرع في الشمال مع الحكم العلماني في الجنوب، ولعل ما ذكره السيد معتز في ندوة S 24 من أن الأمريكان بعد معركة الميل أربعين قد يئسوا من اقتلاع النظام ولجأوا إلى محاولة تغيير سلوكه هو الحقيقة.

رابعاً: كان موقف الإنقاذ في حرب الخليج واضحاً، إذ أنها طلبت أن يكون الحل عربياً لا بيد الولايات المتحدة، كما أود أن أذكر للتاريخ أنه عندما سقطت الكرمك في عهد الصادق قام السيد محمد عثمان الميرغني ومعه وفد رسمي إلى العراق وطلبوا من الرئيس صدام أسلحة للقوات المسلحة فوافق عليها صدام، وكانت معركة الخليج الأولى بين إيران والعراق على أشدها وطلب صدام من قيادته العسكرية أن يزود السودان بالأسلحة المطلوبة حتى ولو تم سحبها من الجبهة، وكان، وتم استرداد الكرمك، وفي عهد الإنقاذ وحينما سقطت الكرمك للمرة الثانية أيضاً زود صدام السودان بالأسلحة المطلوبة وتمت استعادة الكرمك للمرة الثانية.

أرى الالتزام بالموضوعية وسرد حقائق التاريخ بكل حيدة ونزاهة فهذه الحقائق ملك للأجيال القادمة ولعلماء التاريخ وهي مسؤولية أمام الله لمن يتصدون للكتابة.

تابعت من خلال التلفزيون ندوة S24 مساء يوم السبت 7/10 ولقد أعجبت أيما إعجاب بخطاب السيد وزير الخارجية وما قدمه من سرد مسلسل وأمين للمراحل التي مر بها الحوار مع الولايات المتحدة، والدور الذي قامت به الدبلوماسية السودانية ودور الشباب المؤهل الواعي الذي شارك في الحوار الطويل الممتد كما لم يغفل السيد غندور دور كل الجهات التي شاركت في المسلسل الطويل، وقد كان موضوعياً وشفافاً ودقيقاً في تناول الأحداث.. لقد كان غندور نجم الندوة بحق، يقولون إن وراء كل عظيم امرأة فما بالك إذا كن أربع نساء؟!

الطيب مصطفى
صحيفة الجريدة

Exit mobile version