بالرغم من وجود أزمة تكاد تكون دائمة في المولاصلات العامة، إلا أن الكثير من المركبات غير مؤهل لنقل المواطنين، إذ نجد عدداً كبيراً منها متهالكاً. بسبب غض الملاك طرفهم عن أعطالها والتماطل في صيانتها،
حتى وصل الأمر أن تسبب مقاعد بعض المركبات الأذى للركاب، فضلاً عن عدم وجود آلة إطفاء داخل كثير منها تفادياً لحدوث أي حريق.
مشاهدات
من يستغل المركبات العامة في حياته اليومية, يعاني معاناة كبيرة من تهالك المركبات التي يعتمد بعضها على استخدام عبوات زيت الغيار، بدلاً من طلمبات الوقود الداخلية للوقود داخل المركبة، ويطلق عليه (الدرب) مما يعرض حياة الركاب للخطر في حال حدوث اشتعال داخل المركبة، والبعض الآخر يعاني من تهالك في المقاعد وانهيار الأرضيات وسقف المركبة, والأخطر من ذلك تعطل الأبواب في بعض المركبات مما يجعلها «فاتحة» طوال وقت الرحلة، إضافة إلى وجود بعض المركبات التي يعتمد سائقوها علي (شد) الفرامل والكلاتش بأسلاك إضافية حتى يستطيع استخدامها أثناء القيادة ,ونجد تلك المركبات في العديد من الخطوط الطرفية وحتى داخل المدن الكبيرة بولاية الخرطوم مثل منطقة بري وبحري, بجانب خطوط سوق ليبيا والسوق الشعبي أم درمان ومنطقة الثورات وبعض أحياء أم درمان العتيقة، الأمر الذي يعد مخالفاً لقانون المرور.
إصابات الركاب
ومن الحالات التي رصدتها «الإنتباهة» بإحدى مركبات الثورات, كانت إصابة أحد الركاب إصابة بليغة في قدمه جراء اصطدامه بمقعد مركبة متهالكة وأصابته بجرح عميق في رجله مما استدعى إدخاله أحد مستوصفات مدينة الثورة. وسخر عدد من المواطنين من تلك المركبات لدرجة أن أطلقوا عليها مصطلح (ترتارة).
مياه ساخنة
وتقول المواطنة عرفة محمد, إنها في إحدى المركبات العامة والتي استقلتها من موقف سوق أم درمان متجهة إلى سوق ليبيا, كانت المركبة تعمل بنظام (الدرب) فانفجرت (الجركانة) التي تحتوي على المياه التي تعمل على تبريد الماكينة وتطايرت المياه الساخنة على الركاب الذين أصيبوا بالهلع نتيجة ذلك وتسببت في ارتباك السائق وفقدانه السيطرة على المركبة واصطدم بعمود الكهرباء بالشارع العام وأحدث ربكة في السير وأصيب بعض الركاب إصابات حريق متفاوتة جراء تطاير المياه الساخنة عليهم. بينما تصف طالبة جامعية استقلالها إحدى المركبات, وكانت هناك ثقوب كبيرة بأرضية المركبة مما تسبب في سقوط هاتفها الجوال داخل كوبري الفتيحاب وتهشمه تحت إطارات السيارات.
اعتراف بالمخالفة
وفي حديثه لـ «الإنتباهة» أقر السائق التجاني, بعدم فحص مركبته منذ عدة سنوات. وأضاف أن ظروف الحياة لا تمكنه من ذلك، ميبناً أنه لم يقم بترخيصها منذ العام2014م، وقال إنه يعمل بنظام إيصالات المخالفات فقط. فيما كشف السائق عوض, أن المركبة التي يعمل بها ليست ملكاً له, وإنما يعمل بها بنظام الإيراد, كاشفاً عن ارتفاع قيمة إيرادات الحافلات التي تصل الى (700) جنيه يومياً، وأضاف أن أصحاب المركبات لا يقومون بصيانتها. واعتبر ذلك التصرف جشعاً منهم لأن مدخلات المركبات العامة عالية جداً.
عدم اهتمام
فيما اتفق معه صاحب المركبة قذافي, الذي قال إن هناك جشعاً من قبل أصحاب المركبات العامة, وإن إيراداتها تؤمن مخصصات صيانتها إلا أنهم لا يهتمون بذلك, بجانب أنهم لا يرجعون إلى الفحص الآلي. وأرجع ذلك إلى عدم ترخيص تلك المركبات.
الطامة الكبرى
ويرى عدد من المواطنين, أن هنالك تهاوناً من قبل شرطة المرور فيما يختص بالشكل العام للمركبة. وتعجب المواطن أحمد, على الطريقة التي يتم فيها منح الرخصة لمثل هذا النوع من المركبات. ووصف الأمر بالطامة الكبرى إذا كانت تلك المركبات غير مرخصة. وأضاف أحمد أن أية مركبة غير مرخصة بحسب قانون المرور, يتم حجزها إلى حين ترخيصها ( إلا إذا كانت هناك اعتبارات أخرى ).
إدارة المرور
وللوقوف على كيفية منح الترخيص لمثل تلك المركبات والتصاديق الخاصة بالنقل العام, قمنا بمقابلة الإدارة العامة للمرور بولاية الخرطوم, والتي قامت بتوجيهنا إلى شركة الوكيل للخدمات المرورية والتي يقع على عاتقها مسؤولية صلاحية المركبات العامة إذ أنها المسؤولة عن فحص المركبات آلياً واستخراج شهادة صلاحية بموجبها تتم عملية الترخيص.
حالة إحباط
تجولت”الإنتباهة” داخل مجمع الخرطوم للفحص الآلي, حيث وجدنا أعداداً هائلة من المركبات الخاصة داخل المجمع مقابل ثلاثة فقط من المركبات العامة. حيث قال صاحب إحدى المركبات العامة إنه جاء للفحص حتى يتمكن من ترخيصها وتحويل ملكيتها إذ أنه قام بشرائها حديثا من ولاية القضارف, ويحتاج الى ترخيصها من مرور ولاية الخرطوم. أما الآخر فقد تم إرجاعه لإصلاح بعض الأعطال ومن ثم المعاودة مرة أخرى لإدخال مركبته للفحص واستخراج شهادة الصلاحية. وقال لـ(الإنتباهة (عشان الجرجرة دي الناس بتزوغ ) وخرجنا من ذلك المجمع ونحن نشعر بحالة من الإحباط , وسوف تظل تلك المركبات المتهالكة قيد التشغيل .
شروط الترخيص
وحتى يكتمل التقصي والبحث لإيجاد حقيقة الترخيص ومخالفة بعض سائقي المركبات واستغلالهم الطريق العام دون وضع صحة الناس والبيئة في اعتبارهم, توجهت “الإنتباهة” حسب توجيهات إدارة المرور إلى المهندس بشركة الوكيل عصام الدين الدوش, الذي أوضح أن الفحص الآلي يعمل على إدخال معلومات أساسية للمركبة أهمها العلامة التجارية ورقمها ورقم الشاسي ورقم اللوحة , هذه هي المرحلة الأولى, أما المرحلة الثانية فهي إدخال بيانات صاحب المركبة من مستندات رسمية ومن ثم إكمال مبالغ الفحص وملء الاستمارة التي بموجبها يتم فحص المركبة آلياً وتحديد ما اذا كانت المركبة صالحة أم غير ذلك، فإذا كانت صالحة تمنح شهادة صلاحية تؤكد سلامة المركبة عبر رقم تسلسلي يتم بموجب تلك الشهادة ترخيص المركبة واستخراج تصديق الخط. ولا تتعامل الإدارة العامة للمرور مع أية مركبة لم تكمل تلك الإجراءات ,ونفي أن يكون هناك ارتفاع في قيمة الترخيص مقارنة بتكلفة تشغيل الفحص ليكون مهرباً من أصحاب المركبات، وأضاف الدوش ان أية مخالفة داخل المركبة لا يتم منحها شهادة الصلاحية لأن هنالك معايير للمركبة من الناحية الفنية من فرامل وماكينة وطلمبة الوقود, فضلا عن الناحية الخارجية من الشكل الخارجي ويطلق عليها الحالة العامة والمقاعد بجانب زجاج السيارة, فضلاً عن إضاءات الإشارات، فإذا كانت هنالك مخالفة في أحد هذه الأشياء لا تمنح المركبة تلك الشهادة وبالتالي لا يتم ترخيصها إذ يعتبر الفحص الآلي مكملاً لعملية الترخيص .
خفض الحوادث
ومع تطور آليات الفحص ودقتها, يقول مدير محطات الفحص الآلي بالولايات المهندس عز الدين عوض لـ”الإنتباهة” إن الفحص في السابق كان فحصاً تقليدياً، أما الآن فقد أصبح آلياً, وأضاف أن هناك 26 مركزاً للفحص الآلي بالولايات بجانب 11 مركزاً بالعاصمة، وقال الفحص الآلي أسهم بشكل أساسي في تحقيق السلامة المرورية, حيث أنه عمل على انحسار نسبة الحوادث إلى حد ما, وأضاف أنه ومن الناحية الاقتصادية من حيث المحافظة على جودة المركبة من خلال الفحص السنوي لها.
معايير خاصة
وبما أن مشكلة المركبات العامة وتهالكها أمر يخص المجتمع بشكل مباشر, نجد أن مدير إدارة الفحص الآلي بشركة الوكيل لخدمات المرور المهندس ياسر آدم سبيل, قد كشف أن مشكلة المركبات العامة هي مشكلة متجذرة وتحتاج إلى مراحل لإيجاد حل جذري لها, وأضاف أنها لم تدخل الفحص الآلي منذ فترة طويلة, وقال إنها تحتوي على أعطال كثيرة, وتحتاج إلى عدة مراحل لإدخالها الخدمة. مضيفا أن هناك مركبات عامة قد انتهى عمرها الافتراضي, ولابد من وضع معالجة عاجلة مع أصحابها . وقال ياسر إن ما يأتي للفحص الآلي الذي يرتبط ارتباطاً مباشراً مع عملية الترخيص لا يتجاوز الـ 10 % من جملة المركبات العامة التي تعمل داخل ولاية الخرطوم, وأضاف ان دخول اية مركبة للعمل في نقل الركاب يحتاج الى معايير خاصة لابد من توافرها أهمها سلامة الفرامل ومخلفات العادم بجانب الماكينة ومحتوياتها فضلاً عن الإطارات وقوة فراملها بجانب الطبلون والإشارة الداخلية واليدوية. وقال إن كل هذا يحتاج الى مراحل لصيانتها . وأضاف ان هناك تنسيقا كاملا بين الشركة والإدارة العامة للمرور للخروج بمركبات صالحة لنقل المواطنين داخل الولاية. وكشف عن عدم دخول بصات الولاية للفحص الآلي منذ مزاولتها للعمل في النقل العام ,وشدد على ضرورة الفحص الدوري للمركبات العامة أسوة بالبصات السفرية لضمان صلاحية تلك المركبات وسلامة كل من يستغلها في حياته اليومية .
خوف الأزمة :
وخلال رحلة “الإنتباهة” للبحث عن الحقائق, تحصلت على كثير من المعلومات الخطيرة المتعلقة بشأن عدم حجز المركبات العامة التي لم تمنح شهادة الترخيص من إدارة المرور, إلا أن المصدر الذي أدلى بتلك المعلومات فضل عدم ذكر اسمه- تحسباً من العواقب المحتمل حدوثها . وقال إن إدارة المرور تتفادى تنفيذ حجز المركبات تخوفاً من حدوث أزمة في المواصلات. وقال إن عدم الحجز كان أمراً صادراً من قبل حكومة الولاية , الأمر الذي أدى إلى تمادي أصحاب المركبات العامة والتهرب من عملية الفحص والترخيص والاكتفاء بإيصالات المخالفات اليومية .
تحقيق: أم بلة النور
الانتباهة