الإبتزاز.. واقع معاش !

ظل المجتمع السوداني يفاخر بترابط نسيجه الاجتماعي، وتمسكه بقيمه وأخلاقه المكتسبتين من شريعة السماء ، بيد أن ثمة أشياء غريبة اقتحمت شرائح من طبقات المجتمع السوداني، أخلت بعرفه السائد وأمنه الاجتماعي، بظهور جرائم غريبة على الساحة السودانية، أدخلت الخوف والهلع وأفرزت تأثراً نفسياً بالغاً، ولم يعد البعض ينعم بالسكينة، خوفاً من مجهول قد يصيبه أو أسرته أو حاشيته، وباتت أخبار الجرائم المرعبة من (اغتصاب للأطفال والتحرش الجنسي والاحتيال و الإبتزاز وإهانة الآباء والدجل والشعوذة والأزياء الفاضحة التي اقتحمت السوق» (آخر لحظة) تحاول عبر هذا التحقيق أن تلقي الضوء على الظواهر المجتمعية التي لحقت بالمجتمع وألقت بظلالها السالبة على أمنه (س) فتاة في ريعان شبابها، جرها وهم الحب الى الدمار النفسي، قصتها بدأت عندما دخلت في علاقة مع شاب، ظنت المسكينة بأنه زوج المستقبل، وبدأت في بناء قصور الوهم، خاصة وأنه وعدها بتحقيق ذلك، حمدت الله أن حلمها في الطريق الى أن يصبح حقيقة.

ومضت الأيام والذئب البشري ينصب خيامه.. لحظة صفاء طلب منها أن ترسل له صورتها بملابسها العادية (ملابس البيت)، لأنه يريد أن يرى زوجة المستقبل على طبيعتها، تلكأت في البداية، ولكنها وافقت وأرسلت الصورة، الصورة الأولى جرَّت وراءها الثانية.. فالثالثة.. (الآن حان الوقت.. لندخل في الغريق) بالتأكيد استدعي هذه الجملة قبل أن يتقدم بطلبه القنبلة… لابد وأن نلتقي في خلوة… دون حياء كشف عن وجهه الحقيقي، فصفعته بكلماتها وأغلقت الخط في وجهه أكثر من مرة، ومع ذلك اظلمت الدنيا في وجهها حين أدركت مدى سذاجتها، وقررت أن تحول مأساتها الى منعة وأن تتعلم من الدرس، وعندما قالت له (لا أريد أن أراك منذ اليوم يا قليل الأدب) ظنت أن الأمر قد انتهى.. حتى فاجأها الذئب برسالة..تحمل الرسالة جملة واحدة (إما أن نلتقي وتفعلي معي ما أريد أو أن أنشر لك هذه الصورة على الانترنت)، وارفق مع الرسالة صور مختارة بعناية من بين الصور التي ارسلتها له وقت سكرها، فاسقط في يدها قبل أن تسقط مغشياً عليها..تحكي والدموع غمرت عينيها.. لقد وقعت في براثنه خوفاً على أسرتي.. لقد ابتزني بصوري… كنت بين خيارين ما أن التقيه وإما الفضيحة!! وللأسف اخترت الأولى… هل مشكلة (س) هي الأولى من نوعها.. قطعاً ليست الأولى، وهل طريقة (هذا الذئب) هي الوحيدة؟ بالتأكيد هناك طرق وطرق.. وهل هذا الشكل من الابتزاز دخل الى مجتمعنا من خارج الحدود؟… وهل مجتمعنا برئ من مثل هذه القضايا؟ أم أن رياح (الهبباي) التي هبت على المنطقة وعلى العالم وصلت الي مجتمعنا.. هذا التحقيق يبحث عن إجابة؟ تعريف مبسط:قبيل الخوض في غمار الظاهرة، دعونا نجيب على السؤال (ماهو الإبتزاز).. يتصدى للإجابة المحامي وأستاذ علم الإجرام النور الوسيلة، حينما يقول (لآخر لحظة) أبسط تعريف لجريمة الإبتزاز (هو جريمة شرعية وسلوكية وأخلاقية يقوم فيها الجاني بقهر ضحيته وسلب إرادتها والتحكم في إرادتها، لتنفيذ مطالبه ورغباته عن طريق التهديد الدائم والمستمر)، ويضيف: الإبتزاز ليس هو الجريمة الأصل، وإنما هو بوابة لتحقيق عدد من الرغبات عبر الإبتزاز، وفي نفس الوقت هو وسيلة لإرتكاب عدد من الجرائم الأخرى، قد تكون مالية أو نفسية أو جسدية.. موضحاً أن الغالب منها هو مطلب ظل يسعى له الجاني من المجني عليه، والأمر الأخطر برأي الوسيلة هو أن الجاني لن يقف على ما تنفذه له المجني عليها، بل تتزايد طلباته كلما مر الوقت وبالطبع كلما زادت أسلحة ضغط الجاني.

أنواع متعددة:وعن أنواع الابتزاز يشير محدثي إلى أنه متعدد، وذلك بحسب المعايير، ولكنه عاد ليؤكد بأن مادون من جرائم في السودان يأخذ نمطاً واحداً وبصورة معتادة، والجريمة هنا غالباً ماتكون بين طرفين (ذكر وأنثى، أو غيره)، ولكن غالبية الجرائم المدونة كانت من نصيب الفتيات والشباب، ويرى أن هذه الطريقة تبدأ بتعرف الشاب على الفتاة، وتبدأ العلاقة بينهما بكامل إرادة الفتاة، وفي الزمن الحالي غالبية العلاقات تيدأ عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وتمضى لتوطد بين الطرفين، حتى يوقع الشاب الفتاة في حبائل الأوهام والوعود الكاذبة، والشاب في هذه اللحظة يتعلل بأي علة حتى لا يرتبط بالفتاة عن طريق الخطوبة أو غيرها، والسبب في ذلك يرجعه إلى أن الشاب يرغب في أن تتأرجح الفتاة ولا تحسم أمرها، فلا تريد أن تقطع الأمل ولا تستقر في العلاقة غير الشرعية المستقرة.من المسؤول:وعن مسؤولية إنتشار الظاهرة: يحمل الوسيلة المسؤولية إلى المجني عليه أولاً، ومن ثم الأسرة ثم الدولة، وعلل ذلك باعتبار أن الأمن الإجتماعي ينبغي أن يكون سابقاً لإرتكاب الجريمة، مشيراً إلى أن القوانين وإن كانت رادعة فلن توقف الظاهرة، معتبراً أن الإجرام سلوك والسلوك يحتاج لمعالجة، مطالباً الأجهزة الأمنية بضرورة الإستمرار في عملها مع التطوير الدائم والمستمر في إمكاناتها خصوصاً الفنية والتقنية، حتى تتم ملاحقة مرتكبي مثل هذه الجرائم، إلا أنه عاد ليؤكد بأن الحل الأمني ليس جذرياً، لأن الأصل هو منع إرتكاب الجريمة لا القبض على الجناة ومعاقبتهم.وزاد: ذات الجناة الذين تمت معاقبتهم يمكن أن يعودوا لارتكاب الجريمة مرة أخرى وبصورة دقيقة، حتى يتلافوا الخطأ السابق، الذي أدى للقبض عليهم، مما جعله يطالب بضرورة إنشغال المربين بقضية الإبتزاز ودراستها العميقة، ونشر نتائج دراستهم على عدة أشكال، وفي ذات الوقت طالب بضرورة استغلال وسائل الإعلام كافة، لتنبيه الأسر بشكل جوهري بضرورة الإهتمام والرعاية لتحصين أبنائهم خصوصاً البنات، خاتماً حديثه بالمطالبة بالإحتكاك مع الأبناء أكثر حتى يخرجوا مافي بطونهم من مُر الحديث وحلوه.تخصصية وخبرة:البروفيسور النور الجيلاني الخبير التربوي يتحدث، والحسرة تكسو جبينه، مشيراً إلى أن جرائم الإبتزاز تمارس من قبل جماعات بعينها تخصصت في مثل هذه الجرائم التي وصفها بالوقاحة، موضحاً أن مثل هذه الجرائم لا تقل خطورة عن الجرائم الأخرى كالقتل والخطف، منبهاً إلى أن غالبية المبتزين هم شريحة ضعيفة النفس، وأصحاب نوايا سيئة، لافتاً إلى أن اكتمال حلقات هذه الجرائم كالعادة تتم بعيداً عن أعين الناس، ويكون طرفيها شخص له مصلحة بعينها لدى شخص آخر مقابل القيام بمصلحة من قبل الطرف الذي تم إبتزازه.

وقال الجيلاني: إن الشخص الذي يضمر النية بابتزاز شخص ما، يحرص على الابتعاد عند تقديم عرضه حتى لا تكون هناك فرصة للتبليغ من قبل الضحية، ويكون ماهراً في إخفاء أدلة إدانته، مشيراً إلى أن غالبية هذه الجرائم طرفها أنثى، وبدا منزعجاً من حدوثها بين الطالبات وسط المجمعات السكنية. سجلات وسوابق:سجلات الشرطة تحتوي على الكثير من مثل هذه الجرائم، واجتهدت هي الأخرى-أي الشرطة- في ملاحقة مثل هذه الظواهر الإجرامية، وكشف مصدر شرطي رفيع بأنه دون أحد البلاغات الموجهة ضد الفتيات على وجه التحديد، وفيما يتعلق بتعمد إشانة سمعة الأسر طيبة السلوك، مشيراً إلى أن أحد البلاغات كان من قبل إحدى الفتيات التي استغلت الحساب الخاص لصديقتها ولم تبالي في نشر الصور الفاضحة والمخلة بالآداب العامة، والمشينة للسلوك، ولم تقف عند هذا الحد، وأطلقت عدداً من المصطلحات النابية والتي لايمكن ذكرها في هذه المساحة، ولكن دونتها سجلات الشرطة وفقاً للإجراءات المحددة، والتي تفترض ذكر كل ماقيل، وهو الأمر الذي أدى لاحتقارها من قبل أصدقائها وصديقاتها وفتح باب من الجحيم بينها وبينهم وحاصرتها الأسرة بوابل من الأسئلة والتحقيق، موضحاً أن الفتات سارعت إلى قسم الشرطة وأبلغتهم بما جرى، واستطاعت الشرطة القبض على الفتاة المتهمة وأحالة ملفها إلى المحكمة.

فتاة وفتاة :لم يكتفِ المصدر، بما سبق ذكره من سابقة، بل ذكر أن هناك جرائم إبتزاز من قبل فتيات فيما بينهن، مشيراً إلى أنه دون عدداً من البلاغات طرفيها من الفتيات، موضحاً بأن جل تفاصيلها بأن الطالبات يقمن بتصوير أنفسهن فيما بينهم في غرفهن الخاصة بالمجمعات السكنية، وبأزياء فاضحة ويرقصن، وعند حدوث أقل خلاف فيما بينهن تخرج إحداهن تسجيل أو صور أو مقاطع فيديو وتقوم بإبتزاز الفتاة الأخرى. عوامل نفسية:وفيما يتعلق بظاهرة الإبتزاز فإن مديرة مركز (سايكلوجي نيوز) الدكتورة رهام النور تشير إلى أن الجريمة مرتبطة بعدد من الجوانب النفسية، وقالت إن الجريمة إبتداءً تحدث بتنسيق مشترك وتخطيط مسبق مكتسب من السلوك الإجرامي، وأرجعت الأمر إلى أنه لا يخلو من وجود حقد وحسد لدى المجرم تجاه المجني عليه، وأشارت إلى أن المجرم يجمع كل البيانات والمواقف التي تقوي موقفه تجاه إبتزاز الطرف الآخر، ونبهت إلى أن التنشئة والبيئة أيضاً في قفص الإتهام، وطالبت بضرورة إستصحاب الثقافة القانونية لحماية الأفراد لأنفسهم، وإقامة الورش الدورية لتقييم السلوك المجتمعي في المدارس والجامعات. إنحراف السلوك:وعن إنحراف السلوك لدى كثير من المجموعات السكانية وتصاعده إعلامياً، تشير رهام إلى أن التصاعد الإعلامي لقضايا الإبتزاز لن يكون دليلاً منفرداً على إنحراف المجتمع، واعتبرت أن الإبتزاز يعتبر أحد الأعراض التي تشير إلى وجود مرض مزمن، وخلل وإنحراف أكثر من كونه هو المرض ذاته، مشيرة إلى أن الإبتزاز يسبقه إرتكاب عدد من الجرائم والمعاصي، وطالبت بضرورة عدم التوجيه التام لمحاصرة المبتز والإهتمام بإزالة الآثار المترتبة على ذلك، بقدر ما طالبت بضرورة توجيه الجهود في مسارات متعددة للمعالجة الحقيقية لإستئصال هذه الجرائم من جزورها وطالبت الأسر باحتواء البنات خصوصاً والتقرب منهن لمعرفة ما يخيفهن، وحتى لا تكون هناك حواجز بين الفتاة وأسرتها، وهنا تكمن الخطورة بغياب الصراحة.

تحقيق /محمد داؤد
اخر لحظة

Exit mobile version