هل يجوز التشاؤم؟

السؤال

فضيلة الشيخ هل يجوز التشاؤم؟ وما هو معنى هذا الحديث:
روى البخاري (5094) ومسلم (2252) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ذَكَرُوا الشُّؤْمَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ”.

الجواب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فالتشاؤم لا يجوز بل هو من معتقدات الجاهلية حيث كانوا يتشاءمون ببعض الشهور أو بعض الطيور، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله “لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر” وقوله صلى الله عليه وسلم “ليس منا من تطير أو تُطُيِّر له” قال ابن القيّم- رحمه اللّه تعالى-: التّطيّر إنّما يضرّ من أشفق منه وخاف، وأمّا من لم يبالِ به ولم يعبأ به شيئاً لم يضرّه البتّة، ولا سيّما إن قال عند رؤية ما يتطيّر به أو سماعه: اللّهمّ لا طير إلّا طيرك، ولا خير إلّا خيرك، ولا إله غيرك، اللّهمّ لا يأتي بالحسنات إلّا أنت، ولا يذهب بالسّيّئات إلّا أنت، ولا حول ولا قوّة إلّا بك. وذلك لأنّ الطّيرة باب من أبواب الشّرك وإلقاء الشّيطان وتخويفه ووسوسته وهذا يعظم شأنه على من أتبعها نفسه واشتغل بها وأكثر العناية بها فتكون إليه أسرع من السّيل إلى منحدره، وتفتّحت له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه ويعطاه فيفتح له الشّيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة في اللّفظ والمعنى ما يفسد عليه دينه وينكّد عليه عيشه فإذا سمع كلمة سفرجل، أو أُهدي إليه تطيّر به، وقال: سفر وجلاء، وإذا رأى ياسميناً أو أهدي إليه أو سمع اسمه تطيّر به وقال: يأس ومين، وإذا خرج من داره فاستقبله أعور أو أشلّ أو أعمى أو صاحب آفة تطيّر به وتشاءم بيومه، وعلى هذا فإنّ المتطيّر متعب القلب، منكّد الصّدر، كاسف البال سيّء الخلق يتخوّف من كلّ ما يراه ويسمعه فيصير أشدّ النّاس وجلاً وأنكدهم عيشاً، وأضيقهم صدراً، وأحزنهم قلباً، وكم قد حرم نفسه بذلك من حظّ ومنعها من رزق وقطع عليها من فائدة. وأمّا من لم يلتفت إليها ولم يلق إليها باله، ولم يشغل نفسه بها ولا فكره، فإنّ ذلك يذهب عنه ويضمحلّ. وقد شفى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أمّته في الطّيرة حيث سئل عنها فقال: «ذلك شيء يجده أحدكم فلا يصدّنّه». قال لبيد الشّاعر: لعمرك ما تدري الضّوارب بالحصى … ولا زاجرات الطّير ما اللّه صانع
قال الماورديّ- رحمه اللّه تعالى-: «واعلم أنّه قلّما يخلو من الطّيرة أحد، لا سيّما من عارضته المقادير في إرادته، وصدّه القضاء عن طلبته، فهو يرجو واليأس عليه أغلب، ويأمل والخوف إليه أقرب، فإذا عاقه القضاء، وخانه الرّجاء جعل الطّيرة عذر خيبته، وغفل عن قضاء اللّه- عزّ وجلّ- ومشيئته، فإذا تطيّر أحجم عن الإقدام ويئس من الظّفر، وظنّ أنّ القياس فيه مطّرد، وأنّ العبرة فيه مستمرّة، ثمّ يصير له عادة، فلا ينجح له سعي، ولا يتمّ له قصد.ا.هـــــ
أما حديث ابن عمر في الصحيحين “إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ” فالمراد منه نفي صحة الطيرة والعدوى على وجه المبالغة؛ كما في قوله تعالى {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} أو أن المراد بالحديث تلك الثلاثة إذا كانت غير مفيدة ولا نافعة؛ فالفرس إذا كانت جموحاً غير ذلول لا يمكن لصاحبها أن يغزو عليها أو تقضي له حاجة فهي شؤم، والمرأة إذا كانت سليطة اللسان تأكل لماً وتوسع ذما، وهي لا تلد وتدخل نفسها مداخل الريب فهي كذلك شؤم، والدار إذا كانت ضيقة قليلة المرافق لا تفي بحاجة ساكنها فهي شؤم؛ فيكون الإطلاق ها هنا من باب المجاز لا الحقيقة، و قد قال المناوي رحمه الله تعالى: يعني هذه الثلاثة يطول تعذيب القلب بها مع كراهتها بملازمتها بالسكنى والصحبة ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها، فأشار بالحديث إلى الأمر بفراقها إرشاداً ليزول التعذيب.ا.هــــ والله تعالى أعلم.

الشيخ: د. عبد الحي يوسف

Exit mobile version