مِن (التحرير) إلى (الدفاع) .. ضد مَن ؟!

جوهر ما ترتبت عليه الخُطوة ، يستحق أن يُنظر لها نظرة إدراك .. أما الخُطوة فهي ما يُمكن وصفها بالانقلاب المُفاجئ لدولة الجنوب على الاسم القديم للجيش والذي كان يحمل دلالات عدائية لافتة ،

إذ كيف يمُكن فهم نوايا قوات نظامية لدولة ما تحمل اسم تحرير دولة جارة .. فتغيير اسم الجيش الشعبي لتحرير السودان إلى قوات دفاع الجنوب خطوة مهمة للغاية ، لا يستقيم أن يُنظر لها نظرة إعراض.
معلوم أن أغراضاً حول التسمية السابقة كانت حاضرة منذ الخروج الأول للقوات الجنوبية على الجيش السوداني .. إذ كانت تروم من هذا الخروج عودة شاملة ليست للتبعية المحدودة للقوات المُسلحة إنما للسيطرة على كامل التراب السوداني ، وهو ما كان يُعرف بالسودان الجديد.. بيد أن هذا الحُلم بدأ يكبُر رويداً رويداً حتى صار هدفاً ومقصداً .. ووُضِعت له السياسات وجُيِّشت له الجيوش ورفعت البيارق والبنادق .. كان مخاض هذه التعبئة السالبة ولادة شعور لدى شعب الجنوب بأحقية شرعية في كامل التراب السوداني المسلوب ، وأن اليوم الذي يعود فيه الحق إلى أهله قد لاح .. إلا أن عوامل أُخرى جعلت هذا المنال يتبدَّل ، وتقهقرت الرغبة الكاملة إلى جزئية .. وانفصل الجنوب.
بعد أن أصبح الجنوب دولة انخفض نبض السودان الجديد وأُدخل العناية المُكثفة وصار الشعار يُردَّد كِفاحاً عبر حناجر محدودة ، وكان الوحيد الذي يُذكِّر بهذا الشعار هو اسم الجيش الشعبي لتحرير السودان ، إلا أن الجيش الشعبي انخرط في صراعات مُتتالية أفقدته القُدرة على تحقيق مُراده القديم ألا وهو تحرير السودان .. فبدلاً عن ذلك غاص في عبودية حقيقية وأصبح أداة طيِّعة في يد القبيلة وخاض الحُروب باسمها وانتهك الحدود بأمرها وسبحت على يديه الدولة الوليدة في بركة من الدماء.
يبدو أن القيادة الحالية للدولة المأزومة ، انتبهت أخيراً إلى الحالة المُتأخرة ، وقرَّرت اتخاذ خطوة تصحيحية في مسار كله أخطاء .. وإن كنتُ مُحقاً فإن الخطوة بدأت بتضحية كبيرة إذ استغنت حكومة الجنوب عن مهندس الحرب الأول والمُقرَّب من سلفا كير ، الفريق ملونق أوان رئيس هيئة أركان الجيش للدلالة على التوبة ، أو ليُقال أن ملونق كان يقود الجيش إلى مستنقع هذه الانتهاكات وتحقيق التوبة تتم بالتخلُصِ منه ، وفي التخلص بهذه الطريقة رسالة مُضلِّلة مفادها أنه لا كبير على الإزاحة طالما أنها تُوقف انتهاكات الجيش وتفتح صفحة جديدة .. ثم جاءت خطوة تغيير اسم الجيش إلى قوات دفاع السودان للدلالة على أن هناك استهداف ، فالدفاع لا يؤسس إلا على استهداف.
مهما يكُن من إجراءات .. فإن الذي يلينا هنا أن هذه الخُطوة تتطلب نظرة إدراك ، إذ أن التخلُّص من العبارات التحريضية قد يُسهم في تهدئة النفوس .. غير أن لفظة (دفاع) تُولِد التعاطي معها بحذر .. فهي لفظة مُفخخة تستجدي العواطف وتطلب النُصرة .. وأخطر ما في هذا الطلب هو .. ضد من ؟! .

عصام الحسين
smc

Exit mobile version