زيارة البشير لمعسكر كلمة …تفاصيل ما حدث!!

ما أن رُفعت الرايات الرافضة لزيارة الرئيس البشير لمعسكر كلمة وفقاً لبرنامجه المعلن لولاية جنوب دارفور، أثار ذلك إهتمامي باعتبار أن معسكر كلمة أحد القلاع الحصينة التي تحتفظ بمرارات أزمة دارفور داخل أسوارها، وهو أيضاً محل رهان المتمرد على الخرطوم عبدالواحد محمد نور والذين يوالونه وتعبيرهم لمناصرته لا يحتاج سبر أغوار ولكنه ماثلاً تنقله الإصطفافات المؤيدة له كل يوم من داخل المعسكر.
بالرغم من قطع والي جنوب دارفور قبل يوم من بدء جولة البشير إلى ولايته، بأن زيارة المعسكر المنيع قائمة، وأن الإحتجاجات محدودة ومعزولة ولا تمثل أهل كلمة، وهي محاولة يائسة من عبدالواحد نور، لأنه يدرك أن أقدام البشير إن وطأت كلمة تعني نهاية تأثيره ونفوذه الطاغي، بالرغم من هذا القطع والتأكيد، ظلت الشكوك والمظان بعدم الزيارة هي التي تتسيد المشهد وحتى الزملاء في وكالات الأنباء ومحرري الصحف جميعهم لم يكن لهم شغل شاغل غير الحديث عن هذه الزيارة التي ألهب نيران الشكوك بعدم قيامها، صور الإحتجاجات التي ملأت الأسافير، والتحدي الواثق لعبدالواحد ورفاقه، ما جعل حالة الشد والجذب والتوتر تسود بين الزملاء، فغابت الطمأنينة ولم تجد لها مكاناً حتى بعد إستقبال البشير في ميدان الشهيد السحيني بنيالا، وحتى بعد تدافع أهل قريضة وحشدهم المهيب.
كذلك رأت مصادر أن الخلافات بين بعض أعيان الولاية والوالي وراء إذكاء الإحتجاجات في كلمة بيد أن حديث الرئيس في لقاء نيالا الحاشد وتجديده الثقة بالفكي، أحبط الزعماء ومن يحركونهم في الخرطوم، ولكنها بالكاد لم يوقف يد التخريب إن كانت فعلاً قد إمتدت في إطار الصراع بجنوب دارفور (وكأن الزعماء يخربون بيوتهم بأيديهم).

صباح الجمعة:
كان هناك تكتماً شديداً عن تفاصيل ترتيبات الزيارة، إلا أن التحركات الأمنية والتواجد الكثيف لقوات الدعم السريع يشير الى أن سماء كلمة ليست صافية وما زالت ملبدة بالغيوم، حاولت بقدر ما أستطيع الوصول لتفاصيل تكشف عن ما يجري، ولكن كل الملاحظات كانت تقول إن القصة بلغت ذروتها وتقف عند الـ(climax)، كيف لا وقد سرب لي أحدهم أن فريق التلفزيون قد ذهب في الثانية صباحاً، وقبل أن أبث هذه التطمينات بين الزملاء، إذا بأحدهم يتحدث عن عدم البث لإجراءات أمنية، وكذلك كانت المفاجآة بأن الرحلة ستكون عبر الطيران وليس البر، وما أن وصلنا الى المطار حتى وشاهدنا دخان كثيف قبالة المعسكر، وأسر لي مصدر: هذا الدخان ناتج بفعل الاحتجاجات التي وقعت في الصباح ومحاولة الرافضين إقتحام مكان الإحتفال، وكادت أن تحدث مواجهات عنيفة لكن أحد الجنرالات إحتواها وتم تطويق الرافضين بعد الوصول لتفاهمات معهم بأن لا يتحركوا ولا مانع من إحتجاجهم في أماكنهم، وفيما تضاربت الأنباء عن وقوع إصابات من الطرفين أصدرت بعثة اليوناميد بياناً أمس دعت فيه لضبط النفس قبل أن تكشف عن سقوط 3 قتلى من النازحين جراء إشتباكات بينهم وقوات حكومية.

إنتقاء الصحفيين:
قال المسؤول عن الإعلام إن الطائرة لا تسع لكل الصحفيين وأنه إختار عشرة منهم لتغطية الحدث وركز على وكالات الأنباء بما فيها رويترز، إلا أنه إختار أربعة صحف لتمثيل الصحف، ولولا تدخل نقيب الصحفيين الرزيقي لما سُمح لنا الذهاب والتغطية بالرغم من أن الذين تم إختيارهم (محررين) عدا الأستاذ محمد أحمد جمعة مدير تحرير الصحافة، هذا الاختيار أيضاً عزز من الشكوك ورفع عقيرة المظان حتى أقلعت الطائرة وبعد دقائق كنا أمام (سرادق) الإحتفال والحشد الكبير، وفي المقابل غرب المكان وداخل المعسكر إذا مددت البصر كرتين ترى المحتجين يرفعون لافتاتهم وتدرك سر الدخان المتصاعد.

التباس المكان:
ربما هناك حالة إلتباس تحتاج الى تفسير وهي تكمن في السؤال هل البشير زار كلمة أم بليل؟ ومن الواضح كما ذكرت أن لا فتات المحتجين يمكن قراءتها من على البعد، فالمسافة بين أول بيت للمعسكر ومكان الاحتفال لا تتعدى نصف كيلو، وهذا ما يؤكد بالفعل أن الحشد حقيقياً، وأن هناك إنقساماً بين النازحين وأن المؤيدين أكثرهم من أهل المنطقة وهم ينتمون لقبيلة الداجو التي إستضافت المعسكر، كذلك هذا المعسكر يتبع لمحلية بليل وبالتالي كان من الطبيعي أن تكون بعض اللافتات كتب عليها (بليل).

جيناكم في كلمة:
بدأ الرئيس البشير منفتح الأسارير بحشد كلمة وتمكنه من تحقيق إختراق نفذه الوالي الفكي بشق الأنفس، بقبوله التحدي الذي رآه البعض مجاذفة وزج بالرئيس في إتون أزمة جديدة قد تعيد التوتر مرة أخرى، وأبدى البشير حماساً غير معهود وهو يخاطب المواطنين من كلمة وبليل، وتعهد بحل مشاكل النازحين وتنفيذ مطالبهم وتوفير الأمن والخدمات لقرى العودة الطوعية وتمكينهم من استعادة أراضيهم ومزارعهم، مُجدداً مضي الدولة في جمع السلاح وبسط العدل وسيادة حكم القانون.
وقال البشير: إن زيارته لمعسكر كلمة تأتي في إطار رغبته للقاء النازحين والسماع إلى مطالبهم، مؤكداً أنه سيرد لهم حماسهم في استقباله.
ووجه ولاة دارفور والمعتمدين بتنفيذ مطالب النازحين في العودة وتمليك أراضي سكنية للذين لا يرغبون بالعودة، ودعا المرأة والشباب في المعسكرات للاضطلاع بدورهم في الاستقرار والأمن، للمساعدة في عمليات التنمية ورتق النسيج الاجتماعي والتعايش السلمي، ووجه حكومة جنوب دارفور بالعمل على إنفاذ مطلب شباب كلمة باقامة (زواج جماعي) لهم، وداعب الراغبين في الزواج وطالبهم برفع أياديهم، وقال: (في ناس رافعين يدين) أما البنات قال لهم: (ما تخجلن وأقبلن بالمهر القليل) فأطلقن الزغاريد.
وقال والي جنوب دارفور، آدم الفكي، إن زيارة الرئيس لكلمة تأتي في إطار مسؤولياته عن المواطنين رغم أن البعض تحدثوا عن عدم زيارته.
وأكد معتمد محلية بليل، آدم عبد البنات، أن المحلية استضافت أكثر من 300 ألف من النازحين، مشيداً بدور سلطان الداجو في تماسك النسيج الاجتماعي.
وقال أبوبكر أبو عبدالله ممثل شباب نازحي معسكر كلمة، إن الزيارة تأتي في ظل الأمن الذي تشهده دارفور في أعقاب قرار جمع السلاح، وعبّر عن سعادة النازحين بقرار جمع السلاح ودعمه بقوة وأكد وقوف ومساندة نازحي معسكر كلمة مع توجهات رئاسة الجمهورية، كما طالب أبو بإكمال طريق نيالا – بليل، وانشاء مركز للتدريب المهني ومستشفى بليل، ودعم أندية كلما الرياضية.

في سبيل الله قمنا:
وفي ختام اللقاء هتف البشير في سبيل الله قمنا، نبتغي رفع اللواء، لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء، فليعد للدين مجده، إلا أنه لم يكن هذا الشعار المعروف بين الإنقاذيين والذي نهايته تقول (فليعد للدين مجده أو ترق منا الدماء، أو ترق منهم دماء) .

لقاء شطايا:
في محلية شطايا طالب البشير المواطنين بالتقدم نحو المنصة ومنع النظاميين من اعتراضهم فزحفت الحشود نحو المنصة ليخاطبهم البشير بقوله: (أنتم أهل شطايا قدمتم نموذج يحتذي به لكل أهل السودان في حل النزاعات) وأضاف: أفضل سبيل لحل النزاعات هي أعراف أهل دارفور وهو منهج يدرس في الجامعات العالمية وأبلغني صديق أن بحوث أجريت في هارفارد توصلت لذلك، وتابع: أنتم من بادرتم بالضربة الأولى في المصالحات وما تبقى من خدمات مسؤوليتنا نحن في الحكومة، وقال: نحن معكم حتى آخر نازح في شطايا يعود إن أراد العودة أو البقاء في المدنية وواجبنا أن نوفر لكم الخدمات، وأضاف: نحن السودانيين لا نقبل ﻷهلنا أن تأتيهم اﻹغاثة من الخواجات ونحن من نغيث الملهوف ونطعم الجائع ونكرم الضيف ولا بد من توفير الخدمات من تعليم وصحة ومياة وطرق وكهرباء وكل الخدمات الضرورية لحياة المواطن.
ومن ناحية أخرى طالب النائب البرلماني وممثل منطقة شطايا في ولاية جنوب دارفور عمر محمود (قندولي) الرئيس عمر البشير بالترشح في انتخابات 2020 و2025 و2030 توالياً.
واضاف قندولي : لا بديل للبشير حتى وإن اضطر مثل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بالتحرك بالكرسي وحكم البلاد.
وقال محمود، إن البشير هو الذي أتى بالتنمية داعياً الرئيس الى استكمال الطرق والتنمية كما طالب باستيعاب أبناء المنطقة في جهاز الأمن والدعم السريع والشرطة.
وأعلن محمود، رفض سكان شطايا للمحكمة الجنائية الدولية. وتابع نرفض الجنائية وعفى الله عما سلف.
وذكر قندولي ان سكان شطاية على استعداد للتصويت للبشير اذا ما قرر الترشح للانتخابات حتى العام 2030.
وكان رد البشير هو قوله :(عهدنا معاكم ليس عهد إنتخابات وإنما إنطلاقاً من المسؤولية الوطنية تجاهكم).

خروج:
اعتبر مراقبون أن المطالب التي دفع بها سكان كلمة الذين شاركوا في اللقاء، لا تختلف عن مطالب الرافضين وإذا إستطاعت حكومة الفكي تحقيقها فهذا يعني أن ستسجل الهدف الثاني في شباك عبدالواحد نور فهل تفعل أم سيتقدم أنصار الأخير؟.

نيالا: أشرف عبدالعزيز
صحيفة الجريدة

Exit mobile version