تاريخ عشر ساعات

والآن ما ينطلق فيه مشروع هدم الإنقاذ المسلمة هو رسم صورة تجعلها (خمارة).. وبعد رفع العقوبات يجعلونها لينة تبيع الدين والدنيا.
> وهذه هي صورة لساعات عشر فقط. في تاريخ الإنقاذ (ساعات معركة الميل أربعين).
> وكل سطر فيها هو حقيقي تماماً.. وكل الأسماء والأحداث كلهم يرسم الإنقاذ.. ورجالها.

> والسطور هذه هي جزء من رواية نكتبها عام (1420هـ) عن المعركة هذه
> والرواية القصيرة .. لعلنا نعيد نشرها في صفحات داخلية.
أمام معسكر الميل أربعين
أفراد الدورية حول المعسكر سقطوا على وجوههم في غبشة الفجر يستعدون لمعركة مفاجئة يائسة في السهل المكشوف حيث فاجأتهم زخات الرشاش.
لكن المجاهدين الخمسة تبينوا بعد لحظة أن من يربض خلف الرشاش لم يكن يريد قتلهم بل كان واضحاً أن الرشاش الدقيق التصويب يسوقهم عائدين إلى المعسكر.
من مكانه في المعسكر كان علي عبد الفتاح يتابع مع الآخرين السلسلة المتتابعة من الرشاشات الجديدة التي تحيط بالمعسكر.
كانت ارتال الدبابات قد احاطت بالمعسكر ثم توقفت صامتة تنتظر شيئاً دون عجلة ترقب ما تفعله الرشاشات.
وظل المعسكر صامتاً وهو يتلقى سيول النيران.. الأسرى من العدو قالوا بعد ذلك إنهم أصابتهم الحيرة والقلق عندما استمر صمت المعسكر المقاتل.
… حتى بعد أن أخذت الراجمات ترسل سحائب الحمم وبعد أن التف المعسكر تحت حرائق مساكن القش ظل المعسكر رابضاً في صمت.
كان المعسكر ينفذ خطة أميره علي عبد الفتاح التي وضعت مساء أمس.
لا أحد يطلق طلقة واحدة حتى تصبح الدبابات قريبة جداً.. قريبة لدرجة لا تسمح لها بالهروب أو المناورة وحتى تصبح المعركة التحاماً لا يسمح بالحياة إلا لواحد فقط من الجانبين.
في السابعة صمتت الراجمات وتقدمت الدبابات.. كانت شيئاً مثل الانهيار الجبلي وهي تقتحم كل شيء أمامها، وكان المعسكر لا يزيد قطره على مئتي متر.
من خندقه كان علي عبد الفتاح ينظر شرقاً.
طالب كلية التربية علي الذي يؤم المجاهدين في الصلاة وثم فجأة كأنه كان مدفوناً في الأرض. ومدفعه في يده وهو يطلق صرخة ثاقبة.. حتى وهو في مكانه كان علي عبد الفتاح يرى عروق رقبته المتوترة.
علي قال في غيط
: أنا ما قلت تنتظروا لحد ما تلمسوا الدبابات بايديكم؟ كان ممكن نضرب من بعيد!
لم يكن واضحاً أيهم اطلق النار لكن الانفجار كان يلف الدبابة والفتى القصير القامة يطير وهو مغطى باللهب والدوي والارتطام المحطم.
كان المعركة قد بدأت
ثلاث دبابات من الجهة اليمنى كانت تتخطى الخنادق وتتوقف داخل المعسكر المشتعل وهي تطلق الحمم.. ناصر كان مصاباً وملقى على وجهه. مرتضى كان يصرخ بشيء ليسن وهو يسحب مصطفى حميدة
داخل الملجأ لما سقط هو أيضاً.. من الخندق الجنوبي كانت رشاشات عديدة تحصد مشاة العدو الذين ظلوا يحاولون اقتحام المعسكر.. وكانت الرشاشات تحصدهم كل مرة.
خلف الخندق كان أمير الزبير المحاسب بشركة الإطارات راكعاً في هدوء ومدفعه في يده لكنه كان يتابع مشهداً غريباً امامه.
معاوية الطيب رضوان وثالث آخر كانوا يجرون في جنون الى جانب دبابة.
علي عبد الفتاح الذي كان يراقب المشهد قال لنفسه: كأنهم عايزنها تقيف توصلهم.
دوي مزلزل جعل علي عبد الفتاح يلتفت غرباً.. كانت هناك دبابة تنفجر وكان الشاب عطية مهندس الالكترونات يطير في الهواء وهو يشتعل ناراً.. عطية كان قد سكب جالوناً من الوقود داخل الدبابة ثم اشعل النار.
جهاز راديو صغير كان ملقى وسط المعسكر.. لا بد أنه سقط من جيب احدهم وان السقطة جعلته يعمل.. كان يقدم نشيداً طفولياً وكان مرتفع الصوت.
خلف الخنادق الجنوبية كانت تصلصل معركة بالرشاشات.. لا بد أن بعض المجاهدين تسللوا الى هناك يقطعوا الطريق على الذين يحاولون الدخول.. ثم الذين يحاولون الخروج أيضاً.
كان واضحاً أن مسار المعركة قد أخذ يتبدل وكانت الدبابات التي اقتحمت المعسكر منذ نصف ساعة تحاول الآن الخروج.
حين التفت علي ببصره الى الجهة الشمالية كان طاقم الدبابة هناك يقفزون من على ظهرها مثل ثعابين الماء ثم يجرون في جنون.. لكن رشاشاً من الجهة الأخرى كان يحصدهم.
حول المعسكر كانت مجموعة ممن يرتدون قبعات من السعف يحاولون دفع المقاتلين على التقدم نحو المعسكر. كان هؤلاء قد أصبحوا يلتصقون بالأرض بشدة.
لم يطلق علي عبد الفتاح طلقة منذ بداية المعركة كان يرقب مسار المعركة.. ابو بكر حمزة كان يجري تحت النيران والقذائف يدير المعركة من كل الجهات.
قال علي لنفسه وهو ينظر إلى المعلم الذي جاء من دنقلا: يا لك من دنقلاوي نجيض.
كانت تلك هي اللحظة التي أصيب فيها علي عبد الفتاح .. اهتز للحظة.. كل شيء غاص فجأة في ظلمة مفاجئة.. ثم عاد يطفو بطيئاً الى الشمس.
الراديو الملقى قريباً منه كان في تلك اللحظة يقدم أغنية رقيقة تتحدث عن السحب البيضاء والحب واللوعة.. أدهشه انه يرى نفسه كأنه ينظر اليها من الخارج وانه لا يجد ألماً.. صوت المعركة الذي انقطع عن سمعه فجأة عاد يهدر الآن.. الأشجار حوله أخذت تدور في دائرة خضراء لينة كأنها تسيل.. صوت المعركة عاد يبتعد يغرق في النوم.. النوم الأخضر الناعم الهادئ.
صوت الراديو كان يأتي من النافذة

Exit mobile version