في هذا الحوار، حاولنا أن نقف على الوجه الآخر من شخصية رئيس حزب الأمة القومي الإمام “الصادق المهدي” مصحوباً بآرائه السياسية والفكرية، التي نشرت في ثلاث حلقات سابقة، لنكشف للقارئ مزيداً من الأبعاد التي أثرت على مسيرة “المهدي” سياسياً وفكرياً، بجانب آرائه في الدعوة المهدية باعتباره من المجتهدين في البحث والدراسة حول الإسلام في القرن العشرين، والقضايا المتعلقة بإحياء الدين.
يُحمّل كثير من المراقبين والمتابعين، ومقربون إبان فترة قيادة “المهدي” لمجلس الوزراء، يحملونه مسؤولية انقلاب (89)، وجهات روجت لمعلومة قالت إنها ملكت لرئيس مجلس الوزراء بمذكرة داخل القوات المسلحة يقودها وقتها الشهيد “الزبير محمد صالح” بجانب تحذيرات نمت إلى علم بعض الجهات بانقلاب وشيك، ومن خلال إجاباته يبدو أنه ألقى اللوم على جهات قال إنه وثق بها.. فإلى مضابط الحوار.
{ الحركة الإخوانية بالسودان هل في اعتقادك نقلت تجربة الحاكمية وبذلك تكون بدأت بالفشل؟
– الحركة الإخوانية في السودان ما في شك لعبت دوراً مهماً في التصدي للتمدد الشيوعي في أوساط الطلبة وحتى في الأوساط الدينية والمحافظة، وهذا دور مهم قامت به الحركة ذات المرجعية الإخوانية في السودان، وهذا ما جعلنا نحن نقبل التحالف معها في تلك المرحلة، تحالف لصد التيار أو التمدد الشيوعي، لكن نحن كان واضحاً لنا تماماً أننا نريد أن ننقذ الفكرة الإسلامية في السودان من أن تقع في الأخطاء التي وقعت فيها الحركة الإخوانية في مصر، لذلك كونا معهم (جماعة الفكر والثقافة الإسلامية)، وفكرتها أن نقول نعم لتطبيق الشريعة، ولكن يجب أن نراعي الآتي: ضرورة عمل اعتبار لأن السودانيين ليس كلهم مسلمين، لا يمكن أن نعمل على تطبيق الشريعة بوسائل غير ديمقراطية لأن هذا يخلق فتنة بين المسلمين ويعطي فرصة للتدخل الأجنبي، لذلك كونا ما سميناه دستور جماعة الفكر والثقافة الإسلامية، هذه كان يفترض أن تكون ضوابط لأي حديث عن تطبيق الشريعة.. الحركة الإخوانية التي مشت في السودان أخطأت خطأ كبيراً بمضيها في خط مجافٍ للمعاني المتفق عليها في (جماعة الفكر والثقافة الإسلامية)، ونتيجة لهذه المجافاة دعموا بصورة مطلقة تشريعات “نميري” المسماة (قوانين سبتمبر) التي عارضناها ودخلنا السجن بسبب المعارضة، وهم أيدوها وصاروا جزءاً من السلطة، هذا أصبح فراقاً بيننا وبينهم لأنهم عدّوا (قوانين سبتمبر) اتجاهاً سليماً للإسلام، ونحن عددنا (قوانين سبتمبر) تشويه للإسلام وعارضناها.. المرحلة الأخرى التي حدث فيها بيننا فراق كامل هي أنهم فكروا في تطبيق الشريعة عن طريق الانقلاب العسكري ونحن كان رأينا أن الانقلاب العسكري ليس وسيلة صحيحة لتطبيق أي برنامج، بل يؤدي لضرر بالغ.. والشيء الثالث الذي خلق فراقاً تماماً بيننا وبينهم أنهم جعلوا إعلان تطبيق الشريعة وسيلة لإقامة نظام استبدادي، فيه نفي للآخر ويدعم الدكتاتورية والتمكين وقهر الناس، وهذه كلها أشياء مناقضة تماماً لمبادئ الإسلام الأساسية، لأننا كنا نقول وما زلنا ما ممكن الإنسان يدعي الإسلام ما لم يقبل حقوق إنسان يدعو لها الإسلام.. أولاً- الكرامة، ثانياً- الحرية، ثالثاً- العدالة، رابعاً- المساواة، خامساً- السلام.. هذه ضوابط من لا يلتزم بها لا يمكن أن يدعي أن تجربته إسلامية، وعلى هذا الأساس صار الخلاف بيننا أساسياً وكذلك الخلاف بيننا وبينهم، هم مربوطون بحركة إخوانية عالمية ونحن ليس لدينا صلة بهذه الحركة الإخوانية العالمية، ونفتكر أن تجربة الإسلام فريدة ولا بد أن تُحترم لهذه الأسباب، بالرغم من أنه كان بيننا مراحل وفاقية إلا أن هذه التصرفات وهذه الأشياء أدت لخلاف أساسي بيننا وبينهم، ونتيجة لهذا الخلاف هم تآمروا ضدنا وأحدثوا انقلاب يونيو 89 وهو موجه في المقام الأول ضدنا، واستمر هذا الانقلاب سياسته تشهر ضدنا العداء وصار بيننا وبينهم تمايز تام حول مفهوم الإسلام.
{ البعض يوجه لك اتهاماً واضحاً بأنك تساهلت في التحرك تجاه معلومة وصلت لك قبل الانقلاب من قبل الاستخبارات؟
_ لم تأتني أي معلومات لا من الاستخبارات ولا من جهة غيرها.. بالعكس أنا قلت لا يوجد عاقل يقوم بانقلاب خاصة في ظل ظروف قائمة منها (مشكلة الجنوب والمسألة الاقتصادية والمعيشية)، وكل الانقلابات السابقة لم تتعرض لقيادات البلد في ذلك الوقت، فانقلاب (17) نوفمبر أكرم السيد “عبد الله خليل” ولم يعتقله لأنه كانت في صلة، وانقلاب (25) مايو أكرم سيد “محمد أحمد محجوب” لجهة أن السلطة وقتها عدّته بصورة أو أخرى متعاطفاً، أما انقلاب (30) يونيو فقد وجه كل عدائه لـ”الصادق المهدي” وحزب الأمة، كل عدائه، أول ما قام به زج بي في السجون وأول من دخل بيوت الأشباح أنا، واجهوني بمحاكمة سموها ميدانية في 2 أكتوبر 1989م كل ما يمكن من إساءة وهجوم وقع على شخصي وحزب الأمة، وصادروا أشياء تخصنا، فكيف يقال مثل هذا الحديث.
{ إذن ما الذي طمأنك وقتها.. خاصة في ظل وجود محاولة لمذكرة سبقت الانقلاب؟
_ وقتها، أنا عندما حصلت المحاولة التي اتهم فيها “الزبير” ومن معه قبل الانقلاب، قلت بوضوح ما في عاقل في هذا الوقت يعمل انقلاب، وبعد كتابة مذكرة فبراير 1989م من قبل ضباط بالقيادة العامة للجيش، أنا واجهت هذه المذكرة ورفضتها، وعملت على إيجاد حل سياسي لها، وفعلاً وجدنا حلاً ولكن نتيجة لذلك أنا استدعيت القائد العام ونائب القائد العام رئيس هيئة الأركان، وكان في ذلك الوقت “مهدي بابو نمر”، وقلت لهم أنتم عندما قمتم بعمل هذه المذكرة عملتوا تنوير للقيادات وهذا خلق جو انقلاب.. صحيح أنكم لا تريدون القيام بانقلاب لأن المذكرة نفسها مناورة، لكن على أي حال، نحن مستعدون نعمل النظام الديمقراطي ولكن هذا يستفز القوات المسلحة، ولذلك أنا أريد أن تؤكدوا لي إذا كنتم تستطيعون حماية النظام الديمقراطي فبها، وحال عدم استطاعتكم فنحن مستعدون، قالوا لي (نحن إذا تحركت نملة نستطيع أن نواجهها).. أنا أصبحت معتمداً على القيادة العامة وأن لديها إمكانية أن أي تحرك يحصل تواجهه، ولكن للأسف لم يكن لديهم هذا الوعد الذي قالوا، وعلى أي حال “مهدي” موجود والقائد العام توفي، وأي كلام عن أن لديّ معلومة كذب في كذب في كذب، لأنه كما قلت الدليل على أن هذا الانقلاب موجه ضدي وضد حزب الأمة في كلامهم وسلوكهم في كل الانقلابات السابقة الرئيس المعني يتعامل معه بلطف واحترام، وأنا تعاملوا معي بقسوة شديدة جداً باعتبار أنهم أشهروا عداءً شديداً ضد “الصادق” وحزب الأمة.
{ هل هناك شخصيات محدده تعتقد أنها تقود مفاهيم خاطئة؟
_ لا أريد التحدث عن أشخاص، لكن هم مشتركون في رأيي في فكرة تطبيق الشريعة بوسائل انقلابية، وهذه الفكرة خاطئة وهم الآن بصورة أو أخرى مدركون أن هذه الفكرة خاطئة.
{ ما رأيك في ما تداولته بعض وسائل الإعلام السعودية عن موقف الإمام المساند لقطر وعلاقة تربطه بتنظيم الإخوان المسلمين؟
_ أولاً أنا إمام لدعوة مختلفة تماماً في اجتهاد الإسلامي من الاجتهاد الإخواني، ثانياً نحن ليس لدينا علاقة خاصة مع قطر أو أية دولة في الخليج وأي حديث عن علاقة خاصة لنا كذب وافتراء.. هاتان نقطتان.. وأقول لك إننا لا تجمعنا أي علاقة بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، بل التنظيم وقف مع المؤامرة ضدنا، والشواهد على ذلك أن السيد “يوسف القرضاوي” لما سئل: هل يجوز القيام بانقلاب لتطبيق الشريعة؟ قال: إذا كان مثل انقلاب السودان– يعني ضدنا– نعم.. فالتنظيم العالمي كان واقفاً ضدنا، أيضاً القيادي الإخواني “فهمي هويدي” عندما جاء لزيارة السودان قال عبارة تعبيراً عن مجلس قيادة الثورة (مجلس الصحابة الذي يحكم السودان).. كانت الحركة الإخوانية العالمية تقف بصورة واضحة مع الانقلاب الذي وقع في السودان، وأقول لك قطعاً نحن ليس لدينا علاقة خاصة بقطر ولا الحركة الإخوانية، بل هم أكثر الجهات التي استهدفتنا للأسباب التي ذكرتها.
{ إذن ماذا تسمي الحديث الذي صدر والتأكيد من بعض الجهات بموقفك وعلاقتك بالإخوان؟
_ في رأيي في ناس غير مدريكن الأحوال في السودان، ويفتكروا أن من ليس معنا ضدنا، بهذا المنطق بعض الناس الجهلاء كالوا لنا اتهامات. نحن لسنا مع أي جهة، نتحدث بحرية تامة وعندما حصلت قضية الخليج كل تيار في السودان انتمى لجهة ما، نحن لم ننتمِ لجهة ونتبنى مواقفها، وعكس ذلك، كان موقفنا واضحاً وموضوعياً ويقدم النصيحة للأطراف كلها، ووضحنا لهم أن هذه الخلافات ستضر الأطراف جميعها، لذلك قدمنا نصيحة مستقلة، لكن كما قلت في ناس جهلاء بالسودان وينطلقون من مفهوم من ليس معنا ضدنا.
{ ما قراءتك لقضية المياه وملف سد النهضة بجانب العلاقات بين الدول الثلاث.. وما تحمله زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي للسودان من أبعاد؟
_ “سد النهضة” في رأيي فيه منافع للسودان أكثر من منافعه لمصر، وفيه مضار لمصر أكثر من مضاره للسودان، هذه الحقيقة الموضوعية ونحن نعتقد ضروري جداً يكون في اتفاق يؤمن ملأة وإدارة انسياب المياه عبر السد، ويتم الاتفاق على ذلك بين الدول الثلاث حتى لا تؤذى السودان ومصر بصفتهما دولة المجرى ودولة المصب، وفي رأيي هذا ممكن، وأنا أعتقد إذا كان السودان تحكمه حكومة رشيدة تستطيع أن تدير الخلاف بين مصر وإثيوبيا بصورة برأيي فيها كسب للطرفين، ولا تسمح الحكومة السودانية أن تجعل قضية السد جزءاً من المراشقة بين مصر والسودان وإثويبيا.. السودان في موقع الجغرافي هو جار للطرفين، لذلك يستطيع أن يلعب الدور التوفيقي بين الطرفين ولا يسمح لنفسه أن يلعب دور مناورات بحيث يستخدم موضوع السد في مشاكله مع مصر، هذا مشروع غير صحيح.. وأقول لك العلاقة مع مصر مصيرية، والسد بالنسبة للمصريين قضية حيوية للغاية، والسودان يجب ألا يسمح لنفسه أن يدخل موضوع السد في مسألة المناورات في الخلافات بين الحكومة السودانية والمصرية، ولذلك أفتكر أن السودان لديه مسؤولية تاريخية أن يقوم بهذا الدور.
{ هل نتوقع أن نشهد تدخلاً مباشراً لك بشأن إيجاد حلول للقضية؟
_ نحن في حزب الأمة كحركة شعبية تعدّ نفسها لديها شرعية تاريخية وشرعية شعبية وديمقراطية، باعتبارنا في آخر انتخابات حرة كان لدينا الأغلبية، هذه المسؤولية توجب علينا أن نعمل على إنقاذ القضية حول السد من المناورات الطارئة بين حكومة مصر والسودان إلى مسائل مبدئية ومصيرية، وفي تقديري إذا كان السودان واعياً بهذا الدور ممكن أن يلعبه بصورة مفيدة بحيث أن تكون التسوية والوفاق مقبولين لكل الأطراف، وأقول لك لا يمكن أن يتم حل عبر المواجهات، أو التدخلات العسكرية، وأي مواجهة ستؤدي لمضار لا تحمد عقباها لكل الأطراف، لذلك لابد من الحلول الوفاقية.
{ هل ستجمعك لقاءات بقادة الدول الثلاث حول الملف تطرح فيها مبادرة لحل القضية؟
_ في الإطار الشعبي، نعم.. وأنا اكتب في القضية وقمت بالعديد من المبادرات، آخرها كان في لقاء جمعني برئيس الوزراء الإثيوبي، ونحن كحزب أقمنا ورشة طرحت هذه الأفكار، وسنستمر نعمل بكل الوسائل لدى إخوتنا في مصر وفي إثيوبيا حتى يكون المفهوم الصحيح هو عدم السماح لمشاكل وأزمات آنية ما بين الحكومة المصرية والسودانية أن تعرقل الوفاق المنشود حول مسألة، وقضية “سد النهضة” من القضايا المصيرية، وأي حل ممكن لا يمكن أن يكون عن طريق عسكري، بل يمكن ذلك عبر الوفاق، وأعتقد كل الأطراف المعنية ستدعم هذا، ثم إن هنالك الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وهذه الدوائر في رأيي ستكون حريصة على حل ما موضوعي لقضية السلام.
{ متى نتوقع أن تتم هذه اللقاءات؟
_ نحن نعمل على ذلك، في القريب العاجل.
حوار – مهند بكري
المجهر السياسي