تفاصيل جديدة حول رفع العقوبات …

صدرت وزارة الخارجية الأمريكية أمس الأول، بياناً عبر المتحدث الرسمي “هيثر ناورت” أعلنت فيه إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ العام 1997، بصورة كلية، وقال البيان: إنه عقب إجراءات إيجابية مستدامة من جانب حكومة السودان، قررت الولايات المتحدة إلغاء العقوبات الاقتصادية المتعلقة بالسودان وحكومته، بموجب الأمرين التنفيذيين (13067) و(13412)، مبيناً أنه بعد التشاور مع وزير الخزانة، واعترافاً بالإجراءات الإيجابية التي اتخذتها حكومة السودان للحفاظ على وقف الأعمال العدائية في مناطق النزاع في السودان، وتحسين المساعدات الإنسانية، والوصول إلى جميع مناطق السودان، والحفاظ على التعاون مع الولايات المتحدة في معالجة الصراعات الإقليمية، ومهددات الإرهاب، سيسري قرار إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، اعتباراً من الثاني عشر من أكتوبر 2017، وجاء هذا الإجراء بعد جهد دبلوماسي مركز لمدة ستة عشر شهراً، لإحراز تقدم مع السودان في هذه المجالات الرئيسية، لتنفيذ هذا القرار، عملاً بالأمر التنفيذي رقم (13761)، المعدل بالقرار التنفيذي (13804)، وورد في تفاصيل البيان أنه بعد التشاور مع وزير الخزانة ومدير المخابرات الوطنية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (المعونة الأمريكية)، سيقوم وزير الخارجية الأمريكي بنشر إشعار في السجل الفيدرالي، حيث قام بتقديم تقرير إلى الرئيس بشأن الإجراءات الإيجابية التي اتخذتها حكومة السودان أثناء فترة الإبلاغ المقررة خلال الأشهر التسعة الماضية.
وأورد البيان أن التقرير التفصيلي للإجراءات الإيجابية التي اتخذتها حكومة السودان في المجالات المذكورة تبين أن الإجراءات التي اتخذتها حكومة السودان خلال الأشهر التسعة الماضية، أكدت أنها جادة في التعاون مع الولايات المتحدة، ومن خلال اتخاذها خطوات مهمة لوقف الصراع، وتحسين وصول المساعدات الإنسانية داخل السودان وتعزيز الاستقرار الإقليمي، غير أنه يلزم السودان بإحراز المزيد من التقدم لتحقيق السلام بصورة كاملة ومستدامة في السودان، والتعاون مع الولايات المتحدة بشأن أولويات الإدارة الأمريكية، بما في ذلك زيادة توسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية، وتحسين ممارسات حقوق الإنسان والحريات، وضمان أن حكومة السودان ملتزمة بالتنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن كوريا الشمالية.
وأضاف البيان الصحفي الأمريكي (ستواصل الولايات المتحدة جهودها لتحسين العلاقات الثنائية مع السودان، وأي تطبيع آخر للعلاقات، سيتطلب استمرار تقدم حكومة السودان، وعلاوة على ذلك فإن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام أدوات إضافية للضغط إذا ما تراجعت حكومة السودان عن التقدم المحرز حتى الآن، في المجالات الخمسة المشار إليها أعلاه، أو تتخذ إجراءات سلبية بشأن مجالات اهتمام أخرى).. انتهى البيان.
خطوة رفع العقوبات الاقتصادية التي اتخذها الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” بحسب البيان، جاءت كنتاج طبيعي للحوار الذي جرى بين حكومة السودان والولايات المتحدة الأمريكية، وركز على خمسة شروط شملت تحقيق السلام في السودان والمساعدة على تحقيق الاستقرار في دولة جنوب السودان ومكافحة الإرهاب ومناهضة جيش الرب، بجانب ضمان وصول المساعدات الإنسانية لمناطق النزاعات في جنوب كردفان، ومنطقة النيل الأزرق، لكن بعد الثاني عشر من يوليو الماضي تم تمديد العقوبات إلى الثاني عشر من أكتوبر وإضافة ملف حقوق الإنسان للشروط، هناك ثمة إشارات وردت في البيان الأمريكي قادت إلى رفع العقوبات بصورة نهائية عن السودان حيث تحدث البيان التفصيلي عن إيجابية مبادرات وقف إطلاق النار من جهة الحكومة، وإطلاق سراح المعتقلين المعارضين، وما أسماه البيان إنهاء الهجمات في دارفور والإجراءات الإيجابية لحكومة السودان في الامتناع عن تقويض السلام في دولة جنوب السودان، فيما يرى المراقبون أن الحكومة تعاونت إلى حد كبير مع الحكومة الأمريكية في استقرار دولة جنوب السودان من خلال فتح البلاد أمام اللاجئين الجنوبيين ومعاملتهم معاملة المواطنين، وإتباع نهج الحياد تجاه المتحاربين من الحكومة والمعارضة والعمل على تنفيذ مبادرة الإيقاد بشأن الجنوب.
وفي هذا السياق زار مؤخراً وزير الخارجية بروفيسور “غندور” جنوب أفريقيا برفقة وزير خارجية أثيوبيا في إطار مبادرة إيقاد للحديث مع دكتور “رياك مشار” حول الحوار الجنوبي، وعملية سلام جنوب السودان، ما يدل على التزام السودان بهذا البند، كما وضح أن موضوع مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر كانا من الملفات والتي تعاون فيها السودان تعاوناً كبيراً باعتراف الطرفين، كذلك بيان الخارجية السودانية الذي صدر بعد رفع العقوبات أوضح ذلك، حينما ذكر أن السودان يؤكد مضيه قدماً مع الولايات المتحدة في كافة القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، خاصة في جانبها المتصل بحفظ السلام والأمن الدوليين ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله والهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر.
وفي السياق شهدت البلاد زيارات عديدة لشخصيات أمريكية خلال فترة التسعة أشهر الماضية، كان طابعها أمنياً، ولهذا السبب كانت المخابرات الأمريكية (CIA) ووزارة الخارجية الأمريكية من المؤسسات الداعمة لموضوع رفع العقوبات في شهر يوليو الماضي، لكن تم تمديدها لشهر أكتوبر بسبب ملف حقوق الإنسان، أو كما قالت أمريكا، وربما أراد الرئيس “ترمب” حينها إقناع بعض المؤسسات الرافضة لخطوة الرفع النهائي، أولها بعض عضوية الكونغرس، على صعيد الدبلوماسية السودانية بذل بروفيسور “غندور” جهوداً مقدرة قبل وبعد فترة تمديد العقوبات، قابل خلالها مسؤول الشؤون الأمنية في البيت الأبيض ومسؤولين في الخزانة، وصرح بعدها أنهم ناقشوا فترة ما بعد العقوبات.
قد يقول بعض المتابعين لمسار الحوار السوداني – الأمريكي إن “غندور” نجح فيما فشل فيه السابقون له في الوزارة، لكن ما عضد من مجهوداته أن التعاون مع أمريكا أصبح سياسة دولة وتوفرت لذلك إرادة سياسية. من ناحية أخرى يبدو أن مشاركة السودان في تحالف إعادة الشرعية إلى اليمن، قاد دول الخليج في مقدمتها السعودية، للعب دور محوري في موضوع رفع العقوبات عن السودان بصورة نهائية، فحتى بعد تمديد العقوبات إلى الثاني عشر من أكتوبر، وتجميد الرئيس “البشير” للجنة التفاوض بين السودان وأمريكا، طلب “الملك سلمان” من “البشير” استمرار الحوار مع أمريكا، ووافق “البشير” وقتها على أن يتم عبر المؤسسات، وليست لجنة التفاوض المجمدة.
ثم ماذا بعد رفع العقوبات؟
تركز الحكومة على أن عملية العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان هي السبب الرئيسي للتدهور الاقتصادي طيلة السنوات السابقة، وأعطت كافة الشعب إحساساً بأن رفع العقوبات سيقود إلى هبوط الأسعار وتحسن مستوى المعيشة وانخفاض قيمة الدولار مقابل الجنيه السوداني بصورة سريعة، وهذا كان إحساس المواطنين عندما سمعوا نبأ رفع العقوبات، وهذا الفهم العام يضع الحكومة أمام تحدٍ جديد، صحيح أن رفع العقوبات يضع حلاً نهائياً لموضوع التحويلات البنكية التي تسببت في تفاقم الأزمة حينما حذرت أمريكا بعض الذين تعاملوا مع السودان وعاقبت بعضهم، كما أن رفع العقوبات يجعل العلاقة بين السودان والشركات التجارية والمستثمرين مفتوحة، سياسياً سينهي رفع العقوبات العزلة المفروضة خارجياً على السودان، لكن خطوة الرفع تحتاج إلى سياسات داخلية، تبدأ بالمضي قدماً في موضوع تحقيق السلام الشامل من خلال التفاوض والوصول إلى تسويات مرضية، والسعي لضم بعض الأحزاب السياسية للحوار الوطني، وفي هذا الإطار فإن حزب المؤتمر الشعبي قد بادر باقتراح جعل الأولوية لإنهاء الحرب وتحقيق السلام، فإذا تكاملت الجهود ستقود إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية على المستوى الاقتصادي، وقد ظلت الحكومة تتحدث عن دعم القطاعات المنتجة الزراعية والصناعية والحيوانية، لكن لم تخطُ خطوة واحدة لتنزيل هذه الخطة إلى أرض الواقع، والآن أصبحت الفرصة متاحة بعد رفع العقوبات الاقتصادية. وكما أوصى العديد من المراقبين، فإنه لا بد من إجراءات وسياسات جريئة تواكب عملية رفع العقوبات.
#السفارة الأمريكية في الخرطوم تعقب..
وبالرغم من بشريات القرار الأمريكي، ظلت الخارجية السودانية صامتة حتى وقت متأخر من الليل، ثم أصدرت بعدها بياناً صحفياً رحبت فيه بالقرار.. ولم تدعُ لمؤتمر صحفي في اليوم التالي، عكس ما هو معتاد في مثل هذه الظروف، وما كان متوقعاً، ولعل بعض مسؤوليها تحدثوا عن عدم اكتمال الترتيبات لمؤتمر صحفي!
هذا الموقف الحذر من قبل الخارجية، ربما كان ناتجاً ورد فعل للعبارة التي اختتمت بها واشنطن بيانها، والتي قالت فيها (إن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام أدوات إضافية للضغط إذا ما تراجعت حكومة السودان عن التقدم المحرز حتى الآن، في المجالات الخمسة المشار إليها أعلاه، أو تتخذ إجراءات سلبية بشأن مجالات اهتمام أخرى).
فهذه العبارة تحمل تهديداً واضحاً للحكومة، ولم تكتفِ واشنطن بذلك، بل دعت السفارة الأمريكية في الخرطوم أمس، بشكل مفاجئ لمؤتمر صحفي بمقرها في سوبا، تحدث خلاله القائم بالأعمال الأمريكي “استيفن كوتسيس” بلهجة تشبه الفقرة الأخيرة من بيان حكومته،
حيث أشار إلى إمكانية لجوء واشنطن إلى إجراءات وآليات قابلة للتطبيق إذا تنصلت الحكومة عن التزاماتها في المسارات الخمسة.
وأكد السفير على ضرورة استمرار التواصل مع حكومة السودان لضمان عدم التراجع عن الإجراءات التي وصفها بالإيجابية للحكومة فيما يلي المسارات الخمسة، والأولويات الإضافية الأخرى خلال الأشهر القادمة.
ولم يفصح “كوتسيس” عن ما وصفه بالأولويات الإضافية، والتي يبدو أنه يشير بها إلى ملف حقوق الإنسان والحريات الذي ترفض الحكومة من جهة إضافته إلى مسارات الحوار مع واشنطن، ومن جهة أخرى تؤكد مواصلتها التقدم فيما يلي الملف بصفته أجندة وطنية خالصة.
وأضاف “كوتسيس” “نحن مصرون على مواصلة الحوار البناء، ونعتقد أن السودان سيستمر في الإيفاء بالتزاماته”، لكنه عاد ولوّح بعبارة (الآليات) التي كررها مراراً وتكراراً أثناء المؤتمر دون تعريفها بشكل واضح، قائلاً: (لكن لدينا أدوات قابلة للتطبيق، إذا تقاعست الحكومة السودانية).
الدبلوماسي الأمريكي أكد أن قرار حكومته يؤكد أنها ترغب في الاستمرار في العمل الإيجابي والمشترك مع حكومة السودان، مشيراً إلى أن إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب لم يكن ضمن حوار واشنطن مع الخرطوم، بشأن رفع العقوبات، ولعل إشارات الرجل التي يمكن أن توضع في خانة التهديد والحدة لم تنتهِ عند هذا الحد، حيث قال: إن “حكومة السودان تعرف بالضبط المطلوب منها لإزالة اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب”!
وأكمل “كوتسيس” بنفس اللهجة: (لنكن واضحين الأشياء المطلوبة لحذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب معروفة، ويجب أن نعمل بها، وتعلم حكومة السودان جيداً ما هي الشروط، وما هي المطلوبات التي يجب أن تقوم بها لكي تكون خارج هذه القائمة)، مشيراً إلى عزم حكومة بلاده على مواصلة التباحث حول الموضوع.
وأضاف: (العقوبات التي رفعت تتعلق بقرارات اقتصادية)، مشيراً إلى بقاء بقية العقوبات المفروضة عليه بموجب وجوده ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، فضلاً عن العقوبات الصادرة من الكونغرس الأمريكي.
وقال القائم بالأعمال إن بلاده ألغت عقوبات محددة اعترافاً بالإجراءات الإيجابية التي اتخذتها حكومة السودان، والتقدم الذي أحرزته في المسارات الخمسة، مطالباً الحكومة بالمزيد من التقدم فيما يلي تحقيق السلام وتحسين وصول المساعدات الإنسانية، فضلاً عن ما أسماه أولويات الإدارة الأمريكية الأخرى التي تتضمن تحسين وضع حقوق الإنسان، وإتاحة الحريات الدينية، وضمان التزام السودان الكامل بقرارات مجلس الأمن فيما يتعلق بكوريا الشمالية، باعتبارها أحد أولويات واشنطن الأمنية العالمية.

#إعفاء الديون
ولعل قضية إعفاء الديون كانت ولا زالت من القضايا التي تقض مضجع الحكومة، والتي تحدث عنها القائم بالأعمال الأمريكي بوضوح قائلاً: (أعلم أن السودان يرغب بشدة في إعفاء ديونه ولكن ما يحول دون استفادة السودان من مبادرات إعفاء الديون، هو بقاء اسمه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، بالإضافة إلى قضايا داخلية وحاجته إلى إجراء إصلاحات اقتصادية).
وأوضح “كوتسيس” أن المجال أصبح مفتوحاً بعد رفع العقوبات الاقتصادية للشركات والمستثمرين الأمريكان للاستثمار في السودان، مشيراً إلى عدم وجود ما يمنع ذلك من الجانب الأمريكي.
#فك الأرصدة السودانية:
وقال القائم بالأعمال خلال مخاطبته المؤتمر الصحفي، إن التعقيدات فيما يخص قضية فك أرصدة السودان المجمدة، يرجع إلى اعتبارها خاضعة للقانون الأمريكي، كتعويضات ضحايا العمليات الإرهابية في تفجيرات ضحايا الإرهاب.
وأضاف (لكن في النهاية لا بد من التطرق لها، ولا يمكنني القول كيف، لكن لا بد من التطرق لها)!

المجهر.

Exit mobile version