يبدو أن مشكلات (الخرطوم ــ القاهرة) أعقد من أن تحل في أي مستوى دون المستوى الرئاسي، وهذا ما تؤكده الدعوة التي وجهها الرئيس عبد الفتاح السياسي، للرئيس عمر البشير، لزيارة المحروسة، الشهر الجاري، لحضور مؤتمر الشباب في مصر. وبحكمة الشيوخ، يلتقي على هامش المؤتمر (البشير ــ السيسي) في قمة تهدف لنسف السدود الكثيرة التي نهضت أخيراً في نيل علاقاتهما، بسبب عوامل كثيرة، جرت تحت الجسر.
مشكلات حاضرة
لا يزال الموقف المصري حانقاً من السودان، بشأن تأييد الأخيرة لقيام سد النهضة الاثيوبي، وإن كان السودان يلعب دور الوساطة بين دولتي المنبع والمصب، وموقفه في الظاهر محل رضا الطرفين. لكنه في الواقع كان خلافاً لما ترجوه مصر التي تستشعر بسكانها الـ(104) ملايين نسمة أن أمنها
المائي في خطر.
في المقابل؛ لا يزال السودان ناقماً من رفض المصريين الذهاب الى تحكيم دولي يضمن لهم إعادة مثلث حلايب من القبضة المصرية، هذا وإن كان الرأي الرسمي السوداني، داعٍ إلى التهدئة، وضبط النفس.
ألغام في الطريق
تعتبر قضيتا سد النهضة وحلايب، هما أُس اعتلال علائق القاهرة والخرطوم، وخلافاً لذلك فإن كل ما يثار هو محض أعراض جانبية، لمرض السد والنهضة.
ومن علامات التصعيد التي شهدها تيرمومتر العلاقات بين دولتي وادي النيل، أخيراً، ولنبتدر ذلك بالجانب السوداني، مساندة القاهرة للواء خليفة حفتر في ليبيا، ومن ثم ضبط الخرطوم لمتحركات وآليات مصرية استخدمتها حركات سودانية مسلحة مناوئة لحكومة الخرطوم، أثناء توغلها في إقليم دارفور.
ثم تأتي قضية اغتيال سودانيين برصاصات الجنود المصريين في العمق السوداني، وعلى مقربة من الحدود السودانية. زد على ذلك كله إلقاء السلطات المصرية القبض على معدنين سودانيين ومصادرة معداتهم.
وفي الصدد؛ نذكِّر باعتراضات الخرطوم على المعاملة التي يجدها رعاياها في القاهرة، ثم نختم بوقف السودان استيراد الخُضر والفواكه المصرية، الى جانب عدة سلع أخرى بدعاوٍ صحية، وهو ما يتم تفسيره في الاطار السياسي.
من جانبها؛ تزعم القاهرة بدعم السلطات السودانية لمجموعة الاخوان المسلمين المحظورة في مصر، ولمجموعات إسلامية في ليبيا. وكما الخرطوم، تشكو القاهرة من الاشتراطات التي وضعها السودان حيال الوجود المصري في التراب السوداني.
أما المشترك في أزمات الطرفين، فهو تباينهما في الأحلاف الدولية، وتفارق آرائهما بشأن عدد من القضايا كالأوضاع في سوريا. زد على ذلك تبرم كليهما من التعاطي الإعلامي، والمبثوث في مواقع التواصل الاجتماعي، ويحمل سيلاً من التهم والاساءات، وتجاوز الأعراف.
تهدئة
بعد منحنى تصعيد غير مسبوق، تحاول العاصمتان الجارتان (الخرطوم ــ القاهرة) خفض التوتر إلى مستوياته الدنيا.
فوزارة الخارجية السودانية ــ على سبيل المثل ــ قد سارعت لاصدار بيان يؤكد دعم المصريين للموقف السوداني في أروقة مجلس حقوق الإنسان أخيراً، وذلك لإزالة اللبس المتسبب فيه شائعات تقول باعتراض القاهرة على إبقاء السودان في البند العاشر (العون)، والمطالبة بنقله إلى البند الرابع حيث (الوصاية) وتعيين مقرر خاص.
القاهرة ذاتها سارعت لإعلان موقف تأييدها للخرطوم في جنييف علانية، وأرجعت ذلك للتنسيق الموفور بينهما في المجالات كافة.
وحين يأتي المجال لذكر نقاط التقاء (الخرطوم ــ القاهرة) نذهب الى الجوانب الأمنية، حيث يعمل الطرفان على تكوين قوة مشتركة في المثلث الحدودي (السودان ــ مصر ــ ليبيا) للحيلولة دون دخول المتسللين والسلاح، مع وقف تام للعمليات غير الشرعية (هجرة ــ مخدرات).
مشتركات
في آخر قمة بين (البشير ــ السيسي) اتفق الرئيسان على ترفيع اللجنة الوزارية بين البلدين الى لجنة رئاسية، بجانب تعزيز الجوانب الاقتصادية، علاوة على ازالة العوائق بين البلدين.
يذكر أن الطرفين كانا قد اتفقا على لعب الإعلام أدواراً في تأزيم علائقهما، ودعيا إلى ضبط المنظومة الإعلامية.
وفيما يلي الملفات الملغومة، فقد اتفق الرئيسان على أن تكون حكراً على القمم الرئاسية بين (البشير ــ السيسي).
توقعات
ما المتوقع حضوره في قمة نوفمبر، بين (البشير ــ السيسي) في العاصمة المصرية، وما هي المقدرات المتوافرة لاختراق الازمات في لقاء القمة.
سؤال طرحناه على المحلل السياسي، محمد نورين، فقال لـ(الصيحة) إنه لا يتوقع مناقشة ملفيّ سد النهضة ومثلث حلايب، باعتبار أن الوقت الحاضر يستدعي التركيز على المشتركات، ومن ثم العمل على تعزيزها، مضيفاً بأن أية أُطروحة حول (السد والمثلث) وجراء تباين الطرفين الكبير حولهما، قادران على نسف أسس التفاوض.
إذاً ما المحتاج إلى تعزيز. يقول نورين إن ملف العلاقات الخارجية سيكون أبرز الملفات الحاضرة، خاصة الأوضاع في ليبيا، حيث سيؤكد كلا الطرفين، الحاجة إلى العمل المشترك من أجل استقرار ليبيا، بحسبان أن انفلات الأمن هناك، قد يأتي بمردود سالب على الجيران، وعليه اتوقع ــ والكلام لنورين ــ التركيز على إنشاء قوة مشتركة لضبط الحدود.
ولأن الزيارة يتوقع لها أن تأتي في أعقاب رفع الحظر الاقتصادي الأمريكي على السودان، يواصل نورين، تحليله بالقول إن المعاملات القنصلية ستأخذ حيزاً مقدراً في قمة الرئيسين، فمعلوم أن أي انفراج اقتصادي تقابله رغبة في الاستثمارات صغيرها وكبيرها لدى رجالات الطرف الآخر.
أما القضية الرئيسة، والبند الأول المتوقع حضوره، فيتصل بضبط الخطاب الإعلامي، والمنشورات الاجتماعية، ومن المنتظر أن يتم صياغة ميثاق تفصيلي لحسم التجاوزات المثيرة لردات الفعل.
تشاؤل
تكمن مشكلة علاقات الخرطوم والقاهرة الدائمة، في تجاهلها للمرض، وتركيزها على الأعراض، ويقول كثيرون إنه ما لم يتم التوافق بشأن مثلث حلايب والموقف من سد النهضة، فلا فائدة.
لكن الفريق المتفائل يقول إن البناء على المشتركات، يوصل في نهاية المطاف لحلحلة جميع المشكلات، أو على الأقل مناقشتها بمنأى عن ردات الفعول الغاضبات.
الخرطوم: مقداد خالد
الصيحة