رسالة صادقة متجردة لسعادة/ الفريق أول بكري

ناديتَ أخي الكريم سعادة الفريق أول ركن بكري حسن صالح قبل توليك منصب رئيس مجلس الوزراء القومي بنحو عامين، بإصلاح جذري للخدمة المدنية وإعادتها إلى سابق عهدها عندما كانت قمتها التنفيذية في إدارة الدولة تنتهي عند منصب الوكلاء الدائمين في كل وزارة، والذين كانوا رموزاً إدارية معلومة للكافة، مضافاً إليهم محافظ مشروع الجزيرة، محافظ بنك السودان، مدير السكة الحديد، مدير الكهرباء والمياه وخلافهم.

وكلاء دائمون أمثال أمير الصاوي في الداخلية، حسن علي عبد الله الحكومات المحلية، محمد عامر بشير الاستعلامات، محمد عثمان يس الخارجية، المهندس عز الدين وهبي الأشغال، عبد الرحمن عبد الله الإصلاح الإداري، المهندس محمد عبد الله قلندر مدير الهيئة العامة للكهرباء والمياه، مكي عباس محافظ مشروع الجزيرة، محمد أحمد الفضل مدير السكة الحديد، عبد الباقي محمد مدير سودانير، مأمون بحيري محافظ بنك السودان وغيرهم.. في تلك الحقبة منذ الاستقلال وحتى يونيو 1989 لم يكن الوزراء يوقعون أو حتى يرون شيكاً أو القيام بأي إجراءات محاسبة أو نقل أو ترقية أي موظف في إدارة الدولة – كانت مهمة الوزراء وضع السياسات العامة للوزارة والموجهات والأهداف ومتابعة تنفيذ السياسات وتحقيق الأهداف – لم تكن في ذلك الوقت أية سلطة لوزير لتجنيب أي مبلغ من المال، بل كانت وزارة المالية هي المسيطرة تماماً على كل واردات الميزانية عبر أورنيك (15) الشهير الذي يصدر من وزارة المالية ويوزع على كل الوحدات الإدارية والمالية الحكومية بأرقام متسلسلة دقيقة يسهل متابعتها.

لكل ما تقدم واستشرافاً لعهد جديد في إدارة الدولة بعد رفع العقوبات وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومصالحة المجتمع الدولي والانحياز إلى المحور الغربي الأمريكي والسعودية والإمارات، نرى أن تقوم الدولة في كل مؤسساتها الرئاسية والتنفيذية والتشريعية بإحداث نقلة نوعية جريئة تخرج عن المألوف والإستراتيجيات والثوابت التي لم تعد ثوابت، والتي أقعدت السودان ولم ولن تقدمه، إذا ظلت كما هي حتى وإن رُفعت كل العقوبات الأمريكية.. المطلوب إصلاح شامل عملي وواقعي حتى يلمس المواطن العادي أثر التغيير- المطلوب هو:أولاً: إعادة السودان إلى أقاليمه الستة السابقة، ويحكم كل إقليم حاكم منتخب من شعب الإقليم مباشرة، وتحويل الولايات الحالية إلى محافظات تتم إدارتها بواسطة محافظ ومساعدين إداريين، كلهم من موظفي الكشف العام الحكومي الإداري، والمحليات تحول إلى بلديات، تدار كل بلدية بواسطة ضابط مجلس بلدي وإداريين من الكشف الإداري العام، ويراقب ويوجه إدارة البلدية مجلس شعبي مكون من مناطق البلدية، يتم انتخابهم بواسطة مواطني كل منطقة، ويُمنح المجلس البلدي سلطات تشريعية وسلطات مراقبة ومحاسبة لإدارة البلدية.

ثانياً: تقليص الحكم المركزي في وزارات قومية لا تتعدى الخمسة عشرة ولاية لا تكرر أو تطابق الوزارات الإقليمية، بمعنى أن تكون وزارات الصحة، التعليم، البيئة، الصناعة، الثروة الحيوانية، الزراعة، الإعلام، العمل، الاستثمار والتعاون والتموين إقليمية. ولإحكام التنسيق بين المركز والإقليم تُنشأ مجالس متخصصة في الصحة، التعليم، الزراعة، الثروة الحيوانية، الاستثمار تتبع مباشرة إلى رئيس الوزراء، تقوم بوضع السياسات والضوابط والمراقبة للوزارات الإقليمية، وبذلك تكون الوزارات الاتحادية قاصرة على وزارات: الخارجية، الداخلية، المالية، التجارة الدولية، الدفاع، النفط والمعادن، الري، السدود والكهرباء، الشؤون الدينية والأوقاف، العدل، الأشغال النقل (بري، بحري، جوي)، الطرق والجسور، الاتصالات، التعليم العالي.. يشمل كل هذا الهيكل الإداري التنفيذي إعادة تأهيل وتقوية هيئات مستقلة مثل الموانئ البحرية، الطيران المدني، السكة الحديد، الخطوط البحرية، الخطوط الجوية، الإذاعة والتلفزيون.

الشرطة إدارياً تتبع للإقليم وفنياً تتبع لوزارة الداخلية، التي تقوم بالإشراف على تأهيل الضباط وتوزيعهم على الأقاليم ونقلهم بصورة دورية، وأيضاً يتطلب هذا الإشراف الفني إنشاء الشرطة الفدرالية التي تتحرك بحرية من المركز إلى كل الأقاليم في كل الأوقات لمتابعة وضبط الجرائم العابرة للأقاليم.. أمن الدولة والأمن القومي يظل كما هو في جهاز الأمن والاستخبارات القومي الحالي بكل كوادره البشرية المؤهلة وإدارته ومعداته الفنية عالية التقنية، مع استمراره في بذل معظم جهده في الأمن الخارجي ومتابعة المجموعات والفصائل والتنظيمات المنظمة المهددة لأمن السودان.

ثالثاً: إعادة منصب الوكيل الدائم لكل وزارة بكل قوته وسلطاته السابقة، ويكون الوكيل من كوادر الوزارة الإدارية وليست السياسية.. كل السلطات التنفيذية والإدارية تتجمع عند الوكيل الدائم الذي يقوم بتنفيذ موجهات الوزير وسياسات الدولة العامة.

رابعاً: إعادة قسم المشتريات المركزية في وزارة المالية إلى سابق قوته وإشرافه الدقيق على كل مشتريات الحكومة ومشاريع التنمية عبر عطاءات مفتوحة وشفافة، وتطرح المشاريع التنموية التالية عاجلاً في عطاءات عالمية بنظام العقود الإيجارية قصيرة الأمد (10 إلى 15 سنة) بنظام البوت المعروف، والمشاريع هي:تأهيل مشروع الجزيرة، السكة الحديد، الخطوط الجوية، الخطوط البحرية، ميناء بورتسودان، النقل النهري، النقل الميكانيكي، مع إعادة وزارة الأشغال للإشراف الفني على كل مباني الحكومة المركزية والإقليمية.

خامساً: إعادة زراعة القطن كمحصول نقدي في كل مشروع الجزيرة وامتداده ووقف زراعة القمح المتوفر عالمياً بكميات تفوق حاجة العالم، وإعادة تأهيل مشاريع القطن قصير التيلة في جبال النوبة، مع تشجيع الاستثمار في صناعات النسيج والزيوت.

سادساً: السيطرة والهيمنة الحكومية الكاملة على كل الثروات القومية مثل التعدين خاصة الذهب والصمغ العربي يمنع تصديره خاماً دون إضافة قيمة له محلياً، ويمنع تصدير الماشية الحية وذلك بتشجيع الاستثمار في المسالخ وتجهيز اللحوم والأسماك.

سابعاً: إعادة اتفاقية الحريات الأربع مع دولة الجنوب وهي حرية التنقل، حرية العمل، حرية التجارة وحرية الملكية، تمهيداً لإعادة الوحدة مع دولة الجنوب في شكل كنفدرالي، أي أن تكون الوحدة فقط في القوات المسلحة، المالية، السياسة الخارجية.

ثامناً: إعادة العلم القديم بألوانه الثلاثة في تصميم جديد، لأن العلم القديم الآن مستعمل ومعتمد في دولة الجابون، ليكون علم دولة السودان الكنفدرالية بعد إعادة الجنوب.

تاسعاً: العودة إلى الحكم البرلماني- برلمان ينتخب رأس الدولة وأعضاء مجلس رأس الدولة – مهام الرئيس والمجلس سيادية فقط، وينتخب البرلمان رئيس ومجلس وزراء يقوم بإدارة الدولة، وبذلك تسهل مراقبته ومحاسبته وتغييره، لتكتمل صورة التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة كما نادت به مخرجات الحوار الوطني.

عاشراً: في الاقتصاد اعتماد سياسات السوق الحر الموجه بالتدخل الحكومي القليل لحماية الثروات والصناعات المحلية.حادي عشر: اعتماد سياسة الحياد الإيجابي، وذلك بتحديد واضح لوقوف الدولة وتحركها المتجدد مع كل محور يخدم مصالحها ومواطنيها دون التمترس في ثوابت معوقة لهذا التحرك الإيجابي.

عمر البكري أبو حراز
اخر لحظة

Exit mobile version