“كامبردج” ليست هي الجامعة البريطانية العريقة، ولكنها مدرسة لمرحلة الأساس تقبع في حي الطائف شرقي الخرطوم. ومن اسمها تبدو المدرسة أنها لا تتبع لمؤسسات التعليم الحكومي، وبالفعل هي خاصة، خاصة في كثير مما يدور بداخلها، وتصدرت الأنباء أمس اثر إعلان وزارة التربية والتعليم بالخرطوم تعليق الدراسة فيها، ريثما تحل بعض العقبات التي برزت للسطح، وليس أقلها تظاهرة احتجاجية نفذها أولياء أمور تلاميذ المدرسة، فتحركت الأخيرة بدورها لاستجلاء الأمر ولما استبان لها شيء من وجاهة الشكوي أمرت بتعليق الدراسة لحين التحري والاستيثاق من تظلم أولياء الأمور، ووضع حلول لها، فما الذي جرى ويجري بمدارس كامبردج السودان.
للإجابة عن هذا السؤال، شددنا في (الصيحة) الرحال قاصدين المدرسة المعنية ظهر أمس “الأربعاء”، وهو ما سنأتي على ذكر تفاصيله لاحقاً، ولكن قبل ذلك علينا وقبل الدخول في تفاصيل ما وجدناه بداخلها من المعنيين، سنرى ما الذي حدث بالمدرسة وأسبابه ودواعيه، بحسب ما أبانت عنها وزارة التربية والتعليم بالولاية.
احتجاج قديم
ليس جديداً أن تشهد المدرسة الموسومة بالعالمية احتجاجات على هذا الصعيد، ففي العام 2013م ارسلت خطابات لأولياء امور التلاميذ حددت فيها زيادات على رسوم الدراسة مبينة فيها قرارها بزيادة الرسوم وفق تفاصيل المستويات الدراسية، واحتج اولياء الامور على الزيادة الكبيرة التي طرأت على الرسوم، فعقدوا اجتماعات الجمعية العمومية لكل مدارس كامبردج العالمية ومناقشة الأمر فأثمر احتجاجهم عن تفاوض مع ادارة المدرسة ادى لتعديل قرار زيادة الرسوم لنسبة معقولة.
أصل القضية
مربط الفرس في قضية “كامبردج” أن ثمة احتجاجات وتساؤلات دفع بها أولياء أمور التلاميذ لإدارة المدرسة، تتعلق بمطلوبات محددة، وهي تهيئة بيئة المدرسة، والرسوم الدراسية التي زادت هذا العام، لحد وصفه أولياء الأمور بغير المبرر، وعدم مطابقة الأدوات المدرسية والزي المدرسي للمواصفات المطلوبة، والاختلاط في بعض الفصول، والنقص الحاد في المعلمين، وما الى ذلك من إشكالات، ولما لم تجد تلك التساؤلات آذاناً صاغية من المدرسة، عمد أولياء الأمور لتنظيم تظاهرة احتجاجية أمام مقرها صباح الثلاثاء، فعلمت وزارة التربية والتعليم بالأمر، ووصلت لموقع الحدث بقيادة قمة هرم الوزارة “وزير التربية والتعليم بالولاية” الدكتور فرح مصطفى، واجتمع بإدارة المدرسة، وتسمَّع تظلم أولياء الأمور المحتجين، فما محصلة زيارة الوزير؟
تعليق الدراسة
حالما فرغ الوزير من زيارته للمدرسة، وجَّه بتعليق الدراسة بمدارس كامبردج لحين توفيق أوضاعها في النواحي التعليمية والتربوية، وكشفت الوزارة في تعميم صُحفي أصدرته إدارة الإعلام حول الأمر عقب الزيارة، أن هناك تردٍ واضح في مستوى البيئة المدرسية، وقالت إن إدارة المدرسة لم تلتزم بقاعدة ربط المعلمين وانعدام الرعاية الصحية والبيئة للتلاميذ، ونوهت الى أن اجتماع الوزير مع ادارة المدرسة كشف عن زيادة غير مبررة للرسوم الدراسية، وعدم مطابقة الأدوات المدرسية والزي المدرسي للمواصفات المطلوبة، والاختلاط في بعض الفصول، والنقص الحاد في المعلمين، وأشار تعميم الوزارة لعدم إلتزام إدارة المدرسة بقاعدة ربط المعلمين مع انعدام الرعاية الصحية والبيئة للتلاميذ بالمدرسة، وتأسيساً على تلك المعطيات وجَّه الوزير بعمل لجنة لمراجعة زيادة الرسوم الدراسية بالمدرسة حسب قانون التعليم الخاص، مع توجيه إدارات التعليم الخاصة بالمحليات للقيام بزيارات غير معلنة للمدارس الخاصة والاجنبية، للوقوف على الالتزام بالتصاديق الممنوحة لها، ومنع الاختلاط في كل المراحل الدراسية، ومراجعة بيئة المدارس، بما يتناسب مع عدد الطلاب والتلاميذ مع المساحة، وعدد دورات المياه ومراجعة عدد المعلمين حسب قاعدة الربط ومؤهلاتهم. خاصة المعلمين الاجانب والتأكد من الالتزام بالرسوم المعتمدة من الوزارة، والتزام المدارس بتنفيذ الحصة الصباحية وطابور الصباح.
تحفظ حول الحديث
سنعود الآن لقصة الزيارة التي قمنا بها للمدرسة ظهر أمس، وفور وصولنا لمقرها دلفنا للداخل، وجدنا حرس الاستقبال، ألقينا عليه التحية وأخبرناه بهويتنا ومقصدنا من الزيارة، الشاب الذي يبدو في منتصف الثلاثينات من عمره تهلل وجهه بالبشر، وهو يمتدح زيارتنا فقادنا لمكتب داخلي يبدو أنه مكتب السكرتارية، فكان منهم مثل سابقهم من بشاشة وترحيب، قبل أن يقودنا للمكتب الداخلي التابع للإدارة، وهناك بعد التحية والتعريف بهويتنا ومقصدنا قالت لنا إحدي الموظفات التي تجلس على منضدة المكتب أن الأمر ما يزال طي الدراسة ومعرفة المسببات، وأكدت تواصل مساعيهم مع الوزارة لمعرفة المزيد من التفاصيل حول تعليق الدراسة، ولم تزد عن ذلك، رغم دفعنا لها ببعض التساؤلات، لكنها لم تشأ الإجابة وجددت قولها بأن الحديث حول القضية بالنسبة إليهم “سابق لأوانه”.
حينها أمسك بزمام الحديث زميل لها بالمكتب، وعرفني بأنه مسؤول الإعلام بالمدرسة، “رفض تعريفنا باسمه” وسار على ذات خطى سابقته، وهو يقول لي ان القضية كثير من تفاصيلها ما تزال غير معلومة لهم، ووعد بتمليك كافة الحقائق حولها ريثما تصفو الأمور ويذهب كدر وغشاوة تعليق الدراسة، طالباً مني ترك هاتفي وهو سيقوم بالمبادرة بالاتصال واخبارنا بعد معرفة بعض الأشياء التي لم يسمها.
رغم كونه بدا متفهما لمهمتي وقال انه مسرور بها لكنه قطع بعدم الإدلاء بأية معلومة حول الموضوع في حينه، مشترطا أن يكون الأمر بعد ترتيبهم ودراسة القضية والفراغ من تفاهماتهم مع الوزارة وأولياء الأمور، وهنا ألقيت عليه بتساؤلات عن أسباب الاغلاق وكم تبلغ الرسوم الدراسية في السابق، وكم أصبحت هذا العام بعد الزيادة، وما مدى مشروعية المطالب التي بموجبها تظاهر أولياء الأمور، خلوصاً الى ما وصل إليه الحال من تعليق الدراسة وما يترتب على ذلك القرار من تأثيرات سالبة على مستقبل التلاميذ، ولكن كل تلك التساؤلات قطع محدثي أنها غير قابلة للإجابة في جلستنا تلك، مؤكدا أنه واثق من سلامة موقف المدرسة وإدارتها ولا شيء يستحق القلق، ولكن لم يبد لي متسقا من خلال نبرة حديثه لا سيما بعد تأكيدنا عليه أن ثقته في سلامة موقفهم لن يجعل لديهم ما يخسرونه في حال الإدلاء بالحقائق، فرفض مستعصما برأيه المسبق.
مشاهدات
بدت المدرسة أمس خالية من أي وجود سوى قليل من الموظفين وبعض أفراد الاستقبال وأفراد متناثرين على بعض المواقع بساحتها الخارجية، وإن كانت الأمانة تقتضي ذكر محاسن المدرسة، فهي مؤسسة على مبنى مناسب، وتبدو الفصول الداخلية جيدة لحد معقول، لكن للأمانة فهي ليست على مستوى التسمية “العالمية” كما أن نواقص مثل صغر مساحة النشاط الطلابي لا يمكن اغفالها عندما يكون الحديث عن مؤسسة تربوية بحجم مدرسة عالمية، ومهما يكن من أمر فكامبردج أمام امتحان تقول الشواهد أن الخروج منه بشهادة نجاح رهين بمراجعة العديد من المطلوبات، فهل تفعلها المدرسة؟ ذاك سؤال تجيب عنه الأيام.
الخرطوم: جمعة عبد الله
الصيحة