*خرجت أطباق الثريد عقب صلاة العشاء كالعادة..
*ولكن كالعادة من غير لحم…منذ أن أُخذت البلاد بالبأساء والضراء..
*ولا أحد يسأل: وأين لحم هذا المرق ؟…فهو هناك بالداخل..
*داخل بيت الحاكم الذي لم يترك (عادة) أكله حتى في تلكم الظروف..
*أو في أحلك الظرف، حين يُؤخذ الناس بالسنين ونقص الثمرات..
*وأما الذين أُخرج لهم الثريد فهم أفراد الحراسة الخاصة..
*ويُطلق على كل واحد منهم لقب (ملازم)…لأنه يلزم دار الحاكم ولا يفارقها..
*وأحد الملازمين هؤلاء كان ذا عينين زرقاوين…وبشرة بيضاء..
*فقد أذله الحاكم بهذه الوظيفة رغم علو مكانته العسكرية- والسياسية- في السابقة..
*بيد أنه استثناه من المبيت أمام الباب كبقية الملازمين..
*وخصص له – مشكوراً- داراً…وأثاثاً…وخدماً…و(رفيقة) اختارها له غصبا..
*وكانت أرملة مصرية…سماها الناس (فاطمة البيضاء)..
*أهداها له بعد أن قضى منها وطرا…وكلفها بمهمة التجسس عليه..
*كان يوجس منه خيفة….ويشك دوماً في ولائه له..
*وفي تلك الليلة لم يأذن له بالانصراف في مثل ذلكم الوقت…كالعادة..
*أي عقب الفراغ من صلاة العشاء…وطعام العشاء..
*فقد طال زمن اجتماعه بالداخل…وزمن يقظة الملازمين بالخارج..
*وكان اجتماع الداخل يناقش قضية الساعة…رسمياً..
*وتسامر الخارج يناقش القضية ذاتها…شعبياً..
*وقضى الأول بفرض المزيد من الرسوم…والضرائب…والإتاوات…على الناس..
*واكتفى الثاني بتحميل الناس أسباب الأزمة…جراء (أفعالهم)..
*ولم يدهش الملازم لكلام زملائه الملازمين..
*فجلهم – تقريباً- ينتسبون إلى الحاكم ؛ قبلياً…وسياسياً…و(مالياً)..
*وقبيل منتصف الليل انفض الاجتماع…وخرج المجتمعون..
*وأُذن للملازم بالانصراف…فقام مسرعاً نحو داره وهو يقاوم النعاس..
*داره التي أضحت اليوم جزءاً من دار الحزب العتيق..
*وكان السكون يخيم على المدينة إلا من أنين الجوع…..هنا وهناك..
*حتى الكلاب كانت تئن من الجوع…عوضاً عن النباح..
*وقرب المكان الذي بات اليوم ملعباً رياضياً عريقاً شاهد منظراً غريباً..
*شاهد- على ضوء القمر- كتلة دهماء تضطرب..
*فلما اقترب منها رأى نسوة ينحنين فوق (شيء)…وشعورهن منسدلة على وجوههن..
*ولم يكن ذاك الشيء سوى جحش مسكين يحتضر من الجوع..
*والنسوة ينهشن لحمه – بوحشية – من شدة الجوع..
*وعندما دلف إلى منزله – مكتئباً – لم يجد فاطمة (البيضاء)…رغم تأخر الوقت..
*وبعد ساعة دخلت وهي تتحجج بزيارة أمها التي طردها..
*قالت إنها ذهبت إليها بطعام…وانتظرت حتى تهدأ حركة (الرجال) في الشارع..
*وصدقها؛ لولا إنه افتقد وريقة سرية…أتاه بها زائر سري..
*وكانت الجاسوسة سبباً في تعجيله بهروبه السري قبل تعاظم مخاوف الحاكم..
*ولكن بعد أن استغلها هي نفسها كعميل مزدوج !!!
صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة