(شاطر ومُفتِّح)!

-1- قُلتُ لرجل أعمالٍ نشطٍ في المجال الزراعي: كيف وجدتم الوزير الجديد دكتور (عبد اللطيف العجيمي)؟ أي نوع من الوزراء هو؟
مصدر سؤالي، ملاحظة أن هذا الوزير لا تكاد تسمع له ركزاً ولا همساً!

قال لي رجل الأعمال: لا نستطيع الحكم عليه بعد، لكنَّ هنالك مؤشراً قوياً يُوضِّح أنه وزير (شاطر ومُفتِّح)، جدير بالمنصب الذي يتبوَّأه، وسيمضي في الاتجاه الصحيح.
-2-
شهادة محدثي زادت من رغبتي في معرفة حيثيات ذلك التوقع المُتفائل.
قال رجل الأعمال، إن الوزير رفض تقديم تقرير دوري للبرلمان، تم إعدادُه على عجل وبكسل من قبل الإداريين بالوزارة.
التقرير حوى معلوماتٍ وتقديراتٍ وأرقاماً ونسباً، بعضها غير دقيقٍ وآخر غير صحيح البتة.
هكذا هم (ترزيَّة) التقارير في كُلِّ مكان، يستغلُّون عدم معرفة المسؤولين أو عدم اهتمامهم، فيُغرقون التقارير بالمعلومات والجداول وزبد الإنشاء، ويجترحون أرقاماً ونسباً تُؤدِّي غرض (خم) المستمعين أو المُطَّلعين من غير أولي المعرفة أو أولي الصبر.
-3-
تُوجد في تلك الوزارات ثقافةٌ متوارثةٌ لخداع المسؤولين، قد يكون الدَّافعُ لذلك تحايلياً، لغرض مُتعلِّقٍ بفساد، ولكن في الغالب هو نتاج كسل روتيني راسخ في تلك الوزارات.
قبل فترة، رويتُ عليكم ما قاله لي صديقٌ عزيزٌ في لحظات صدق، وهو من كتبة التقارير الرسمية المُفبركة.
قلت لكم:
صديقي صحفي عُرِفَ عنه التميُّز في الصياغة، والبراعة في العرض والتحرير، وانتقل للعمل في إحدى الوزارات، وقال لي: (بعد عشر سنوات من العمل في الوزارة، أصبحت لي خبرة وتجربة ثرَّة في تدبيج التقارير، التي يُسَرُّ لها المسؤولون).
-4-
تقارير تُجمِّلُ الواقع، وتستر العورات وأوجه القصور، وتُشعِرُ المسؤول أن في عهده تحقَّقت كثيرٌ من الإنجازات، التي من حقِّه التباهي بها في الاجتماعات الرسمية، وفي أجهزة الإعلام، وما لم يتحقَّق فهو قيد التنفيذ!
سألت زميلي عن أهم القواعد التي يتَّبعونها كي تخرج التقارير بصورة مقُنعة ومُرْضِية؟!
من الواضح أن سؤالي وقع لديه في موضع سرور وفخر، فشرع يحكي لي بحماس أساليبَهم وفنيَّاتِهم في ذلك.
قال إن أهمَّ قاعدةٍ تُحدِّد نجاح المُهمَّة أو فشلها، مدى معرفة كاتب التقرير بنفسية المسؤول.
ما يُحب ويكره، المخاوف والمصالح.
إذا كان مولعاً بالمعلومات تُكثر له منها، وإذا كان يطمئن للأرقام، فكل معلومة تُلحَق برقمٍ أو نسبة.
أغلب المسؤولين لهم من المشاغل والمهام العملية والاجتماعية ما يجعلهم يكتفون بمتابعة التقارير، التي تُوجز ولا تُسهب، تُجْمِل ولا تُفصِّل.

-5-
أكثر ما أدهشني في إفادة الزميل السابق، أن بعض المسؤولين يُحبُّون الموظفين البارعين في خداعهم، ولكن بذكاء وبصورة لا تمس كبرياءهم الوظيفي!
أسوأ المسؤولين في نظري، هم قليلو التجربة والمعرفة، محدودو القدرات الذين يسهل خداعهم والتلاعب بعقولهم، وتشكيل تصوراتهم تجاه المواقف والأشخاص بالتقارير المُزيَّفة.
أكاد أجزم أنه إذا تمَّت إعادة فحصٍ وقراءة مُدقَّقة لأغلب التقارير التي تُقدَّمُ من الوزراء إلى البرلمان، سيُكتَشفُ أنها مُعادةٌ ومُكرَّرةٌ مع إحداث تعديلات محدودة.
-6-
السببُ الأساسيُّ الذي أدَّى لتلك العاهة المُزمنة، والقصور الدائم في أداء المؤسسات العامة، هو عدم وجود جهات فنية ذات اختصاص، دورها وصلاحياتها التحقُّق من صحة المعلومات والأرقام والنسب التي تَرِدُ في التقارير الرسمية.
أهم قواعد الإدارة: (ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته).

-أخيراً-
إذا لم يصل كُتَّاب التقارير الديوانية إلى أن ما يكتبونه سيُفحص ويُمحَّص، ستكون مُؤسَّساتنا العامة غير قابلة للتطور والإصلاح، وقابعة في قاع مُتلازمة الفشل والفساد.

بقلم
ضياء الدين بلال

Exit mobile version