البصيرة أم حمد

ذات مرة من (المراير) دخلنا أنا وزملائي في نقاش طويل مع إحدى المراجعات في المؤسسة التي نعمل بها.. حاولنا بقدر الإمكان إفهامها أن القرار الذي تحاول تطبيقه علينا لا يشملنا.. لأنه وببساطة لم يرد اسم المؤسسة التي نعمل بها ضمن المؤسسات التي يشملها القرار.. لكنها لم تتزحزح من موقفها.. بل طالبتنا بالذهاب الى الجهة المعنية واستخراج خطاب يقول اننا (لا يشملنا القرار).. وهذا آخر ما توصل اليه من بيدهم الأمر في هذه البلاد.. قرار بعدم (الاشتمال).

قرأت القرار القاضي بايقاف استيراد كل الأدوية التي يتم تصنيعها داخل البلاد.. خطوة لدعم الصناعة الوطنية وتوطين صناعة الدواء بالداخل.. خطوة جيدة.. وتبشر بمستقبل مشرق.. القرار معنون للسيد وزير المالية.. وزير الصناعة.. السيد وزير الصحة.. السيد محافظ بنك السودان.. صورة للسيد رئيس مجلس الوزراء.. والسيد الأمين العام للمجلس الأعلى للأدوية والسموم.. السادة المعنيين بالقرار.. والسادة المخطرين بالقرار.. لا يوجد بينهم وزير الثروة الحيوانية.. مما يعني تلقائياً.. بأن القرار لا يشمل الأدوية البيطرية.. حاجة كدا ما عايزه (فكاكة).. لكن تقول شنو.. فجأة.. وجد مستوردو الأدوية البيطرية.. أنفسهم تحت مظلة (الاشتمال).. ووقعت الكارثة.

لا يوجد غير مصنع (وااااحد ) في السودان يقوم بتصنيع الأدوية البيطرية.. وهو بكامل طاقته لا يمكن أن يلبي كافة طلبات السوق البيطري في السودان بكل ما فيه من ثروة حيوانية.. تقدر بالملايين.. وان كانت الدولة تريد تشجيع تصنيع الأدوية محلياً.. مرحباً بقرار مثل هذا يتم انزاله بعناية.. وبعد دراسة.. وتتم فيه اعلانات منافسة.. وفتح فرص استثمار.. لكن أن يتم ايقاف الاستيراد بين يوم وليلة.. في مجال تعمل فيه أكثر من خمسين شركة أدوية بيطرية.. تغطي السوق المحلي.. الذي بات يعاني من شح الدواء مؤخراً نتيجة لتبعات هذا القرار الغريب.. وعدم قدرة المصنع الوحيد على تغطية الاحتياجات. طيب السؤال هو.. من أين أتت فكرة (تضمين) الأدوية البيطرية في قرار لم يأت ذكر الثروة الحيوانية فيه؟؟.. القرار واضح أنه يعني الأدوية البشرية التي يعمل في انتاجها عدد من المصانع السودانية المشهود لها بالكفاءة.. والخبرة.. لذلك تعد هذه خطوة ممتازة تمهيداً للاستغناء عن الاستيراد.. لكن الأدوية البيطرية.. لا يزال الطريق طويلاً أمامها.. فالمصنع الوحيد الذي ينتج أصنافاً منها.. لا يستطيع حتى الآن تغطية السوق المحلي.. كما أنه من غير المفهوم.. منح أصحابه الاحتكارية دون غيرهم.. وحتى دون الرجوع لمن يريد الاستثمار في هذا المجال.

قرارات البصيرة أم حمد.. تلك التي تصدر ذات فجأة لتوقف أمراً دون دراسة.. ولا حتى دراية بمعرفة ما يجري على أرض الواقع.. ومن ثم يتم استدراك الخطأ.. ومحاولة معالجته بعد أن تقع الفاس في الرأس.. حتى متى يستمر هذا الوضع؟؟.. وحتى متى تظل الثروة الحيوانية بلا وجيع.. ولا بواكي.. تطبق عليها قرارات لا تشملها ولا يتم ذكرها حتى ولو على سبيل (تمومة الجرتق)؟؟.. غايتو بالشايفاهو دا.. يبدو أنه عما قريب سيكون هناك مصلحة اسمها (عدم الاشتمال).. تقصدها لكي تستخرج منها ورقة مختومة وموقعة تؤكد انه لا يشملك القرار الذي لم يتم ذكر أسمك فيه.. حتى ذلك الوقت.. (كن مستعداً) لأي شبهة (اشتمال).

ملحوظة: حقوق الطبع محفوظة لكلمة (اشتمال).. وكدا

صباحكم خير – د ناهد قرناص
صحيفة الجريدة

Exit mobile version