:: لجنة النقل والطرق والجسور بالبرلمان تبدو كالمطرب الذي جاءوا به إلى دار اليتامى ليسعد الأطفال في أفراح رأس السنة، فغنى لهم : ( أمي الله يسلمك )..كنا قد تناسينا مشروع مطار الخرطوم الدولي الواقع – حُلماً – بأمدرمان، ولكن محمد أحمد الشائب، رئيس لجنة النقل بالبرلمان، يجتر الذكريات المؤلمة بصحف البارحة .. إذ يقول سيادته أن لجنة برلمانية سوف تزور موقع المطار اليوم، للوقوف على أسباب توقف العمل منذ خمس سنوات ..!!
:: وبالمناسبة، مشروع سكر السوكي أيضاً، كما المطار الدولي، توقف بعد إستلام الشركة مقدم العقد (16.000.000 دولار).. و مشروع مد ولاية البحر الأحمر بمياه النيل، أيضا توقف بعد أن بلعت الشركة المنفذة مقدم العقد (40.000.000 دولار)..وكثيرة هي المشاريع ذات (المقدم المبلوع).. وليس لنا غير أن نقول للناس والبلد ( الجاتكم في مالكم سامحتكم).. بسوء التخطيط نحصاد الفشل في كل مناحي الحياة، وتتوقف المشاريع ثم نعجز عن إسترداد (المقدم المبلوع).. !!
:: المهم، نرجع للبرلمان وهو يتقصى عن أسباب توقف العمل بمطار الخرطوم، ونرسخ ذاكرته جذور الحدث .. في عام 1999 تم تشكيل لجنة لتنفيذ هذا المشروع بأمدرمان..تلاشت اللجنة قبل تنفيذ المشروع، وحل محلها كيان وهمي مسمى بوحدة تنفيذ مطار الخرطوم.. ولم يكن لهذه الوحدة موقعاً مؤسسياً في هيكلة الدولة..ومع ذلك، كانت لها ميزانية دون أن تخصم من ميزانية الطيراني المدني جنيهاً..فالوحدة موازية لهيئة الطيران في ( الميزانية والمهام)، وتم تأسيسها في أكتوبر 2005، أي بعد ست سنوات من عمر تلك اللجنة التي تلاشت..!!
:: تم تأسيس الوحدة بمبانيها وإداراتها وسياراتها وميزانيتها..وإستبشرنا خيراً بالوحدة ( الماعندها كرعين)..فالمهم تنفيذ المشروع ..مضى العام الأول من عمر الوحدة، ولم يحدث شئ بأرض المشروع غير تسويرها ب (سلك شائك)..ثم مضى العام الثاني، ولم يحدث شئ غير ( حفر آبار)..ثم مضى العام الثالث من عمر الوحدة، ولم يحدث شئ غير (التشجير).. ولكن في العام الرابع ، كان الإنجاز مدهشاً، إذ تمكنوا من بناء بيوت إدارية..أما في العام الخامس، فلقد بلغ الإنجاز مداه بزراعة ( نجيلة)..ثم السادس، ولاشئ على أرض الواقع ..!!
:: ست سنوات من التنجيل والتسوير والتشجير وحفر الآبار.. وبعدها ،أصدرت المالية قراراً بتحويل قروض الصناديق العربية لغرض آخر غير المطار، ثم الإبقاء على (الوحدة وميزانيتها)..أي صرفت النظر عن المشروع وأكدت حرصها على بقاء الوحدة (بلا شغلة)..وبعد أشهر من هذا القرار الغريب، أصدرت رئاسة الجمهورية قراراً بحيث تلحق الوحدة مطارها.. نعم بعد ست سنوات من إهدار المال فيها، تخلصوا من الوحدة ..!!
:: ثم فجأة، في أكتوبر 2013، تم توقيع عقد مع شركة صينية على تنفيذ المشروع، وتنفسنا الصعداء.. (700 مليون دولار)، ويتم التنفيذ خلال ( 40 شهراً) ..و..( نسينا الموضوع )، وصرفنا عقولنا عن المشروع .. ولكن فجأة،قالت وزارة المالية بالنص : ( لم تكتمل إجراءات التمويل).. وكان هذا آخر أخبار المشروع.. فما بال محمد أحمد الشائب يجتر الذكريات المؤلمة؟.. كل المطلوب – في زيارة اليوم – هو أن يتفقد الشائب أحوال الخفراء والعاملين بمشروع المطار الجديد قبل أن يتقاعدوا إلى المعاش وهم في تلك (الفيافي)..!!
الطاهر ساتي