رفضت قيادات، وصفت بالبارزة في الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، بياناً ممهوراً بتوقيع مجموعة (أم دوم)، انتقد سياسات إدارة مولانا محمد عثمان الميرغني للحزب من منفاه الاختياري، لا يبدو الاختلاف بين مكونات حزب الوسط جديداً، البعض يقول إن الاتحاديين لو لم يجدوا أسباب الصراع لاقترحوها. ومن لم يجد فيهم التيار الذي يسع أفكاره صنع تياره الخاص، لدرجة أن قليلا من الناس يمكنه إعطاء رقم حقيقي لعدد التيارات الاتحادية التي تخوض في المشهد السياسي السوداني. واللافت في بيان الرافضين لمهاجمة مجموعة أم دوم لمولانا الميرغني قولهم: “إن الحزب الاتحادي دون الميرغني لا طعم ولا رائحة له”، وهو يبدو مدخلاً للتداول حول مآلات الحزب العريق، وبالطبع قياس الأحزاب الأخرى وفقاً لحالته، ولأي درجة يمكن القول بأن لها طعم ورائحة؟
بالنسبة لوزير الاستثمار في حكومة الظل السودانية المنخرط في الحزب الاتحادي الديمقراطي تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية، وائل عمر عابدين، فإن المطلوب الأول هو إعادة صياغة السؤال بدلاً من رائحة وطعم الأحزاب السياسية، ليتمحور حول جدلية هل السودانيون يمتلكون أحزاباً سياسية حقيقية؟ وإلى أي مدى يمكن قياس الأداء السياسي في البلاد انطلاقاً من قياسات الأداء الحزبي؟ يقول وائل في ثنايا نقده للأداء السياسي في السودان، إنه يمكن إطلاق أي توصيف على هذه المنظومات غير نعتها بأنها أحزاب سياسية لا توجد أحزاب سياسية في السودان. والحديث لوائل عابدين؛ وهو الأمر الذي بإمكانه تغيير مسار الجدل حول هل يفقد الحزب طعمه ورائحته بغياب مولانا، للتساؤل حول وجود منظومة اسمها الحزب الاتحادي الديمقراطي.
يقول وائل إن أكبر أمارة على تقدم الاتحاديين النسبي على المنظومات السياسية في السودان، أنهم سبقوا الآخرين في الانقسام والتشظي. القراءة في دفتر الحزب الاتحادي الديمقراطي تنطلق من وقت باكر وتحديداً عندما كان أزهري بصوته الجهوري يهتف منادياً بالحرية والاستقلال لبلده من براثن قوى الاستكبار والإمبريالية، ويخلط النداء بنداء آخر هو امتزاج واتحاد السودان بمصر كانت الفكرة تجد الرواج الكبير حتى لحظة الميلاد، كانت نقطة الضوء التي أخرجت للملأ الحزب الوطني الاتحادي كمعبر عن إرادة الحركة الاتحادية، بل صار معبرا عن الإرادة السودانية التي صوتت له في العام 1953، بعدها جلس الأشقاء في كراسي البرلمان حكاماً، ولأن قوى الوسط التي قام على أكتافها الحزب كانت تصارع نفسها إن لم تجد من تصارعه، وقد بدأت ثورة التفكك الحزبي وصار الاتحادي أحزاباً شتى ومتفرقة يصعب على الكثيرين عدها.
بعيداً عن التيار الذي يقوده الآن مولانا الميرغني يمكنك أن تعد مجموعة تيارات اتحادية تبدأها من مجلس الوزراء، حيث يجلس أحمد بلال عثمان تحت راية الحزب الاتحادي الذي كان يتزعمه في وقت سابق الراحل الشريف الهندي، وهو الحزب الذي يتصارع حول زعامته الآن أحمد بلال مع إشراقة محمود. وفي ولاية الجزيرة يقود أزرق طيبة تياراً اتحادياً في الوقت الذي تقود فيه جلاء الأزهري تيارا اتحاديا اختارت أن تسميه (الاتحادي الموحد) في زمان التشظي، وهناك أيضاً الحركة الاتحادية. وما لا يخفى أن الاتحاديين ينقسمون الآن بين المشاركة في السلطة ومقاومتها.
في بيانهم الذي أثار حفيظة مناصري رئيس الحزب، قال منسوبو مجموعة أم دوم، إن الحزب الاتحادي الأصل الآن لم يعد موجوداً، وهو لا يمتلك شرعية الاستمرارية، وبالطبع هو لا يمثل تطلعات الاتحاديين وقيمهم التي آمنوا بها، وعلى رأسها ما يسميه الاتحاديون فضيلة الوقوف ضد الحكومة الديكتاتورية، وللأمر أيضاً ارتباطات بالجوانب الإجرائية التي يدخل في سياقها السؤال الحاضر حول توقيت آخر مؤتمر عام أقامه الحزب الاتحادي بزعامة مولانا؟ لكن ثمة من يمضي بعيداً عن رؤية مجموعة أم دوم التي تحمل ألوية الإصلاح داخل الحزب، ولأجل ذلك دخلت في مواجهات عديدة إلى النظر داخل البنية التنظيمية للحزب الأصل وتحديداً المجموعة الداعمة لاستمرار زعامة مولانا الميرغني. هذه المجموعة وفقاً لمجريات الأحداث القريبة لم تكن على قلب رجل واحد ربما متابعة تداعيات عملية تحديد قوائم المشاركين في السلطة توضح وبجلاء حجم التباين في وجهات النظر، بينها المفارقة كانت أن أي مجموعة تدفع بالأسماء تؤكد على أن هذه الأسماء هي التي أشر عليها مولانا الميرغني إشارة القبول.
وللتأكيد على عمق الأزمة التنظيمية في الأصل يمكن العودة لآخر تصريحات لمولانا الحسن الميرغني في رمضان الفائت، وهو يعلن عن اقتراب ميقات إقامة المؤتمر العام وعن اكتمال الاستعدادات، وكان وقتها نجل مولانا يؤكد على مقولة أن (الميرغني هو طعم ورائحة الحزب)، حين قال إنه لا يوجد الآن من يمتلك الزعامة والكاريزما التي يمتلكها، وإن الزعامة في السودان تنتهي عند صاحب التصريح الأشهر الذي قال فيه إنه يملك القدرة على حل قضايا السودان في (181) يوماً، قال وقتها إنه أحق الناس وأكثرهم مقدرة وإمكانيات لخلافة والده. بالطبع لم يظهر على السطح ما يؤكد المضي قدماً لإنجاز المؤتمر العام، وأن التصريح انتهى بانتهاء مراسم قوله.
الحسن الذي يشغل الآن منصب الأمين التنظيمي، وفي الوقت ذاته نائب رئيس الحزب ومساعد في القصر الجمهوري، يراه البعض تعبيراً آخر عن غياب المؤسسية وعن عدم وجود منظومة في الأصل، ولعل ما يؤكد على هذا هو قراره بفصل عدد من القيادات، على رأسهم علي محمود، فيما أطلق عليه ساعتها حملة تخليص الحزب من (الدواعش)، الذين انتظروا قرار عودتهم عبر مجلس الأحزاب، وقتها علق أحدهم على حالة الغضب من قرارات الفصل قائلاً: “كل ما حدث هو أن مولانا الميرغني ترك عربته في المنزل فقادها ابنه، ليتسبب في الحوادث”
الخرطوم – الزين عثمان
اليوم التالي