صدمتني طريقة تحرير الخبر وصياغته صدمة مروعة، إذ قرأت في عدة مصادر صحفية الخميس 23 يناير، أن اتفاقاً عُقد بين محليتي جبل أولياء والقطينة على ترسيم الحدود بينهما، وكأن إحداهما تابعة لدولة مجاورة، فقلت لزميل، ينبغي أن لا يُصطلح على تقسيم الوحدات الإدارية بـ(ترسيم الحدود) حتى لا تُبث رسائل خاطئة، فتعتقد كل (حِلة، وقرية، وبلدة ومدينة، وعُرصة، وحارة) أن لها حدودها الخاصة التي ينبغي عليها تأمين حمايتها من سكان القرية المجاورة (فتكُج) حاجزاً وتفرض رسوم عبور وتطالب بتأشيرات دخول، ثم تعلن الحرب على كل من ينتهك سياداتها و(تولع الدنيا) كلها.
لا يمكن أن نطلق على عملية (تقسيم) المحافظات والولايات والمدن والأرياف لوحدات إدارية (ترسيم حدود)، لكن لأن الخدمية المدنية القائمة الآن خرقاء وبلهاء وغير مؤهلة، فإنها تسك مصطلحات دولية لتوصيف حالة إدارية محلية، فتثير بذلك الفتن والقلاقل والمشاكل بين المواطنين وحتى بين العشيرة الواحدة التي تتوزع على قريتين متجاورتين.
وهذا ما حدث بالفعل، إذ حملت الصحف أنباءً عن صراع (حدودي) بين محليتي هيا (البحر الأحمر) و الدامر (نهر النيل)، على خلفية مناجم تعدين (أهلي) تقع في (المنطقة) المُتنازع عليها والمعروفة بوادي العشاري، حتى أم معتمد (هيا) إبراهيم طاهر وصف في تصريحات صحفية أوردتها الزميلة السوداني، محلية الدامر بأنها لم تراع الجيرة ولم تحترم القانون والعرف، وسلكت سلوكاً شائناً لا يشبه مؤسسات الدولة، وذلك بتعديها السافر على حق أصيل من حقوق البحر الأحمر في وادي العشاري. وأضاف: أن كومة ولايته لن تتخلى عن أحقيتها بوادي العشاري وستثبت ذلك بالوثائق.
كلام قوي جداً، لم يقل به أحد حتى في خلافتنا الحدودية مع بعض دول الجوار التي اقتطعت أجزاءً من السودن ووضعتها تحت إدراتها وأمرتها، وها هي محلية هنا توقع اتفاق ترسيم حدود مع أخرى، ثم تأتي محليتان ثانيتان تختصمان بوثائقهما تعرض هذي وتعرض تلك.
دعوني أقول لكم، مالم يتم إصلاح الخدمة المدنية، فإن كل شيء سيؤول إلى رماد، فلو كان على رأس تلك المحليات إداريون أكفاء ومؤهلون لسموا الأشياء بأسمائها الحقيقة (دون خلافات حدودية وترسيم حدود) ومضوا بها إلى حلول سلسة دون سبيل الصحافة والإعلام والتصريحات.
ثم ما معنى التعدين الأهلي (ذاتو)، هذا مصطلح غبي وباهت، لكنه مميت وقاتل، لأن الثروات، كل الثروات التي في باطن الأرض وظاهرها هي ملك لكل الشعب، ملك للدولة (المركزية) توزع على المواطنين والولايات بعدالة، فلا يمكن أن تقبل الحكومة بهذا المنطق وتتواطأ إزاءه بالصمت، (يعني وادي العشاري) دا، لو وزارة التعدين دي فاكاهو ساي، ينبغي أن تفكو لكافة المواطنين من البحر الأحمر أو النيل الأزرق أو خور أبو حبل، دونما تمييز، أو تمسكوا بإحسان إدراي (يعني يكون تابع ليها إدارياً) وتفك الغلابى من أبناء وبنات السودان كله، يرتعوا من (جوفه الثري) إلى إنجلاء الظروف الصعبة، ثم تستعيده لصالح المركز.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي