أفلحت وزارة التربية والتعليم في إحالة درس (الإسلام دين التوحيد) الذي كانت قد أصدرت قراراً بوقف تدريسه إلى حين دراسته وتقويمه ، أفلحت بإحالته إلى مجمع الفقه الإسلامي لدراسة مدى صحة القرار ، مسلمة القوس إلى باريها وموسدة الأمر إلى أهله، وأقولها بملء في إنني على المستوى الشخصي سأقبل حكم المجمع ، أياً كان ، ثقة فيه ونزولاً على ما يراه حتى إن خالف رؤيتي وليت جميع الأطراف تتفق على اعتبار المجمع الفقهي حكماً نهائياً يُنهي الخلاف والتنازع الذي نشأ قبل وبعد القرار.
لقد ضجت منابر الجمعة الفائتة بقرار وقف ذلك الجزء من المقرر الدراسي والذي حسبه البعض نهائياً وبالرغم من أنني لا أجد مبرراً البتة لاتخاذه سيما وأنه تزامن مع ذلك الإعصار الكاسح الذي اجتاح عالمنا الإسلامي بعد الزيارة المشؤومة إلى المملكة العربية السعودية التي قام بها الرئيس الأمريكي ترمب الذي بلغ من تطاوله على الأمة ومن انكسارنا له ، درجة الاتفاق معه على إشراف الإدارة الأمريكية الفاجرة ، بكل ما عرف عنها من عداء للإسلام والمسلمين ، على إدارة معهد يقام في الرياض – عاصمة أرض الحرمين الشريفين – لمراجعة المناهج الدراسية بما يزيل كل المواد التي من شأنها نشر الإرهاب والتطرف وفقا لما تراه أمريكا فهل بربكم من هوان أكبر من ذلك؟!
لو لم أسمع هذا الكلام من لسان تيليرسون وزير خارجية أمريكا لما صدقت ولكن الرجل أعلنه على رؤوس الأشهاد، فوا حر قلباه !
أكثر ما ألهب عاصفة النقد لقرار وزارة التربية أنه جاء بعنوان مثير ضجت به مانشيتات الصحف والأسافير : وقف تدريس منهج (الإسلام دين التوحيد)!
مانشيت يعبر عن ردة كبرى أعظم من تلك التي جيّش الخليفة الراشد أبوبكر الصديق لها الجيوش لاستئصال شأفة مانعي الزكاة من جزيرة العرب، وهل بُعث محمد صلى الله عليه وسلم والمرسلون جميعاً إلا لإعلاء راية التوحيد وهل بُني الإسلام إلا على التوحيد الذي يتقدم جميع الأركان الأخرى التي لا تقبل عند الله تعالى قبل استيفائه باعتباره الركن الأول الذي بني عليه الإسلام؟!
إنه والله لمن المحزن أن تصل عاصفة ترمب إلى ديارنا وأن يبلغ الخصام بين أهل القبلة من سلفيين وصوفية هذه الدرجة من التباعد الذي وصل إلى أن يختلف الناس على ثوابت المعلوم من الدين بالضرورة.
شاهدت بعيني رأسي تلك الحميمية التي جمعت بين الشيخ الخليفة الطيب الجد ود بدر رئيس المجلس الأعلى للتصوف ودكتور إسماعيل عثمان رئيس جماعة أنصار السنة عندما زار الثاني الأول في عزاء زوجته في أم ضوا بان، لكن للأسف فإن مسعري الفتنة يأبون إلا إشعال حريق الخلاف.
من هذا الطرف تجد فقيري وآداب ومحمد المصطفى عبدالقادر الذين بلغ التطرف بأحدهم درجة الهجوم حتى على الشيخين الجليلين د. عبدالحي يوسف ود. محمد الأمين إسماعيل، بالرغم من أنه أقل شأناً وعلماً من أن يتتلمذ على أيديهما مع تكفير هؤلاء المتطرفين للصوفية وتجد من الطرف الآخر شيخ الدجالين (الأمين) وأمثاله الذين يزعم بعضهم ، على طريقة طبقات ود ضيف الله الذي روى القصص المثيرة عن شيوخ يحيون الموتى ويطيرون في الهواء ، أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناما!
للأسف الشديد فقد تصاعد الخلاف خلال الفترة الأخيرة ودخله علماء كبار من الطرفين، وكم حزنت أن بعض كبار أحد الطرفين عمّموا الهجوم على كل المتصوفة، ووجدت بعض أشياخ الطرف الثاني يشنون الحرب على جميع السلفيين مع هجوم كاسح على الوهابية وشيخهم الثائر محمد بن عبدالوهاب الذي أزال كثيراً من الشركيات التي انتشرت في الحجاز قبل مقدمه، وأعجب أن أحد كبار القيادات الصوفية من الذين أكن لهم احتراماً كبيراً ، وهو بالقطع عالم نحرير ، بلغ به العداء درجة أن يصف شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه مصدر الشرور مجازفاً بارتكاب إثم كبير، وأود أن أسال هذا الرجل وأمثاله من علماء التصوف الذين أوشك كثير منهم أن يكفروا السلفيين : هل تصلون خلف إمام الحرم المكي الشيخ السديس أو الشيخ الشريم عندما تحجُّون أو تعتمرون أم تتخذون لكم مصلى آخر خارج الحرم؟!
إن الأمر يحتاج للعقلاء من الجانبين لكي يتفقا على ميثاق شرف أخلاقي حول القواسم المشتركة بما يُنهي ذلك التحزب الذي يضر بالدعوة إلى الإسلام في بلادنا والتي بلغ الجهل في بعض قراها في أطراف الخرطوم (قرية عروسة مثلا) أن لا يفرق بعض النسوة بين الله ورسوله ولا يحفظون سورة الفاتحة ناهيك عن أن يصلوا ويصوموا!
إن على وزارة التربية أن تحذر من اتخاذ مثل تلك القرارات قبل أن تستفتي أهل الاختصاص في المجمع الفقهي خاصة والذي يقوده أحد رواد الوسطية في عالمنا الإسلامي وأعني به دكتور عصام البشير .
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة