تحدث زلات اللسان، التي توقع الانسان في حرج بالغ أو قد تكلفه وظيفته وسمعته، بسبب ارتجال البعض الكلام، حيث ينبغي ان يكون الكلام مرتبا، وكل كلمة وعبارة فيه محسوبة. وفي الوقت الراهن، لا يكاد يمر يوم من دون أن يمارس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التخبيص والتهريج، عبر تويتر، عندما يقوم بإطلاق تغريدات وهو في لحظات انفعال.
والتاريخ العربي المعاصر يقدم أطنانا من نماذج الزلل اللساني من الزعماء محترفي الخطب من فئة المعلقات، وتكون تلك الخطب مرتجلة فيسرح الزعيم الملهم ويمرح ويشطح وينطح كلما علا التصفيق، ويقول كلاما يناقض كلاما سبق ان قاله في مناسبة ما، أو يصدر عنه تجريح في فئة من الناس، ومن أقوال الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي المتداولة: إن المرأة ذكرا كانت أم أنثى… ثم وصفه من انتفضوا ضد حكمه بالجرذان والمساطيل.
كان الممثل المصري سمير صبري قد برع في تقديم برنامج »النادي الدولي« الذي كان يستضيف فيه من يسمون أهل الفن، وفي ذات برنامج داعب إحدى الراقصات قائلًا »أنتِ من بلد الرئيس؟«، وكان أنور السادات وقتها هو »الرئيس«، وبعدها تم إيقاف البرنامج فورا، فرغم أنه لم يكن يقصد الإساءة الى الرئيس، إلا ان الربط بين بلد الراقصة وبلد الرئيس، كان من قبيل الحشو السخيف الذي لا مبرر له.
وكان السادات قد اختار لنفسه لقب الرئيس المؤمن، ولكن أحد مذيعي نشرة الأخبار قال أثناء قراءته للنشرة »الرئيس المدمن« محمد أنور السادات، وتم تسجيل الخطأ من جانب إدارة التنفيذ والمتابعة، وخضع للتحقيق أمام لجنة كان يرأسها المذيع محمود سلطان، الذي رفع التقرير إلى رئاسة الجمهورية لتوقِّع الجزاء المناسب، فما كان من أنور السادات إلا أن أمر بحفظ التحقيق، مؤكدا أن ما حدث مجرد خطأ عفوي وقع لتشابه كلمة »مدمن« مع كلمة »مؤمن«، وخاصة أن التسجيل تكررت فيه كلمة »مؤمن« أكثر من مرة، بينما لم ترد كلمة »مدمن« سوى مرة واحدة.
ثم جاءت زلة مذيعة قناة التحرير المصرية، حينما علقت على حادثة تحرش وقع في ميدان التحرير، خلال الأوضاع المضطربة التي شهدتها مصر بعد الإطاحة بحكم حسني مبارك، ومن بعده بمحمد مرسي، بقولها: »مبسوطين بقى خلي الشعب يهيص«، فكان من الطبيعي أن يتم تفسير تلك الجملة على أن المذيعة تعتبر التحرش الجنسي ضربا من الانبساط المشروع، رغم أن كل ذي عقل يدرك أنها لم تكن تقصد ذلك، ولكنها وقعت في الخطأ الجسيم بسبب خفة اللسان، وعدم التفكير في ما ستقوله قبل ان تقوله )وهذه عادة عربية متأصلة: نطلق الكلام ثم نفكر في ما قلناه لاحقا(، وبداهة فقد تمت محاسبتها وإيقافها عن العمل بعض الوقت.
وزلات اللسان عند الإعلاميين قد تكون بالسلوك غير المهني بإحراج ضيف يشارك في حوار، بعبارات غير لائقة مثل: هذا تهرب من السؤال، أو بمقاطعته باستمرار قبل أن يكمل طرح وجهة نظره، أو مخاطبته بنبرة صوت مرتفعة أو غاضبة، كما حدث مع إعلامية تعمل في قناة تلفزيونية مصرية، كانت تحاور السفير الإثيوبي لدى مصر الدكتور محمود درير، عبر الهاتف، واشتد النقاش بينهم حول قضية سد النهضة، حينما جعلت المذيعة نفسها طرفا في قضية السد، وليس مجرد محاوِر غايته بحث الأمر من كافة جوانبه، ومع أنه كان من حقها ان تطرح وجهة النظر المصرية، إلا أنها ظلت تخاطب السفير بانفعال تجلى في ارتفاع نبرة صوتها، فعاتبها وحذرها السفير أكثر من مرة من مخاطبته بذلك الأسلوب، فما كان من مقدمة البرنامج إلا أن أنهت الاتصال من دون مقدمات، ما تسبب في إنهاء إدارة القناة العقد معها.
زاوية غائمة
جعفـر عباس